العقوبات الأمريكية على النفط الروسي..  ضغوطٌ متصاعدة تُهدد بالارتداد على واشنطن

العقوبات الأمريكية على النفط الروسي.. ضغوطٌ متصاعدة تُهدد بالارتداد على واشنطن

في تصعيدٍ يزيد من حدة التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، تواصل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدها بفرض عقوبات قاسية على الدول المستوردة للنفط الروسي، خاصة الهند والصين. هذه الخطوة التي يُروَّج لها كأداة لـ «إجبار روسيا على السلام» في أوكرانيا، تحمل في طياتها مخاطر جسيمة قد تُلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الأمريكي نفسه، وفقاً لتحليلات اقتصادية وسياسية متزايدة.


وهو ما يعتبر أحد مظاهر توضح الانزياحات في التوازنات الدولية على الصعيد الاقتصادي والسياسي.

 تهديدات متصاعدة ومواعيد نهائية ضاغطة

لقد حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في السادس من آب الجاري، من فرض المزيد من العقوبات على الدول التي تشتري منتجات الطاقة الروسية بعد فرض تعريفة جمركية بنسبة 25٪ على الهند.
وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: «ستشهدون المزيد. هذه مجرد لمحة، ستشهدون المزيد، سترون الكثير من العقوبات الثانوية”.

وهدد ترامب بتطبيق إجراءات صارمة على الدول التي تواصل شراء النفط والغاز الروسيين كوسيلة لمعاقبة موسكو على عمليتها في أوكرانيا. 

وفي حين أعرب ترامب عن تفاؤله بشأن التقدم المحرز خلال اجتماع السادس من آب بين بوتين ومبعوثه الأمريكي ستيف ويتكوف، إلا أنه أشار إلى أنه ليس كافياً لتفادي العقوبات الجديدة.
وأكبر مشترٍ للطاقة الروسية هي الصين، التي يعمل ترامب معها على التفاوض على اتفاقية تجارية جديدة. 

وتحدث مسؤولون أمريكيون عن تقدم ملحوظ في تلك المفاوضات، لكن ترامب لم يستبعد فرض عقوبات ثانوية جديدة على بكين، رغم احتمال إفشال المفاوضات التجارية، وقال: «قد تكون الصين إحدى هذه الدول”، وأضاف: «قد يحدث ذلك، لا أعلم، لا أستطيع الجزم بذلك بعد”.

حدد ترامب مهلة تنتهي هذا الأسبوع (10 آب 2025) لروسيا لتحقيق تقدم ملموس في السلام مع أوكرانيا، وإلا فسيفرض رسوماً جمركية بنسبة 100% على الدول التي تواصل شراء النفط الروسي، وخاصة الهند والصين. وجاءت هذه التصريحات بالتزامن مع زيارة المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو لمحاولة كسر الجمود الدبلوماسي، حيث أعلن ترامب أن قرار العقوبات سيتخذ بعد انتهاء مهمة ويتكوف في العاصمة الروسية.  

التناقض الاقتصادي: عقوبات تُصيب أمريكا في الصميم

رغم الخطاب القوي الذي تتبناه الإدارة الأمريكية، يحذر خبراء اقتصاد وطاقة من أن هذه العقوبات قد تكون سيفاً ذا حدين:
- ارتفاع التضخم الأمريكي: تشكل الواردات الأمريكية من الصين والهند سلعاً بقيمة 526 مليار دولار سنوياً. فرض رسوم بنسبة 100% سيرفع أسعار المنتجات الاستهلاكية، مثل: أجهزة «آيفون» والسلع الأساسية، ما يزيد الأعباء على المواطن الأمريكي.

- اختلال أسواق النفط العالمية: روسيا تُصدر نحو 7 ملايين برميل يومياً، وهو ما يعادل 5% من الاستهلاك العالمي. أي شلل في هذه التدفقات قد يدفع الأسعار العالمية للصعود، رغم الإنتاج الأمريكي القياسي.

- ثغرة المنتجات المكررة: الهند، التي تستورد 36% من نفطها من روسيا، تُكرر جزءاً كبيراً منه وتصدره إلى أوروبا والولايات المتحدة نفسها. العقوبات قد تعطل هذه السلسلة وتُكبد الشركات الأمريكية خسائر فادحة.

الهند: الموقف الصلب والرفض القاطع

تظهر الهند كأكثر المتضررين المحتملين، حيث تستقبل 70% من صادرات النفط الروسي البحرية، وفق بيانات 2024. وقد ردت نيودلهي على تهديدات ترامب بصلابة:
- وصف وزير الطاقة الهندي هارديب سينج بوري مشتريات بلاده بأنها «ساهمت في استقرار الأسعار العالمية» بل و»شجعتها أمريكا نفسها» ضمن سقف السعر المحدد.
- أكدت الحكومة الهندية أن قرارات الاستيراد تُتخذ «بناءً على الأسعار والظروف الجيوسياسية» وليس الضغوط السياسية.

مشهد دولي 

مُعقد وتداعيات جيوسياسية
- أوروبا القلقة: عبر دبلوماسيون أوروبيون عن مخاوفهم من أن يكون موقف المبعوث الأمريكي ويتكوف ما يسمونه «ميلاً لمجاراة بوتين»، ما قد يؤدي لتسويات غير متوازنة.
- ثغرات العقوبات السابقة: كشفت تقارير أن النفط الروسي بيع خلال العام الماضي بأكثر من 75 دولاراً للبرميل رغم سقف السعر البالغ 60 دولاراً، مما يبرز محدودية فاعلية الضغوط الغربية.
- مخاطر التراجع: يشكك مراقبون في قدرة ترامب على المضي قدماً بالعقوبات، خاصة بعد سجله السابق في «التراجع عن تهديدات مماثلة» تحت ضغط العواقب الاقتصادية.

أداة عقابية قد تنقلب إلى فخّ

بينما تلوح واشنطن بعقوبات تُصوَّر كضربة استراتيجية لتمويل الحرب الروسية، فإن تحذيرات الخبراء تشير إلى أن الضرر الأكبر قد يصيب الاقتصاد الأمريكي نفسه، عبر موجة تضخم جديدة، وارتفاع تكاليف الاستيراد وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية. في هذا السياق، قد تكون التهديدات الأمريكية جزءاً من مسرحية ضغط دبلوماسي، لكن تنفيذها الفعلي يظل مقامرة اقتصادية ذات عواقب يصعب حسابها، خاصة في ظل غياب ضمانات نجاعتها في إيقاف الحرب الأوكرانية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1238