داعش.. شركة المرعبين المحدودة
في عام 2001 أصدرت شركة والت ديزني فيلم الرسوم المتحركة «شركة الوحوش». وتدور أحداثه في شركة لإنتاج الطاقة، توظّف عدد من الكائنات المخيفة والغريبة المتخصصة والبارعة. تتسلل الوحوش إلى خزائن الأطفال، وتوقظهم من غفوتهم كي ترعبهم وتحوّل أصوات صرخاتهم ونداءاتهم إلى طاقة تحرك وتنير «بلاد الوحوش».
حملت الشركة شعاراً طريفاً حين ترجمته إلى العربية بلكنةٍ مصرية: «شركة المرعبين المحدودة.. يا مخوفاتي نوّر حياتي». يصور الفيلم الوحوش أثناء عملهم، ونظام الحوافز في الشركة القائم على التنافس بينهم من أجل اختيار الوحش الأفضل القادر على إرعاب الأطفال أكثر وبالتالي تحقيق المزيد من الربح. وكباقي مقولات وحبكات أفلام دزني، تخترق إحدى الفتيات الصغيرات «ببراءتها» صفوف المرعبين. تنتصر ضحكاتها على ظلام عالم الوحوش. هكذا ينتصر الخير ممثلاً بالصغيرة «بو». وتكتشف الشركة أن أصوات ضحكات الأطفال تولّد طاقة أكبر من الصراخ.
عدو أمريكا الأول
وبالرغم من أن الفيلم قدم حينذاك متعة بصرية بتقنياته المتطورة، إلى جانب خفة ظله وقدرته على جذب المشاهدين كباراً وصغاراً. إلا أنه لا يجب أن يسلم من النقد، ومحاولات بحث الرسائل الضمنية والصراعات الأساسية الذي يحاول صناع الفيلم الترويج لها باعتبارها الأكثر أهمية. بعد إخفائها تحت عباءة شخصيات كرتونية محببة ومضحكة، وتضيّع الخيط الأساسي في سلسلة من الأحداث والتطورات الثانوية التي تحرف انتباه المشاهد عن رمزية الفيلم ومقاصده الأعمق. وهو جدل طال معظم أفلام دزني، التي حاكى بعضها في نظر العديد من النقاد قضايا صراع الطبقات والتمييز العنصري والعرقي. وصولاً للحروب والتحالفات في التاريخ المعاصر. وكلها قضايا عالجتها الشركة من منظور أمريكي.
حاول البعض دراسة أبعاد «النملة» التي تثور على «التقاليد النمولية»، وتحاول فرض تقنيات جديدة لمضاعفة كميات الغذاء في فيلم «حياة حشرة». أو رمزية الضباع في الأسد الملك، ودلالة وقوع «بوكاهونتس» في حب الضابط الوسيم الذي جاء لإحتلال أرضها. وغيرها من الرموز التي راكمت طوال سنوات منظومات قيم اجتماعية وسياسية للأطفال الأمركيين وحول العالم.
وبالعودة إلى «شركة المرعبين»، بالرغم من الفيلم لم يحظ ربما بالنصيب الكافي من التحليل. يمكن للمشاهد اليوم وفي ظل المستجدات الدائرة، تقديم قراءة مختلفة لشخصيات الوحوش في الفيلم، باعتبارها ترميزاً ذكياً ومبطناً، للإرهاب، عدو أمريكا الأول. وصراع «قوى الظلام» من المخيفين في وجه النور وبراءة الأطفال والسلام والتحضر. خاصة وأن الهدف المعلن للشركة - التي تبدو عابرة للقارات تنفذ لخزائن الأطفال حول العالم- هو تصنيع الطاقة وامتلاك مصادرها. وهي افتراضات قد يؤكد صحتها تاريخ عرض الفيلم عام 2001.
فيلم داعش «للكبار فقط»
ربما تكون تلك الإسقاطات مجرد هذيانات عقول أتعبتها نظرية المؤامرة، والتشكيك بكل ما يصدر عن الإعلام والسينما الأمريكية والتاريخ الأسود لشركة والت دزني. ولكن بجميع الحالات قد يشعر الكثيرون اليوم بأنهم يعاودون مشاهدة «شركة الوحوش». معروضاً في نشرات الأخبار والبرامج التحليلية السياسية التي تهتم بتتبع أنشطة داعش الإجرامية.
داعش أيضاً تتغذى من الخوف. هي أيضاً تستبدل «وحوشها» بآخرين أكثر قدرة على خلق موجات ذعر جديدة، لأنه وكما تقول إحدى شخصيات الفيلم «أطفال النهارده ما بقاش يخافوا زي زمان». لكن السؤال الأهم ربما: أين يذهب كل هذا الكم من الخوف والصراخ الذي تغذيه داعش في أذهان الرأي العام العربي والعالمي؟ كيف يتكثّف ويتم توجيهه؟
في فيلم داعش «للكبار فقط»: من هو البطل المنقذ الذي سينتصر على المرعبين؟ ويعيد النوم الهانئ للأطفال؟