العدو وشركاه في حارتنا!

العدو وشركاه في حارتنا!

منذ أول تطبيع سياسي مباشر مع العدو الصهيوني في اتفاقية كامب ديفيد، وما تبعها من اتفاقيات ومحاولات للتطبيع الثقافي والاجتماعي، ورغم المحاولات المستمرة لتحقيق اختراقات هنا أو هناك، كان آخرها موقف الكاتب اللبناني الأصل، الفرنسي الجنسية أمين معلوف، ما تزال الشعوب العربية وغالبية المثقفين يرفضون ذلك، وينتقدونه.

 

إذا كان البعض في السياسة سابقاً يخفي خيانته، فقد أصبح اليوم يعتبر التطبيع وجهة نظر، يجاهر ويتفاخر بها! غير آبه بالقضية الفلسطينية ولا بحقوق الشعب الفلسطيني، بينما بقيت هذه القضية عند شعوب المنطقة، رغم معاناتها من الفقر والجوع والقهر والظلم والاستغلال، ما زالت تعيش في وجدانهم الشعبي، ورغم التهميش والقمع وكتم الأصوات أياً كان مصدرها، ويتجلى ذلك في رفضهم للتطبيع مع العدو الصهيوني جملةً وتفصيلاً! 

تطالعنا اليوم، بعض القنوات التلفزيونية في أنظمة البترودولار، بمحاولة غرس التطبيع في الوجدان الشعبي عبر الدراما في الوقت الذي تراجعت فيه الأعمال الدرامية المدافعة عن ثقافة المقاومة؟

العمل على التطبيع الثقافي عموماً ظل قائماً، ولم يتوقف يوماً، وكان له أشكال عديدة، ومحاولات دائمة وبطرق مختلفة، أحياناً كانت ظاهرة للعيان وواضحة وأحياناً مستترة خلف عناوين وتسميات مختلفة، ويمكن تعداد الكثير منها، لكن اليوم تظهر خطورة كبيرة للترويج لأفكار التطبيع، خاصة بعد حالة الغليان التي تعيشها المنطقة والتحولات المتسارعة في الظروف السياسية التي تحكمها اليوم، والتي يمكن أن تؤسس لحالة من الفوضى الفكرية والذهنية، تجعل ما كان مرفوضاً سابقاً، مقبولاً ومباحاً اليوم، وتستخدم لذلك أفضل الأدوات المؤثرة في الوعي، ومنها التلفزيون لما يمثله كوسيلة ثقافية إعلامية موجودة في كل بيت، وتستهدف الكبار والصغار! 

مأمون وشركاه!

يبث يومياً في الموسم الرمضاني الحالي بعد الإفطار مسلسل مأمون وشركاه على قناة ((mbc، وهو من بطولة عادل إمام ولبلبة، وفيه يعرض الموقف من «اليهود» باعتباره موقفاً دينياً وليس موقفاً سياسياً، رغم تكرر مفردة «إسرائيل» والحديث عنها كوطن على لسان عدة شخصيات في المسلسل، ومناقشة هذا الموضوع باعتباره «حقاً تاريخياً» والمشكلة هنا أنه يجري تمرير مثل هكذا مقولات وترويجها باعتبارها وجهة نظر لتكون مقبولة اجتماعياً.

إن تصوير الصراع على أنه «ديني» لا سياسي، ولا حتى وطني، يعطي المبرر للمجموعات المسلحة التكفيرية الفاشية ويشرعن وجودها، وفيه تشويه للصراع الوطني مع الكيان الصهيوني، رأس حربة رأس المال العالمي، والمالي خصوصاً، فالمسلسل يصور «اليهود» على أنهم «ضحية» هذه المجموعات الإرهابية! والأنكى من ذلك استخدامه مفردات ورموز وإشارات تشوه ثقافة المقاومة والمقاومين، فالشيخ الذي يقود الجماعة التكفيرية يضع على رأسه عمامة، بشكل (الكوفية الفلسطينية)، وإلى جانبه يقف مُريده «رمزي» واضعاً عمامة سوداء!

إضافة إلى الضعف الدرامي الواضح، وحشر المواقف من اليهود حشراً، لجعلها جزءاً من الواقع المصري، الذي يُغيب فيه الفقراء والمسحوقون الذين يموتون من الجوع ويسكنون المقابر، ويجري تصوير حياة الأغنياء، والإسهاب في توصيفها، وإظهارهم على أنهم نبلاء العصر!.. كما يجري تسويق تصوّر عن حلّ الأزمة الاقتصادية ومعاناة الشعب المصري، عبر حلول فردية، وليس بتغيير السياسيات التي أنتجتها، وهذا ليس مستغرباً من عادل إمام وطاقمه الذي سبق له أن قدم سابقاً مسلسل ناجي عطاالله والسفارة في العمارة، وكالعادة جرى تسطيح المواقف المقاومة للعدو الصهيوني.

باب الحارة..

وعلى القناة ذاتها، وبعد مسلسل مأمون وشركاه، يعرض الجزء الثامن من مسلسل باب الحارة السوري. ولسنا هنا بصدد تعداد المغالطات الكبيرة الواضحة والمتعددة التي جرى تمريرها في أجزائه السابقة وصولاً إلى جزئه الحالي، والتي وصلت إلى حد تشويه الذاكرة الوطنية للشعب السوري، وبنيته ومستواه العلمي والثقافي..إلخ. ولكن ما يميز هذا الجزء هو تمريره أفكاراً مشابهة لما سبق ذكره وبالطريقة ذاتها، وإن اختلف الشكل، من خلال إدخال القضية في متاهات، وقصص «الحارة» كما يتخيلها صناع المسلسل والقائمون عليه، الذين استخدموا بعض الأحداث التاريخية «الصحيحة» في قسم منها، وحشرها وإقحامها في التفاصيل الملحمية  لسكان «حارة الضبع» التي وصلت إلى درجة الفكاهة! 

لا شك أن محاولات التطبيع الثقافي عموماً، وعبر الدراما خصوصاً، وفي هذه الظروف بالذات خطرةٌ جداً وهي ليست عفوية، وتعتمد على تشويه الصراع مع العدو الصهيوني وحرفه وتصويره بأنه صراع ديني.. وليس صراعاً سياسياً طبقياً اجتماعياً، وهو ما يتطابق مع طروحات العدو الصهيوني في هذا المجال! إضافة إلى تسطيح المواقف المقاومة للعدو الصهيوني، وتصوير اليهود بأنهم هم الضحية!

وهنا لابد من التذكير أيضاً أن الشبكة ذاتها وعبر قناتها (mbc2) تسوق أفلاماً أمريكية صهيونية هوليودية تجسد التوجه ذاته، وتستخدم كافة الرموز والإشارات التي تحاول تثبيت الفكر الصهيوني ونشره بشكل واضح.. الجديد هنا هو استخدام ممثلين سوريين ومصريين وبمالٍ خليجي لتحقيق الهدف ذاته!

آخر تعديل على الخميس, 06 تشرين1/أكتوير 2016 17:41