نساء «حسيب كيالي» الجميلات

نساء «حسيب كيالي» الجميلات

«المرأة في القلب ومن لا يضعها في القلب فليس بآدم»

هذه الحكمة قالها المُغني المصري الشهير الشيخ إمام عيسى في أحد أحاديثه الصحفية في بلاد الشام،  تُلخص فلسفة حسيب كيالي في المرأة التي أحبها إلى تخوم العشق، فتركها تأخذ حيزاً هاماً في إنتاجه الأدبي، فالمرأة بطلة روايتيه «مكاتيب الغرام» و«أجراس البنفسج الصغيرة» وبطلة في معظم مسرحياته وقصصه، و«نعيمة زعفران» عنوان آخر مجموعاته القصصية. 

أما قصة «تلك الأيام»، في رأيي أنها من أجمل القصص التي كتبها حسيب كيالي- افتتح قصته بشخصية «أم الناجي» التي نعرفها من خلال قصص كثيرة فهي من الشخصيات النسائية الأثيرة لديه. هذه المرأة الصغيرة ذات العينين الصغيرتين، والتي شلوطت رموشها النار والسنون بحكم عملها خبازة بأجر، هي كادحة عاملة على طريقة الشيخ كارل ماركس، تقف أمام التنور طويلاً ولو كانت الدنيا تموز أو آب.

«أم الناجي» مثال آخر!

ويصف الحال في أيامها قائلاً: كانت معارفنا في تلك الأيام من النساء تقتصر على الأمهات والمحرمات وحدهن. وقد تنكشف علينا عجوز مثل «أم الناجي» صحيح أنها كانت لا تمانع في إبداء وجهها، ولكنها ما أن ترانا، ونحن في تلك السن المبكرة ما نزال، حتى تسرع في وضع شيء على رأسها لأن الله أمر بالسترة. ولو كانت مثل «أم الناجي»، فإذا طرق الباب ولم يكن وراء الباب غير الحريم، ولم يكن لربة البيت مناص من أن تُجيب وقفت خلف الباب ووضعت في فمها شاشية أو غطاء صلاة أو كماً أو فضل ثوب، ثم أجابت الطارق. وذلك كي يخرج صوتها مشوهاً لأن صوت المرأة عورة! 

ثم يكتب هذه الملاحظة الدقيقة في قصته: ما أصفه الآن  لا يشمل النسوة اللواتي يأكل عائلوهن خبزهم بعرق الجبين، أعني أولئك المطحونين من عتالين وسقائين وأجراء وبائعين متجولين في القرى من جهة، وفلاحين من جهة أخرى. نسوة هؤلاء الكادحين لسن فاضيات لمثل هذا الترف، ترف أن يتخبأن أو يشوهن أصواتهن بشاشية. حجابهم ذاته نوع من فض العتب لآن نساء الكادحين يكدحن أيضاً.                                               

مجد الأنثى!

هل كان يُنشد مجد الأنثى؟ بكل تأكيد سعى «كيالي» من خلال حياته وإبداعه لأن يؤسس لثقافة تُعطي المرأة حقها الطبيعي في أن تكون حرة بقدر ما تتسع الحرية. سعى لأن يكون الرجل شهماً طيباً أنيساً ودوداً مع المرأة في كل مراحل عمرها، وكتب في فاتحة روايته مكاتيب الغرام: «أنا واثق من أن الظلمة التي تتخبّط فيها بطلة الرواية حالة طارئة ستخرج منها بناتنا، حين نشفى كلنا من آثار القرون وننطلق جميعاً في طريق مضيئة ترن فيها الضحكات خالصة صافية.ولعل هذا ما أغواني بكتابتها.

وحسيب كيالي في حبه لحواء صافي السريرة، خلي القلب من شواغل الجاه والمال والسلطة، يقترب كثيراً من أهل التصوف في آمالهم وأشواقهم. وقد كان شجاعاً في حياته كما في أدبه. وها هو يحكي لنا عن أول حب وأول قُبلة في حياته: «لما رفعت المنديل في بوابة الدار أُفلتت ضفيرتان خرنوبيتان تصلان حتى منتصف ظهرها، عقدت في أصل كل منهما «ريبانة» سماوية  اللون «البلوزة» صفراء مفتوحة الصدر قليلاً. 

لحظة خاطفة لا غير.. إن زلزلة الساعة شيء عظيم، قصف رعود، براعم تشق أغصاناً فتصبح معجزة الورد، إنها القبلة الأولى. إنها إطلالة  ما بعد قطع الحبل السري على العالم..».

حياته.. وأعماله

ولد كيالي في إدلب في شمال سورية عام 1921 وتوفي عام 1993. تلقى تعليمه الابتدائي في إدلب، حصل على الثانوية العامة من مدارس حلب 1944، ودخل معهد الحقوق العربي بدمشق، وتخرج بإجازة في الحقوق 1947. عمل في الترجمة والصحافة والإذاعة. أبدع في القصة والرواية والمسرحية، إلى جانب إبداعه الشعري، ونشر أولى قصصه عام 1945.

ويعد مثالاً للتجديد في القصة القصيرة ، حيث كان يتابع تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة بحثاً عن الجانب الإنساني الملحمي في حياة الناس.

أهم مؤلفاته: مع الناس،  أخبار من البلد، مكاتيب الغرام، الناسك والحصاد، أجراس البنفسج الصغيرة، رحلة جدارية، حكاية بسيطة، المهر زاهد، تلك الأيام، مسرحيات في خدمة الشعب، الحضور في أكثر من مكان،  المارد، قصة الأشكال، من حكايات ابن العم، نعيمة زعفران.

آخر تعديل على الأربعاء, 15 تموز/يوليو 2015 12:46