افتتاحية قاسيون 1258: «حرامية... حرامية!» stars
يوم 17 شباط 2011، في سوق الحريقة الدمشقي، وقبل أيّ تدخلات خارجية، وقبل أي تدفق لمالٍ أو سلاح، وكنتيجة طبيعية وعفوية لتراكم القهر والظلم والغضب، هتفت جموع من السوريين في وجه السلطة وممثليها:
يوم 17 شباط 2011، في سوق الحريقة الدمشقي، وقبل أيّ تدخلات خارجية، وقبل أي تدفق لمالٍ أو سلاح، وكنتيجة طبيعية وعفوية لتراكم القهر والظلم والغضب، هتفت جموع من السوريين في وجه السلطة وممثليها:
خلال الأسابيع الماضية، ظهرت تصريحات ومؤشرات جديدة حول طباعة العملة الجديدة وطرحها للتداول ابتداءً من أوائل العام المقبل. وهي المسألة التي يمكن اعتبارها قنبلة اقتصادية واجتماعية ذات أثر مباشر على حياة السوريين، وتتطلب تداركاً سريعاً قبل أن تتحول إلى كارثة اجتماعية لا يمكن لأحد أن يتوقع نهايتها.
أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة في سورية يوم الأحد 26 تشرين الأول 2025 قراراً حددت بموجبه سعر مبيع ربطة «الخبز التجاري» للمستهلك بـ 5500 ليرة سورية من كوّات المخابز التجارية و6000 ليرة سورية لدى المعتمدين.
رغم الرفع الاسمي للعقوبات عن سورية، لا تزال هذه العقوبات مفروضة بحكم الأمر الواقع. في آذار 2012، تم قطع وصول سورية إلى «جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك - سويفت» التي تعتبر العمود الفقري للنظام المصرفي العالمي، تحت ضغط العقوبات الأوروبية ثم الأمريكية التي فُرضت على سورية أثناء سنوات الحرب. وفقاً للتصريحات الغربية، هدفت هذه العزلة المالية إلى «معاقبة» نظام الأسد من خلال قطع شرايينه الاقتصادية، لكنها عزلت عملياً الاقتصاد السوري بأكمله عن النظام المالي العالمي. كانت سورية، التي تحوّل اقتصادها إلى اقتصاد استيرادي بامتياز بفعل سياسات النظام، بحاجة ماسّة إلى آلية لتحويل الأموال، لكن البنوك العالمية أغلقت حسابات المراسلة مع البنوك السورية خوفاً من تداعيات العقوبات، ولم يعد بإمكان الشركات السورية الدفع بسهولة للموردين الأجانب أو تلقي الأموال من الخارج عبر القنوات الرسمية. كان الهدف المزيف المعلن هو «خنق التمويل» عن النظام، لكن النتيجة الفعلية كانت حصاراً مالياً شبه كامل على سورية، لم يسبق له مثيل في تاريخها الحديث، وكان حيتان النظام هم المستفيدين الفعليين الوحيدين من ذلك.
خلال الأيام الماضية، احتفل الإعلام الرسمي السوري الجديد، ومعه بطبيعة الحال عدد من المسؤولين السوريين الجدد و«المؤثرين» الجدد، مرة جديدة برفع العقوبات الأمريكية عن سورية، وذلك انطلاقاً من أن مجلس الشيوخ الأمريكي مرر قانون موازنة الدفاع للسنة القادمة، مع إضافة مواد عليه تتعلق بإلغاء قانون قيصر الخاص بالعقوبات على سورية «دون شروط» كما يقال، ولكن في الحقيقة مع وجود آليات رقابة تسمح بإعادة فرض عقوبات على سورية في أي وقت لاحق، على أن يبدأ تطبيق الأمر مع بداية السنة الجديدة.
شهدت السياسات العامة في سورية تحت حكم الأسد - وفي القلب منها منظومة الأجور والدعم الاجتماعي - تحولاً تدريجياً نحو تفكيك منظومة الدعم الاجتماعي التي كانت تُعتبر إحدى الركائز الأساسية للاستقرار النسبي للدولة في العقود السابقة، ونحو تخفيض القيمة الحقيقية لأجور العاملين. ولم يكن هذا التحول فجائياً أو معلناً بوضوح، بل اتبع أساليب احتيالية اعتمدت على تقليص الدعم بصورة تدريجية بطرق مباشرة وغير مباشرة: ابتداءً من تقليص مبالغ الدعم التي كانت تُدرَج في موازنات الدولة، إلى تضاؤل الإنفاق الفعلي على بنود الدعم الاجتماعي، وصولاً إلى الإلغاء الكامل للدعم عن بعض السلع والمواد الأساسية، إما بوقف توزيعها عبر «البطاقة الذكية» سيئة الذكر، أو بإعلانات رسمية عن انتهاء دعمها مثلما حدث مع البنزين.
