ربما ..! خيانة المكتبة..
هناك أكثر من أربعين كتاباً لم تُقرأ إلى الآن، تشهد على هذا الطاولة التي تكدست فوقها عناوين كثيرة: «أجمل قصة عن اللغة»، «الجماعات المتخيلة»، «الخالة تولا»، «التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية»، «الماء والأحلام»، «ترجمة البازلت».. وإلى ما هنالك من عناوين لا مجال لذكرها لئلا تكون الفضيحة مجلجلةً!
لا أعرف كيف تجمّعت هذه الكتب بهذه الغزارة، لكن ما أعرفه أنها باتت تعني شيئاً واحداً هو أنها نوع من أقسى أنواع الخيانة، خيانة المكتبة!!
القراءة الآن متروكة بين الأشياء الحقيقية الكثيرة المتروكة، مقابل الأشياء الزائفة الكثيرة المعتمدة والمأخوذ بها. والمكتبة رُذلتْ وأُهملت في زمن التنادي لـ»مجتمع المعرفة»، ويا لها من مفارقة!!
أربعون كتاباً وأكثر لم تقرأ!! كل التبريرات الممكن سوقها ستبدو غير مقنعة ولا كافية، فلو قلتُ هي مشكلة وقت، لفَنّد الأمر نفسه بنفسه إذ أن عملنا في جزء كبير منه هو قراءة، ولو تذرعتُ بأنها مشكلة تتعلّق بالمال كذبتُ، ذلك أن بند شراء الكتب بات بنداً ثابتاً في الميزانية الشهرية.. هي في الحقيقة مشكلة مزاج معطوب، ونفْسٍ خاويةٍ وجوفاء، فعموماً لم نعد نجد البحبوحة التي يحتاجها الدماغ كي يمتص رحيق الورق المطبوع، بعد انهماكنا في سفاسف ثقافة سريعة التحضير، سريعة الزوال طبعاً.. وما قادنا إلى خيانة المكتبة الآن سيودي بنا، بلا شك، إلى سلال لا متناهية من الخيانات لكل معنى أصيل.
في أوروبا يستطيع الإنسان الملاءمة بين كل المعطيات، فعلى سبيل المثال يفرد المتسوّل قماشته للمحسنين وبين يديه كتاب، بينما نرى مثقفنا المحلي يتعيّش على شوائب ما قرأ في شبابه، مساهماً، وبقرار واعٍ، في رفد الانحدار بمزيد من الانحدار، وفي دعم الانحطاط بانحطاط أشد وأقوى.
ذات مرة قال القارئ الكبير آلبرتو مانغويل إن قراءة الكتب بحد ذاتها عمل ثقافي.. لنسأل بناءً عليه: ما معنى خيانة المكتبة؟؟
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.