يشار كمال القلم المتمرد
يعد يشار كمال أحد عمالقة الأدب التركي الحديث. وصل إلى العالمية من خلال خياله المدهش والمتدفق في أعماله الروائية وفهمه الكبير لأعماق النفس البشرية واستلهامه التراث التركي والكردي، وهو ما تعكسه أعماله الأدبية التي جعلته واحداً من الشخصيات الرائدة في الأدب العالمي.
ولد كمال المنحدر من أصل كردي، واسمه الأصلي كمال صادق غوتشيلي في العام 1923 في بلدة صغيرة جنوب شرق تركيا. وأثرت الأحداث المأساوية على حياته في مرحلة مبكرة، فعندما كان في الخامسة توفي والده، وهي الواقعة التي شكلت محور روايته «سلمان الأعزل». وفقد النظر في إحدى عينيه جراء حادث. وغادر المدرسة مبكراً. ومارس أعمالاً مختلفة ليؤمن لقمة العيش فعمل في قطاف القطن وسائق آليات زراعية وأمين مكتبة أيضاً.
حياة حافلة بالنشاط
بدأ يشار الكتابة في سن مبكرة فوضع قصائده الأولى وهو على مقاعد المدرسة الابتدائية. وكان مكان ميلاده، وهو سهل تشوكوروفا، المحور الرئيسي لمعظم رواياته لاحقاً، بما في ذلك أشهر أعماله وهي رواية «محمد النحيل» عام 1955 التي ترجمت إلى أكثر من أربعين لغة ونالت استحسان النقاد الدوليين وأكسبته في نهاية الأمر شهرة جعلته يترشح لجائزة نوبل عام 1973. وتتحدث الرواية عن شخص ينضم لمجموعة من قطاع الطرق وينتقم من إقطاعي متسلط. وهكذا فرض نفسه على الساحة الأدبية التركية.
نشط في صفوف اليسار. وقد تعرض للسجن ولمحاكمات كثيرة كما ذاق عذاب المنفى. في العام 1950، أوقف مرة أولى بتهمة القيام بدعاية شيوعية. وجرت محاكمته على هذا الأساس. وتخلى عن اسمه الأصلي معتمدا اسم يشار الذي يعني الناجي باللغة التركية. وانتقل للعيش في إسطنبول وعمل صحافياً في صحيفة «جمهوريت».
انضم إلى حزب (العمال الأتراك) وأسس مجلة ماركسية بموازاة عمله على روايته الأولى. وأوقف مجدداً إثر الانقلاب العسكري في 1971 وأدخل السجن، وأفرج عنه بعد احتجاجات دولية. واضطر إلى سلوك طريق المنفى فانتقل إلى السويد وأقام فيها سنتين.
في العام 1995، واجه يشار كمال مجددا مشاكل مع القضاء وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ بعد إدانته بتهمة التنديد بـ«قمع» الأكراد، إلا أن الكاتب رفض السكوت قائلاً: «أنا لست بطلاً لكن من واجبي أن أسُمع صوتي».
نتاجاته الأدبية
جاءت روايته الأولى «محمد النحيل» في أربعة أجزاء. ويروي فيها مغامرات مقيم في إحدى البلدات يضطر إلى العيش متخفياً بعد ثورته على الزعماء الإقطاعيين. وقد حولت الرواية العام 1984 إلى فيلم أخرجه الممثل والكاتب المسرحي البريطاني بيتر أوستينوف. وكتب أيضاً رواية «سلطان الفيلة» التي تفيض بعالم من الرمزية في صياغتها لعالم الحيوان المتداخل مع عالم البشر في نص مطبوع بالرومانسية الثورية.
وشكلت مواضيع، مثل الظلم الاجتماعي وكفاح الفقراء ضد الاستبداد والحرمان، محاور أساسية في أعمال يشار كمال مثل «أرض من حديد سماء من نحاس». وقد استلهم من شخصية عمه مثلاً، شخصيات أبطاله المتمردين الطيبين. وينهل أسلوبه الشاعري الغني بالوصف مباشرة من الأساطير والفلكلور في منطقة الأناضول.
كان يشار كمال كاتباً فذاً. قال في أحد الأيام: «لا أكتب عن مشاكل ولا أكتب متوجها إلى جمهور ولا أكتب لنفسي حتى. أنا أكتفي بالكتابة بكل بساطة».
تأثر الروائي التركي الشهير في مجال الأدب بكل من تولستوي وتشيخوف وستندال. وحاز على الكثير من الجوائز المحلية والعالمية، وتركت أعماله الأدبية بصمة في الأدب التركي، حيث تنوعت بين الروايات والقصص وروايات الأطفال التي كانت تستلهم معظم شخوصها من الريف الكردي والتركي، كما في روايته «شجرة الرمان».