بأيِّ حال عُدت يا عيدَ الشِّعر؟؟
يوم الشعر العالمي عاد من جديد ليذكر إنساننا الغارق في همومه «اللاشعرية» بأن للشعر أيضاً يوماً... قد يراها البعض مناسبةً لاستعادة ذلك الشعور العتيق بالغواية، ولكن العيد عاد دون أن نرى جموع الغاوين تتبع الشعراء منطرحةً تحت سحر غوايتهم.
فهل فقد الشعر غوايته؟ أم أن مدننا «الفاضلة» تطرد الشعر والشعراء، مثلهما مثل مدن أفلاطون الفاضلة؟!
ربما كان الشعراء أنفسهم هم خير من يجيب على هذه التساؤلات، ولذلك توجهنا بالسؤال التالي إلى عدد من الشعراء السوريين والعرب عبر الإنترنت: أيها الشعراء.. بأي حال عاد عيد الشعر هذه السنة؟؟؟ وكانت الحصيلة هذه الإجابات..
عاشور الطويبي (ليبيا):
ياااااه.. ما أصعب السؤال!! الإنسان المعاصر غالباً ما تكون أيامه لهاثاً وراء لقمة العيش ومحاولة فهم ما يجري من حوله من أمور في غاية السوريالية. أما الذين يتعاطون الثقافة فهم أكثر من صنف: صنف مثل البضاعة المصنعة في الصين لأسواق الفقراء: شكلها ماشي الحال ولكنها لا تدوم. صنف آخر باع كل شيء وأصبح في سوق النخاسة نخاساً رفيعاً. وصنف آخر رافع الرأس، عالي الهمة قوته وعي عال، وشرابه الأدب واسمه الثاني الجمال، شعرهم أصيل وهم من يصنعون الحياة لا أحد سواهم.. العيد يعود لمن ينتظره ويعيش في أعمال من يصنعه.
نصر جميل شعث (فلسطين):
الشعر بحد ذاته عيد أبدي أو حركة أبدية. و اختيار يوم له وتعظيم هكذا مناسبة بشرية ربما يضمّر الشعور بالذنب تجاهه من قبل الذين ظنوا بتراجعه وراء الانشغال في عالم الماديات. لكن الشعر حي وحاضر في كل الأشياء. اليوم رأيت الشعر صهوة حركة بيضاء حجبت عني غرابا لحق بمؤخرة باص كان يجري على طريق الثلج. عيد الشعر أو فرح القصيدة أجده كل يوم مصادفة أو بحثاً في كتابات جديدة تسرّني.
وفائي ليلا (سورية):
الآن علمت أن للشعر عيداً... وهو أمر ممتاز (البشرية بخير إذاً!!). أما الشعر فهو حاضر دائماً، لأنني أعتقد أن له أتباعاً يحرقون شموع حيواتهم في معبده الغامض والسري يومياً... دون جِنان أو حور للغواية.. والعيد إن حدث وعاد فهو لمن لا ينتبه عادة. أما من يعيشه (أي الشعر) فهو متلبس فيه حد الحلاج وجبته الشهيرة.
تمام التلاوي (سورية):
هذه السنة يعود يوم الشعر عليّ أكثر التباسا في المغترب الذي اخترته «قسرا» منذ عام. هذه السنة أفتقد مكتبتي الحميمة، ودفاتري القديمة التي كتبت عليها مختاراتي من شعر العالم. أصبحت هنا أكثر انحيازا لجهاز الحاسوب بشكل اضطراري، وصارت مكتبتي هي المكتبة الالكترونية الشاسعة التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة. أفتقد ملمس المحبرة الأنثوي كما أفتقد رائحة خشب المكتبة، وعث الكتب الحميم الذي يسبب لي العطاس كلما فتحت كتابا مصفرّ الصفحات. العالم يتغير وطرائقنا في العيش تتغير معه شئنا أم أبينا، وكذلك طرق تعاطينا مع الشعر كتابة وقراءة ونشرا. سيحافظ الشعر على طرقه الصعبة في شق المعاني، وسيحتفظ الشاعر بعذاباته كلما كتب قصيدة جديدة، لكن الذي يختلف عاما بعد عام هو ازدياد انجرافنا نحو الكمبيوتر لقراءة وتتبع ونشر الشعر. تشيع اليوم طرق النشر الالكتروني ليس الكتابية وحسب، وإنما الصوتية، وربما المرئية، يدخل الشعر شيئا فشيئا إلى عصر الصوت والصورة.. ضغطة زر واحدة كفيلة بإدخالك إلى أمسية شعرية عالمية تجد فيها كل شعراء العالم منذ هومير إلى آخر خاطرة شعرية كتبتها فتاة في المرحلة الابتدائية.. لكن هذه السهولة الفائقة في الحصول على كل تدوينات البشر، تحمل معها صعوبة فائقة جدا في اكتشاف الشعر الحقيقي والشعراء الحقيقيين بين كل هذا الركام المنفلت.
لم أرد لهذا اليوم أبدا أن يكون عيدا للشعر منذ أقرته اليونسكو قبل اثنتي عشرة عاما، أردت ألا أتذكر في هذا اليوم سوى أمي، آلهة الشعر التي تقطر شعرا منذ صباها والتي أنجبت في ذات اليوم أختي ورفيقة طفولتي ريم.. لم أرد للشعر – رغم عشقي له- أن يتدخل في شؤون العائلة. أردت للشعر أن يبقى محتفظا بيومه التقليدي في الخامس عشر من تشرين أول، ذلك اليوم المقدس الذي ولد فيه الشاعر اليوناني الملحمي العظيم: فيرجل. في كل عيد أتذكر هذه المسألة. لكنني أقول أيضا: إن الشعر عيد نفسه. كل يوم ننجز فيه قصيدة يكون عيدا للشعر.. أيها الشعراء كل عام وأنتم بحبر..
علي سفر (سورية):
الشعر يعود في عيده و كأنه لم يغادر. هو ذلك الكائن الذي لا نعرف كيف نداريه فيهرب من مللنا و من سأمنا، ومنا.. في المحصلة الأخيرة، وحين نتذكره في عيده ونبحث عنه نكتشف كم كنا أغبياء، فهو لم يغادرنا أصلا..
الشعر هو الحب.. و كم نبكي على الحب الذي فقدناه.. وفي النهاية يتحول بكاؤنا إلى أغنية تصلح لأكشاك الكراجات، ولكنها لا تصلح لإعادة أي عاشق إلى معشوقه.
لهذا لن أحتفل بعيد الشعر..
طلعت شعيبات (فلسطين):
الشعر لم يعد كما كان عملة صعبة بل أصبح مجانياً، يمكنك أن تصنع شاعراً في أقل من عام،
هناك سرعة في صناعة الشعراء، لقد هربنا، أيها الشعر، من مواجهة الآخر لأمكنة مغلقة. الشعراء غابوا عن اليومي وها هم يسكنون في اللاوعي طيلة الوقت، فأصبحت النصوص مرهقة ومتعبة وقلة من يفهمون ما نكتبه.
ها أنت تعود وقد طغى على النص الابتذال مكان التجديد والانسلاخ مكان الحداثة. تغيرنا كثيرا يا صديقي فقد أصبحت هناك مؤسسات كبيرة تفرض سلطانها وأجندتها، أصبحت الحداثة، يا سيدي، المشجب الذي نعلق عليه أخطاءنا، وفراغنا السياسي والعاطفي، وإفلاسنا الحضاري..