مع انتهاء الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، سجّل «مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة» ارتفاعاً في تكاليف جميع الضروريات الأساسية لمعيشة أسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، حيث بلغ وسطي التكاليف نحو 11.3 مليون ليرة سورية، فيما قُدّر الحد الأدنى لتكاليف المعيشة بـ7,111,833 ليرة.
يتوازى هذا الارتفاع مع تدهور متواصل في المستوى المعيشي، ورغم ارتفاع الأجور الرسمية بنسبة 200%، فإنها تظل غير قادرة على تلبية سوى ثلاثة أيام تقريباً من حاجة الأسرة للاستهلاك بالحد الأدنى، ما يعكس فجوة شاسعة بين الدخل والإنفاق الضروري. وتتفاقم هذه الفجوة مع تزايد أعداد المتضررين من انقطاع الرواتب وعدم انتظامها وارتفاع معدلات البطالة عموماً.
بعد دمارٍ ممنهجٍ للاقتصاد السوري استمر لعقودٍ في ظل حكم الأسد، يجمع السوريون على أن محاربة الفقر هي أهم خطوة في إعادة إعمار البلاد. حيث تسببت سياسات السلطة السابقة، التي كانت تتبع فعلياً وصفات النيوليبرالية من مؤسسات صندوق النقد والبنك الدولي، بالإضافة إلى آثار الحرب والعقوبات الغربية، في انهيار الاقتصاد وتدهور البنية التحتية. وأدى ذلك إلى نزوح ملايين الأشخاص وصعوبة بالغة في توفير المتطلبات الأساسية للعيش. وحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2025، يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، بينما يعاني 66% منهم من فقر مدقع. ومع رحيل السلطة، يتفق معظم السوريون على أن الأولوية في جهود إعادة الإعمار يجب أن تكون إنهاء الفقر، كجزء من مسار تحقيق الاستقرار. لكن يبقى السؤال: ما هي أفضل الطرق لتحقيق ذلك؟
يواجه الاقتصاد السوري أزمات اقتصادية حادة تجعل من المستحيل على الكثير من السوريين تلبية احتياجاتهم المعيشية الضرورية. فالإنتاج المحلي لا يكفي فعلياً لتغطية احتياجات السكان. لكن الأسوأ من ذلك هو التوزيع المجحف وغير الإنساني للموارد السورية القليلة المتاحة الذي يزيد من حدة التناقض الطبقي والظلم الاجتماعي في البلاد. رغم أن توزيع الدخل والناتج حول العالم يتسم بعدم العدالة في كثير من الأحيان، إلا أن الحالة في سورية تتسم بظلم استثنائي فريد من نوعه ولا يطاق.
أعلن حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية، مؤخراً عن خطة لطباعة فئات جديدة من العملة السورية، مع تعديل يتضمن حذف صفرين من قيمتها الاسمية. وأثار هذا الإعلان، الذي يأتي في سياق يتسم أساساً بالتدهور الاقتصادي، ترقباً واسعاً حول تفاصيل عملية الطرح وآلياتها. وقد أشارت التصريحات الرسمية إلى أن العملة الجديدة سيتم طرحها على ثلاث مراحل، مع توقعات بأن تكون المرحلة الأولى في شهر كانون الأول المقبل. ووفقاً لحاكم المصرف، فإن الكميات المطبوعة من هذه العملة ستكون «مدروسة بدقة بما يتناسب مع متطلبات الاقتصاد الوطني»، لكن ظلت التفاصيل الرسمية حول الجهات المنوط بها طباعة هذه العملة مبهمة، غير أن تقارير إخبارية تحدثت عن محادثات متقدمة مع شركات دولية تشمل شركة «عملات للطباعة الأمنية» الإماراتية وشركتي «بوندسدروكيراي» و«جيسيك بلس ديفرينت» الألمانيتين، بينما أشارت مصادر أخرى إلى اتفاق مع شركة «جوزناك» الروسية الحكومية، التي سبق لها طباعة العملة السورية.