بقعة ضوء: اضحك و«فضفض»!

بقعة ضوء: اضحك و«فضفض»!

«لعب على الحبلين»

في الجزء العاشر من بقعة ضوء، من إخراج «عامر فهد». يطالعنا «باسم ياخور» بدور رجل أعمال وتاجر الأزمات فاحش الثراء لا ينفك يبكي على الوطن ويتغنى به من الخارج، بينما يجري صفقات مشبوهة «لتحريك عجلة الاقتصاد»، ويبيع شحنات أسلحة وسيارات مفخخة. في إشارة لأن تاجر الأزمات «يلعب على الحبلين». 

تتلخص مقولة الحلقة في السؤال الذي يطرحه المعاون على سيده حول سبب حبه الوطن إلى هذه الدرجة. تأتي الإجابة: «وطني صرلي سنين عايش فيه، بلهط، بسرق، ببلع، ما حدا بيلتكشني أو بيقلي يا محلى الكحل بعينك.. وطن التسامح كيف ما بدي حبو».

وفي لوحة «إحكوا» من تأليف حازم سليمان يتم إنشاء «رابطة التحرر والتعبير». مهمتها دفع الناس للكلام والتعبير عن الغضب، لأنه وحسب قول رئيس الرابطة: «العيون مفتوحة علينا من هيئات المجتمع المدني والأمم المتحدة». تنظّم الرابطة «ملتقى لا للصمت، مهرجان كشف المستور». وبعد أن تفشل في دفع الناس للتعبير عن الغضب بالحسنى تستخدم معهم الإجبار. تعتقل كل من يرفض انتقاد الأوضاع في البلاد. لتضيق البلاد بالمتكلمين. وتنتهي مقولة الحلقة بعبارة «لازم الناس تعيش بحرية ورجلها فوق رقبتها». 

«عالمكشوف..!»

تقدم هذه الحلقات نماذج متميزة من حيث الفكرة والسيناريو وأداء الممثليين. لكن وبالرغم من الإبداع في توصيف المشكلة، لا يمكن للمشاهد عزل هذه اللوحات عن السياق كاملاً.  كيف يمكن للمشاهد الغرق في بحر من السخرية اللاذعة. ثم العودة للبرنامج الرسمي للفضائية السورية أو قناة سما ليرى ألا شيء تقريباً تغيّر؟ أو أن التغير ما زال في مناحٍ عدة شكلياً لا يتوافق مع عمق الأزمة.  

من الواضح أن الدراما والكوميديا السورية تجاوزت عتبة لا رجوع عنها. حينما يكاد يخلو عمل درامي من توظيف مفردات الأزمة وأطراف الصراع.  تدخل داعش وقوى الأمن وعناصر الجيش الحر باعتبارهم أبطال أعمال درامية، ويتم التطرق لقضايا الفساد وتجّار الأزمات، تتكرر ألفاظ من قبيل: «حرب، أزمة، صراع» لتوصيف التغيرات التي شهدها المجتمع السوري.

إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال «هبةً» من أصحاب القرار الذين وسعّوا هامش الحريات. بل الحقيقة أن تغيّر الواقع السوري وأولويات المواطنين، هي التي فرضت هذا التغيير وأجبرت الكتاب والفنانين وأصحاب القرار على الامتثال له والاعتراف به. لأن أي أعمالٍ فنية قد تحاول تجاهله أو التعامي عنه، كانت سترمى في «مزابل الفن والتاريخ»، من قبل كافة أطياف الشعب السوري بعيداً عن الانتماءات السياسية الضيقة. وبهذا المعنى، لا يحسب لبقعة ضوء أو غيرها من المسلسلات والبرامج السورية «جرأتها»  المفترضة في فرد الأوراق على المكشوف. لكن يصبح السؤال الحقيقي إلى أين تريد هذه الأعمال الوصول، بوصفها جزءاً من النتاج الثقافي السوري؟

منافذ للتنفيس والفضفضة..

 تُتهم العديد من هذه الأعمال اليوم، بأنها منافذ لتنفيس الاحتقان الشعبي. تحاول الإيحاء بأن هناك استقلالاً نسبياً للمؤسسات الثقافية والإعلامية عن القرار السياسي والاقتصادي والقضائي. بالرغم من أن ذلك الاستقلال ما يزال مطلباً شعبياً لم يتحقق حتى الآن. 

فيما ينظر آخرون لما تتجرأ على قوله الدراما اليوم باعتباره «غناءً في الطاحون»، لن يغير من واقع الأمر شيئاً، باعتبار «الحكي ببلاش». وبهذا المنطق هل يعني ذلك أنه وبعد سنوات طويلة من التضيّق على حريات الرأي، يحاول أصحاب القرار تكريس ثقافة ديمقراطية شكلانية، على النمط الأمريكي، حينما يسمح للناس تقريباً بقول ما يشاؤون، طالما لا يكون للكلام أي قيمة تذكر سوى «الفضفضة» والتمتع بممارسة مجتزئة للديمقراطية.

لن يصدق الجمهور ما تراه عيونهم في بقعة ضوء وغيره من المسلسلات باعتباره تغيراً جذرياً في الإعلام السوري والمؤسسات الثقافية الرسمية، قبل أن يروا انعكاس هذا المناخ الجديد في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية وكامل مفردات ومفاصل الإعلام في سورية. وحينما يكون هذا الهامش من الحريات أداة حقيقية في الضغط والتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وليس  مجرد بروباغندا شكلية أو رفعاً للعتب أمام الدول الصديقة والمنظمات الدولية.