الدراما السورية.. بين هزيمة اليوم ووهم الماضي لماذا لا يبدأ البحث عن الحلول؟
تميزت كثير من الأعمال الدرامية السورية المعاصرة، بتصويرها الدقيق للواقع، إذ نقلت لنا على الشاشة صوراً من حياتنا، صوراً من الفشل والخذلان، نعرفها جميعاً، وتعيش معنا وبيننا. وعلى التوازي قدمت لنا الدراما السورية صوراً من تاريخنا القريب والبعيد، صوراً لا تنطوي في أغلبها على تحليل جديٍّ لما كان، وليس فيها محاولات مثمرة للإجابة على سؤال: «لماذا انتهينا إلى ما نحن عليه اليوم؟»، وإنما جاء معظمها تغنياً بأمجاد الماضي، أو سرداً بصرياً لمرحلة من مراحله.
لا يمكن تعميم التوصيف السابق على جميع الأعمال الدرامية السورية دون شك، إلا أن المحاولات المتميزة لم تتعدَّ كونها محاولات فردية، لم ترق كماً ونوعاً إلى مستوى المشروع المتكامل. ولنا أن نسأل القائمين على الدراما، ترى ما هي الجدوى من أن أرى الموظف الذي أخذ مني رشوة هذا الصباح، وهو يأخذها على الشاشة من شخص غيري؟ وماذا يعني أن أرى على الشاشة الفتاة التي ربطها والدها لأنه ضبطها متلبسة بجرم الحديث مع ابن الجيران؟ وعلى المقلب الآخر، ما الذي يمكن أن تقدمه «شهامة» رجال الحارات القديمة، وعفة نسائها الملفوفات بالفضيلة والجلابيب السوداء، سوى تكريس الوهم بإمكانية رفع سوية المجتمع، بالقليل من الأخلاقيات المجردة المحمية ببعض «المراجل»؟
يكفي لتقديم إجابة أولية على تساؤلاتنا، أن نقول إن صور الفساد التي قدمها لنا صناع الدراما عاريةً على الشاشات، ومعها جميع المحاضرات الأخلاقية التاريخية، لم تغير من مستوى انتشار الفساد بكل صوره على أرض الواقع، وإن أزمات مجتمعنا المتشابكة ما زالت تسير بالاتجاه، نفسه وربما بوتيرة أكثر تسارعاً، ومع ذلك لم تبدأ الدراما بتقديم مشروع حقيقي لمعالجة هذه الأزمات، أو السير في طريق البحث عن حلول لها.
لا يكفي أن تكون الدراما مرآة الواقع، فتجعلنا نرى مهزوم اليوم الذي ليس إلا واحداً منا، ولا يكفي أن تعيد اجترار الماضي، أو أن تقوم بتشكيله على مزاجها ليكون نموذجاً لما يريد صُنَّاعها أن نكون عليه. لا بد أن تبدأ الدراما بلعب دورها في صناعة المستقبل، من خلال المساهمة في إعادة تشكيل الواقع، وهذا لا يمكن أن يكون، إلا إذا رأينا ذلك الشخص النموذج الناجح القادر على فهم الواقع ومشكلاته، والعيش في مجتمع اليوم دون أن يكون فاسداً أو مفسداً، ودون أن يكون نكرةً أو مهمشاً.
إن منتصر الماضي، على افتراض وجوده كما يُقَدَّم على الشاشات، لا يمكن أن يكون نموذجاً يساهم في بناء جيل التغيير اليوم، لأن شروط الماضي وأزماته، مختلفة عن شروط اليوم وأزماته. وإن الاستمرار في تقديم أشخاص اليوم، بكل انكساراتهم وفشلهم، دون البحث عن الحلول، لن يفيد إلا في تكريس الواقع، وتعميق أزماته. أما ما نحن بحاجة لرؤيته وتكريسه، فهو تصورات مبدعي الدراما، لما يجب أن يكون عليه الإنسان القادر على حمل لواء التغيير، وتجاوز الخيبة والانكسارات التي نعيشها.
ليست هذه دعوة لصناعة الوهم، ولكن أليس الهدف المعلن من تصوير الواقع، فضحه ليتمكن المجتمع من إفراز أشخاص قادرين على تغييره؟ إذاً لماذا لا تقدم الدراما هؤلاء الأشخاص؟ لماذا لا تقدم منتصر الغد، بدلاً من وهم الماضي، ومهزوم الحاضر؟..