مطبات فسد الهواء.. والدواء
(إذا فسد الملح بماذا يملح)
السيد المسيح
وصلنا إلى ما نخشاه، القلوب الميتة والأيدي القذرة.. الضمائر المنزوعة من الأرواح تعبث بأرواحنا، والقضية أعقد من قصة فساد، من طريق محفور لعدة مشاريع في شهر، أو انقطاع تيار كهربائي دون ريح أو مطر، أو موظف خانته يده فامتدت إلى خزانة مال الوظيفة، أو مسؤول أغراه المنصب بأن يتطاول على ما أؤتمن عليه.
القصة التي بدأت بدواء دون وصفة طبية، إبرة في العضل دون إذن طبيب، حبة لإثارة الغريزة دون جهد، علب تجميل وشامبو، أدوات معاشرة ساخنة، أعشاب طبية، ألعاب أطفال.. ، ثم تأجير شهادة الصيدلة لأي ناطق بالانكليزية... شهادات حسن سلوك لبعض شركات الأدوية... دواء أجنبي، تهريب، وآخر بلوانا... التزوير.
يحلف لي محمود(ع. أ) مريض الكلية من بين مئات من السوريين الذين استطاعوا بطريقة أو بأخرى النجاة من الموت بزرع كلية، سواء من متبرع قريب، أو بالمال، أن دواء الكلية عندما يتأخر عن موعد صرفه في وزارة الصحة يمكن أن يتدبره المرضى من الصيدليات، أما سبب اليمين الغموس هو أن هذا الدواء لا يمكن أن تستورده صيدلية، والسبب أنه يحتاج إلى رخصة استيراد، وهذا الأمر محصور فقط بوزارة الصحة، فكيف صار الدواء في الصيدليات؟.
ذات مرة حاولت وزارة الصحة أن توقف منح هذا الدواء الغالي، أو على الأقل صرف نصف قيمته ليتحمل المريض نصفه الآخر، الدواء الذي ينوء بسعره كل المرضى (المئات)، ولا تنوء بحمله الوزارة.. تدخل بالأمر بعض أبناء الحلال وتوقف المشروع، وقيل إن بإمكان الوزارة تقليص مصروفاتها من باب آخر.
لكن السؤال من أين جاء الدواء إلى الصيدليات؟ هنا يقول صيدلي محايد: إنه التهريب، وصيدلي معاند: نعم تهريب لكن من الداخل، وصيدلي خائف: ليس عندي هذا الدواء.. لكن (محمود) المريض الدائم، والذي لديه وجبات من الأدوية في مواعيد صارت دائمة يصر على أن تحري الأمر يؤكد أن بالموضوع ما يشبه حكاية البيروني.. جرعات الأشعة التي لم يبت فيها بعد.
التزوير كما تناولته الصحف المحلية، يطال بعض الدواء الأجنبي، وهذا ما يدلل على سيرة طيبة للدواء الوطني، فيمكن أن تجد في الصيدليات مصادر متعددة لدواء واحد، فكما كل سوقنا تبدأ من الصيني وتنتهي بالأمريكي والياباني، وهنا قد لا يكون الصيني هو الأقل جودة والأرخص، أما مصادر التهريب فمن دول مجاورة، وأماكن تواجدها ليست على الرفوف بل في درج طاولة الصيدلي، وبعض الأدوية يمكن أن يكون في الجيوب.
في الريف غير البعيد عن دمشق كونها تتطاول في كل الاتجاهات، يمكن أن يخرج الصيدلي مرهماً أصغر من خنصر اليد، مرهماً على علبته الكرتونية صورة وحيد قرن هائج، أو ظرف حبوب ليس أزرق اللون، أو حبة ملفوفة بكيس صغير ويردف قائلاً: من الهند علكة مثيرة مصنوعة من نباتات خاصة.
أثرى مستثمر الصيدلية، الصيدلاني الذي يجيد فقط قراءة اسم الدواء، بعد أن كان مستأجراُ بنى عمارته الجديدة، لكنه ظل مستأجراً خوفاُ من الحسد، أو وفاء لسبب نعمته، الصيدلاني الذي بلغ من الوقاحة أن يعرض مثيراته على الصغار والكهول، بالإضافة إلى بعض الحبوب التي تعطى للمرضى النفسيين، والتي نشهد على ضبط كميات كبيرة منها يومياً (الكبتاغون، البالتان)، وهنا يساعد الوضع الاقتصادي البائس، والبطالة بين الشباب على رواجها.
فسد الهواء وصرنا نتنفس الكربون، أمراضنا الصدرية أكثر من أن تحصى، السرطان يتسلل إلى قائمة أمراضنا كل يوم بصورة أسرع، وكذلك الماء ملوث، والأرض بالصرف الصحي وأكياس النايلون والاسمنت الذي لا يتوقف، لكن فساداً من نوع (الدواء)...أكثر من فساد الملح.
■ عبد الرزاق دياب