ابدأ.. العرض: الطريق إلى بيت أبي خليل القباني

هل تقصد قصر كيوان، تعني البيت المنهار خلف قصر كيوان، لا أعرف، أنا لست من سكان المنطقة، أنا أسكن هنا منذ فترة وجيزة، صاحب المصبغة يعرف المنطقة جيداً، ليس لدينا جار بهذا الاسم.. هي إجابات المجاورين لبيت رائد المسرح العربي، أول رجل قاد حياتنا إلى الخشبة، والفنان الذي علمنا عندما نشتاق إلى الوطن ندندن بعشق: «يا مال الشام يلا يا مالي».

ندع البشر، وندخل الزقاق المؤدي إلى البيت الذي قالت وزارة السياحة منذ أيام أنها ستحوله إلى متحف للمسرح، زقاق ضيق وقصير، وفي واجهته بيت جميل ولامع، يتوسطه باب زجاجي وعامل أنيق، فوق الباب عبارة كتبت بأناقة «قصر كيوان»، إنه الفندق الجميل الذي كان بيتاً دمشقياً آيلاً للسقوط، لكن يد الاستثمار أنقذته.. خلف القصر بيت بلا سقف، وبقايا جدران، وطريق إسفلتي بلا لون ومعالم يمر إلى جواره.

البيت المنهار على بعضه، يد غبية عابثة نالت من قداسة تفرده في المكان، ويد الإهمال أكملت العبث العام، يقف البيت أو ما تبقى منه على شرفة بردى، وادٍ يطفح بالماء والشجر، وهواء يهب رغم شدة الحر الدمشقي في تموز.

هنا كان يسكن الرجل الذي أراد التحدي في عتمة طافحة، ومجتمع كان يرى في الفكر كفراً، في اعتلاء المسرح زندقة، وموبقاته المرأة والشعر والكلمة، في هذا الطقس المظلم أخرجت عمامة القباني رأساً يشخّص الحياة، يكتب، يغني، يرفع يده بعلامة: ابدأ..العرض.

عودة من المكان والذاكرة، من دهشة جهل الجيران بجارٍ كأبي خليل، ومن الفزع من نظرتنا كأفراد ومؤسسات إلى هذه البيوت على أنها خرائب تستحق الهدم، واستبدالها بفندق أو كافيتريا، عودة إلى الوعد الذي أطلقته وزارة السياحة بتحويل البيت الخراب إلى متحف، لو صح هذا الوعد لأنقذنا بعضاً من ذاكرتنا، وبيتاً أوسع بحجم الوطن.

لكن الأسئلة التي تولدها الحيرة: لماذا تركناه كل هذه العقود عرضة لعبث الطبيعة والبشر، وحيداً على كتف بردى، وخجولاً أمام قمر دمشقي واضح وصارم؟

بيت القباني ربما سيهرب من قدر محتوم كان بانتظاره، إلى قدر جديد محتوم لنا، ربما الأصوات كانت عالية هذه المرة، أو ربما أرادت المؤسسات سماعها بسبب أو دون سبب، لكن قدره بنهاية مؤسفة كأقرانه قد تغير، لن يصير مطعماً لأفواه المتخمين، أو صالة ديسكو على هيئة دار للثقافة، أو صالون أدبي، لن يصبح على الأقل فندقاً لنوم العابرين بحجة السياحة في أوابدنا... ربما الأصوات التي تعالت، الشموع التي سارت إلى هناك، حيث خرج من عمامة القباني مسرحنا على طول وعرض هذا الوطن العربي.

من هنا، من بين الجدران المتهالكة والنخرة، كانت المحاولات الأولى للخروج من ظلمة الخرافة، إلى عالم يحب الفرجة والضوء... ربما بعودته إلينا نعود كما بالأمس غير البعيد نتدافع على شباك تذاكره، نتهامس في العتمة، نمسك أيادينا الدافئة لعرض جديد.

ابدأ العرض.. القباني يعود من عمامتنا إلينا؟