ملاحظات أولية على مبادرة الإدارة الذاتية
نشرت الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي السوري يوم الثلاثاء 18 نيسان الجاري وثيقةً بعنوان «مبادرة لحل الأزمة السورية»، ودعا مصدرو الوثيقة القوى السورية المختلفة للتفاعل معها.
تقديراً للجهد المبذول في كتابة الوثيقة، وانطلاقاً من أهمية التفاعل مع كل مبادرة تسعى إلى الحل، وخاصة حين تأتي من قوة طالما طالبنا بضرورة تمثيلها ضمن العملية السياسية وضمن الحل السياسي لما لها من وزن لا يجوز القفز فوقه وللدور الذي لعبته في محاربة داعش، وباعتبار أنه توجد مذكرة تفاهم بين الإرادة الشعبية ومجلس سورية الديمقراطية تم توقيعها في 31 آب من عام 2020، فإننا نضع هنا بضع ملاحظات أساسية على الوثيقة المشار إليها:
أولاً: إنّ القول بحلٍ «لا يتعارض مع 2254» يعني وضوحاً القول بأنّ الحل لن يكون عبر تطبيق 2254، وهذا يخالف مذكرة التفاهم التي أشرنا إليها أعلاه. وبكل الأحوال فإنّ اتجاه التهرب من 2254 هو اتجاه واضحٌ لدى عددٍ من القوى السورية في مقدمتها المتشددون من الطرفين، وليس مفهوماً ما هي مصلحة القوى الوطنية الديمقراطية في السير على طريق هؤلاء...
ثانياً: يسجل النص -بشكلٍ محق- أنّ هناك غياباً في التشخيص الصحيح لأسباب الأزمة، وكذلك أنه هنالك غياب لبرنامجٍ للخروج منها، ناهيك عن وجود برنامج لسورية المستقبل؛ والحق أنّه ليس بين القوى السورية جميعها -في حدود ما يمكن رؤيته- من قدّم حتى الآن برنامجاً متكاملاً ورؤية متكاملة، بمن في ذلك مصدرو الوثيقة موضع النظر.
ثالثاً: رغم ذلك، فإنّ سلوك القوى المختلفة وطروحاتها السياسية كفيلة بتكوين تصورٍ حول رؤيتها المستقبلية لسورية. في هذا الإطار فإنّ إحدى المشكلات الأساسية في التشخيص الذي تقدمه وثيقة «المبادرة» أنها ترى الأزمة السورية أزمة «مكونات» «قومية» و«دينية»، وتجعل من هذه النقطة بالذات جوهر الأزمة وطريق حلها في الوقت نفسه؛ ما يعني أنها ترسم لسورية مستقبلاً من نمط «الديمقراطية التحاصصية» كما في العراق أو لبنان، حيث -سواء أراد ذلك أصحاب الوثيقة أم لم يريدوه- يكون الحل بتقاسم النفوذ والسلطة بين أمراء الطوائف والقوميات وأمراء الحروب ضمن نموذج فيدرالي ربما على الطريقة السويسرية، خاصة وأنّ توصيف الوضع في الشمال الشرقي السوري ضمن الوثيقة يظهر وكأنما هو توصيف لإقليم من أقاليم سويسرا...
رابعاً: إنّ غياب المسألة الاقتصادية-الاجتماعية من التشخيص ومن الحل، هو فجوة كبرى في أي رؤية للأزمة وللخروج منها؛ ذلك أنّ لب المشكلة في سورية هو التوزيع الجائر للثروة الذي يتم على أساسه نهب 90% من الشعب السوري لمصلحة قلة ناهبة عابرة للطوائف والقوميات والأديان، هذه القلة نفسها التي يسمح لها نموذج «الديمقراطية التحاصصية» المأمول من البعض بالاستمرار بنهب السوريين وقمعهم سياسياً وثقافياً...
خامساً: ضمن التشخيص أيضاً، فإنّ الحديث عن خروج القوات الأجنبية يجب أن يشملها جميعها، الروسية والإيرانية والتركية والأمريكية وقبل هؤلاء جميعاً «الإسرائيلية»، وقصر الحديث على القوات التركية يبدو وكأنه تهرب من الحديث عن ضرورة خروج الأمريكي، وربما يبدو أساساً يمكن للبعض استخدامه ضد جهود أستانا في حل الأزمة بين سورية وتركيا وفي كسر الحصار الغربي.
أخيراً: من الجيد أن تطرح مختلف القوى السورية رؤاها بشكل واضح وعلني لكي يسمح ذلك بتبيان نقاط الاتفاق والاختلاف وصولاً للبحث عن التوافقات السورية- السورية التي يجب أن تشمل كل القوى السورية تمهيداً للمرحلة التي سيقول فيها الشعب السوري رأيه بالجميع.
المجلس المركزي لحزب الإرادة الشعبية
في 20 نيسان/2023