«الرواية في خدمة الإنسان..»
«نحن لسنا مذنبين ولن نكون أبداً مذنبين. أولئك الذين خطفوا أرضنا وصيرونا إلى هذه الحال، أولئك هم المذنبون وهم الذين يستحقون العقاب».
يحدد «جدعان العبدالله» بطل رواية المذنبون، للأديب السوري الراحل فارس زرزور، رؤية مؤلفها وانحيازه للإنسان المظلوم المغلوب على أمره، وإخلاصه العميق لقناعاته، ومفهومه للرواية التي قال عنها يوماً: «الرواية هي أحد الفنون التي واسطتها الفكر والرؤية والقلم، وتوضع في حرص لتكون في خدمة الإنسان».
كان لدراسته في الكلية العسكرية العلامة الأكبر في تكوينه، وعن تلك المرحلة يقول زرزوز: «أثناء دراستي في الكلية العسكرية كنت لا أفارق المكتبة فيها، وهناك تعرفت على الرواية والروائيين الروس من أمثال دستويفسكي وتولستوي». وقد خاطبه مرة الجواهري قائلاً: «أنا لا أفهم كيف يصبح أديب قاص ضابطاً».
كان يرسم صورة البطل في الإنسان، الباحث عن العدالة، المحبط ولكن المتشبث بالأمل، الشقي ويطمح للخلاص. ولذلك يثور حسن ورفيقه جابر في رواية «الأشقياء والسادة» بوجه السيد الإقطاعي المتواطئ مع المحتل الأجنبي، ويحاول بطله محمد قاديش في رواية «لن تسقط المدينة» قتل لورنس العرب! ويقوم حسن جبل بقتل الآغا في رواية «حسن جبل»..الخ.
وحول علاقته بالكتاب والكتابة يؤكد قائلاً: « كنت مستغرقاً منذ طفولتي بالقراءة، وصحيح أن القراءة لا تجلب الفرح، لكنها تلهب النفس بالمشاعر، بدأت الكتابة منذ كنت صغيراً، لأنني أردت أن أقلّد الكتّاب الذين أقرأهم، وكنت أعرض ما أكتبه على بعض الرفاق ومنهم جاري سعيد حورانية».
كانت صلة زرزور بالتراث الشعري حميمة وعميقة، مثل صلته بالتراث الشعبي، ومع هاتين العلامتين الفارقتين في تكوينه، تأتي العلامة الأخرى المتمثلة بوالده الذي كتب عنه قصة «أبانا الذي في الأرض». كما عرض صورة نادرة للمرأة الريفية السورية، رسمها بإتقان مبيناً ألوان القهر والعنف التي تتعرض لها، وبذلك خرج عن الصورة النمطية للمرأة في الرواية السورية، فصور واقعها البائس، وكفاحها إلى جانب الرجل! ففي رواية «الحفاة وخفي حنين»، يرسم صورة مختزنة في ذاكرته، عندما كان معلماً في «تل علو» في الحسكة، تضم مجموعة من العمال الزراعيين والعاملات وقت الحصاد، صادفهم حين حلّت العطلة، ويصفهم: «كانوا يتراءون من بعيد قادمين من محطة القطار قطعا ممزقة، لا يجمعهم غير الأرض التي يخبّون عليها ببطون أقدامهم، ولا يربطهم غير رابطة الجوع والخواء. قطيع هائم على وجهه، يحملون صرراً فارغة وأسمالاً وأحزاناً قديمة ومشاكسات دائمة... وأكثر من ذلك يحملون أملا في الحصول على العيش...».
أهم أعماله: «لن تسقط المدينة، اللااجتماعيون، الحفاة وخفي حنين، الأشقياء والسادة، المذنبون، لاهو كما هو، غرفة للعامل وأمه، آن له أن ينصاع»
يعد الأديب فارس زرزور من أبرز كتّاب الأدب الواقعي، ومن أهم كتّاب الرواية التاريخية. ولد في حي شعبي في دمشق عام 1930 ونشأ في أسرة بالغة الفقر، تعلم في الكتّاب، ثم نال الشهادة المتوسطة، وعيّن معلماً في محافظة الحسكة، واحتك هناك عن قرب بحياة الريف ومعاناة الفلاح. ثم نال الشهادة الثانوية في عام 1949، فانتسب إثرها إلى الكلية العسكرية، وتخرج منها ضابطاً. كان زرزور يقرأ الكثير، مستأجراً الروايات والقصص من سوق الوراقين (المسكية) في دمشق مقابل خمسة قروش للكتاب، كان يدفعها مما ادخره من عمله أجيراً في أثناء العطلات الصيفية.
مارس أعمالاً مختلفة متصلة بالتحرير الصحفي والكتابة بعد أن تحول إلى الحياة المدنية عام 1958. بدأ زرزور الكتابة القصصية في النصف الثاني من الأربعينيات، ونشر بعض قصصه منذ عام 1950 وانتقى أغلب شخصيات قصصه ورواياته من الحياة المعيشة التي جربها عن قرب أو شاهدها بإمعان. ومع أنه من أبناء المدينة، فقد صوّر جوانب واسعة من حياة الفلاحين في القرى والأرياف، وبيَّن عن خبرة وممارسة كلاً من فرح الفلاح وبؤسه، اهتم الكاتب بالقصة القصيرة جنساً أدبياً، ونشر مجموعات لافتة. وتتسم قصة زرزور عامة بطرافة اللقطة الواقعية وحدة النقد الاجتماعي.