رياض الصالح حسين «حارٌّ كجمرة.. بسيط كالماء»

رياض الصالح حسين «حارٌّ كجمرة.. بسيط كالماء»

يعتقد البعض أنه شاعر مغمور أو مبتدئ، الشاعر الذي نادى وتنبأ بسقوط زمن الخوف، الذي  كان حتى في حديثه عن الموتى، وكأنه يرثي نفسه، يبشر بالحياة الشاعر الذي امتلك إحساساً مفرطاً بالحرية والحياة وفضاء واسعاً من الخيال والدهشة، رياض الصالح حسين.  

 إن المتابع والدارس لشعر رياض الصالح حسين لابد أن يلمس بقوة مفارقات الحياة اليومية التي تزين قصائده، فقد رفع من شأن اللقطات اليومية وجعل منها «أساطير يومية» لا تحضر فيها الآلهة وأسماؤها ورموزها، فقد وضع في القصيدة قلبه إلى جوار حذائه والجوارب والقنابل والعشب، محدثاً الحب والموت المتعدد الصور والمشاهد. وكان يميل إلى الحياة ويحاول بعث روح الأمل فيها رغم الخراب الذي يراه بعينين مفتوحتين، يلمس وجوده ويفضح قبحه في قصائده،  القصيدة عنده ليست مجرد نص شعري مشحون بالعاطفة أنها موقف من كل القضايا الحياتية، يؤكده دائماً: «أريد أن أفتح نافذة ، في كل جدار، أريد أن أضع جداراً، في وجه من يغلقون النوافذ».
تمضي بعض القصائد عنده ممتلئة بالأسئلة الحادة والطفولية المدهشة وهو الذي يقول: «الأسئلة البسيطة قذيفة/ الأسئلة المعقدة انتحار» لذلك يتابع أسئلته الشعرية المعذبة حتى آخر صورة بانتظار تلك «الثورة» التي لم تأتِ. ويرحل مخلفاً سؤالاً يحملق في الأفق «من سيشتري كفناً للشمس إذا ماتت؟».
وُلِدَ رياض الصالح الحسين في مدينة درعا في 10/3/1954 لأب موظف بسيط من قرية مارع في شمال حلب. تنقل والده مع عائلته بين المدن السورية ثلاثين عاماً، فقد النطق والسمع تقريباً، مطلع فتوته المبكّرة وتسبب ذلك في عدم قدرته على إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه، اضطر إلى ممارسة العمل مبكراً، كعامل ثم مارس العمل الصحافي وعمل كموظف وعانى فترة من البطالة في حياته القصيرة.
كتب إلى جانب الشعر، مقالات في النقد الأدبي والقصة القصيرة، وقصص للأطفال. توفي الشاعر في دمشق عام 1982 ودفن في مسقط رأسه في قرية «مارع». استمر في كتابة الشعر والموضوعات الصحفية حتى وفاته.
هكذا، ببساطة، رحل رياض في الحادي والعشرين من تشرين الثاني 1982..  ببساطة تامَّة، رحل رياض «الوعل الجميل» -كما سمَّاه فارس زرزور- دون أن تتوقَّف الأغنية.
ترك وراءه أربعة دواوين شعريَّة غير عاديَّة لتكون علامة فارقة ليس في الشعر السوري الحديث وحده، بل في الشعر العربي الحديث، تجربة مميزة وناضجة  تركت أثرها على الكثيرين ممن جايلوه وممن عرفوا اسمه لاحقاً كأحد أهم شعراء قصيدة النثر في سورية، حيث أصدر ثلاث مجموعات شعريّة في حياته، «خراب الدورة الدمويّة 1979 وأساطير يوميّة 1980» من منشورات وزارة الثقافة –دمشق و«بسيط كالماء واضح كطلقة مسدَّس - دار الجرمق - دمشق 1982» وقد أنجز مجموعته الشعرية الرابعة قبل وفاته وكانت بعنوان وعل في الغابة، وتم إصدارها لاحقاً عام 1983 عن منشورات وزارة الثقافة في دمشق.
كتب عن الإنسان، العامل والفلاح والأطفال والنساء الجميلات ورسم حلمه بالمستقبل. أما سورية فحاضرة بكل جمالها ودفئها «يا سورية الجميلة السعيدة/ كمدفأة في كانون/ يا سورية التعيسة/ كعظمة بين أسنان كلب/ يا سورية القاسية/ كمشرط في يد جرّاح/ نحن أبناؤك الطيبون/ الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك/ أبداً سنقودك إلى الينابيع/ أبداً سنجفّف دمك بأصابعنا الخضراء/ ودموعك بشفاهنا اليابسة/ أبداً سنشقّ أمامك الدروب/ ولن نتركك تضيعين يا سورية/ كأغنية في صحراء».