المقاومة يمكن أن تهزم «إسرائيل» ليس عسكرياً فقط.. بل اقتصادياً أيضاً
حشدت «إسرائيل» 360 ألف جندي احتياطي– أي 8% من إجمالي القوى العاملة لديها. تشير بيانات بطاقات الائتمان إلى أن الاستهلاك الخاص في «إسرائيل» انخفض بنسبة الثلث تقريباً. وانخفض الإنفاق على الترفيه والتسلية بنسبة 70%. كما توقفت السياحة التي تعتبر عماد الاقتصاد «الإسرائيلي». تم إلغاء الرحلات الجوية. ولتصبح الأمور أصعب، أمرت الحكومة «الإسرائيلية» شركة شيفرون بوقف الإنتاج في حقل غاز تمار، الأمر الذي يكلف «إسرائيل» 200 مليون دولار شهرياً من الأرباح الضائعة. دفع هذا المؤرخ الاقتصادي الإنكليزي الشهير آدم توز لنشر مقال على موقعه الإلكتروني يتنبأ فيه بالانهيار الاقتصادي «لإسرائيل» نتيجة الحرب مع قطاع غزة، بغض النظر عن نتيجة الصراع العسكري.
ترجمة: قاسيون
قبل اندلاع الصراع العسكري، كان هناك دمج نشط للغاية للفلسطينيين من هذه المناطق في سوق العمل «الإسرائيلي». في عام 2022، عمل حوالي 200 ألف فلسطيني في «إسرائيل»، منهم 80 ألفاً في قطّاع البناء. وكان العدد أقل من 50 ألفاً في عام 2002. الآن منعت الإدارة «الإسرائيلية» الغالبية العظمى من الفلسطينيين في الضفة الغربية من الوصول إلى العمل، وهذا يمثل 5٪ أخرى من سوق العمل. ستغلق العديد من مواقع البناء في «إسرائيل» أبوابها ببساطة دون وجود عمال فلسطينيين.
يستشهد توز بتوقعات مؤسسة وبنك جي بي مورغان، بأنّ الاقتصاد «الإسرائيلي» ينكمش بنسبة 11% في الربع الرابع من 2023. يكتب بأنّ هذه زيادة لا تصدق في التكاليف مقارنة بحجم التكلفة التي دفعتها «إسرائيل» في الحروب السابقة. على سبيل المثال: أدت «الانتفاضة» الفلسطينية الضخمة في أواخر الثمانينيات إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي «الإسرائيلي» بنسبة 3.8% فقط.
إذا استمرّت المعركة الحالية في قطاع غزة لمدة ستة أشهر على الأقل، كما توقّعت السلطات «الإسرائيلية»، فإنها تهدد بإغراق اقتصاد البلاد في الهاوية. وقد باع البنك المركزي «الإسرائيلي» بالفعل 30 مليار دولار من احتياطياته لمنع الشيكل من الانهيار. ولهذا السبب تقوم الولايات المتحدة الآن بالكشف بسرعة عن احتياطياتها المالية، ووعدت بتخصيص ما يصل إلى 14 مليار دولار.
آدم توز ليس وحده في تنبؤاته المروعة حول الاقتصاد «الإسرائيلي». وجّه 300 «إسرائيلي» مطّلع رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء نتنياهو ووزير المالية سموتريش، تدعو إلى الوقف الفوري لجميع البنود غير الأساسية في إنفاق ميزانية الدولة، ومراجعة أولويات الإنفاق للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الوشيكة. وحذروا في الرسالة: «أنت لا تفهم حجم الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد [الإسرائيلي]». جاء في الرسالة أيضاً: «إن استمرار السلوك الحالي للسلطات يضر بالاقتصاد [الإسرائيلي]، ويقّوض ثقة المواطنين في نظام الدولة، ويقوض قدرة دولة [إسرائيل] على الخروج من الوضع الذي تجد نفسها فيه».
ومن بين الموقعين على الرسالة: البروفيسور جاكوب فرنكل، المحافظ السابق لبنك «إسرائيل»، وروني حزقياهو، كبير المحاسبين السابق في بنك «إسرائيل»؛ وحاييم شاني، المدير العام السابق لوزارة المالية، والبروفيسور يوجين كاندل، الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي الوطني، والبروفيسور إيتان شيشينسكي، نائب محافظ بنك «إسرائيل» السابق، والبروفيسور ليو ليدرمان من جامعة تل أبيب، والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2021: جوشوا أنغريست من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وجاء في الرسالة أن «الضربة الخطيرة التي تلقتها [إسرائيل] تتطلّب إعادة ترتيب جذرية للأولويات الوطنية، وتحويلاً هائلاً للميزانيات للتعامل مع الأضرار التي سببتها الحرب، وتوفير الإغاثة للمتضررين، وإعادة بناء الاقتصاد… التغييرات التجميلية ضمن الميزانية الحالية لا تقترب من حجم الإنفاق المطلوب».
أرسل تومر سيمون، كبير مسؤولي الأبحاث في شركة «مايكروسوفت إسرائيل» رسالة مفتوحة أخرى إلى مستشار الأمن القومي للحكومة «الإسرائيلية»، يحذّر فيها من أنّ «الحرب خلقت فراغاً كبيراً في القوى العاملة في قطاع التكنولوجيا الفائقة». هذه الرسالة تعبّر بشكل ملحوظ عن وضع الشركات متعددة الجنسيات الموجودة في «إسرائيل»، حيث تكون نسبة الموظفين المعبئين أعلى بكثير من المعدل الوطني. قد يؤدي القلق في هذا القطّاع إلى قيام الشركات متعددة الجنسيات بتجميد أو تقليل استثماراتها بعد الصراع، وحتى تقليص أنشطتها البحثية والتطويرية. وكما تقول رسالة سيمون: «قد تشكّل مثل هذه الإجراءات تراجعاً استراتيجياً سيكون له عواقب ضارّة على المشهد الاقتصادي في [إسرائيل] ومستقبل الابتكار، ويُضعف موقفنا العالمي، ويزيد من تقويض استقرارنا الداخلي».
الوضع أسوأ من قدرة الكيان على إخفاءه
جاء في تقرير لمراسل الصحيفة الفرنسية لوموند في «إسرائيل»: «بعد اندلاع الصراع العسكري، عانت جميع القطاعات في «إسرائيل»، بما في ذلك البناء والتكنولوجيا والزراعة والمنسوجات، من نقص العمالة. على الواجهة البحرية لتل أبيب، توقف موقع بناء فندق ماندارين أورينتال الفاخر. تم إفراغ الرافعات والسقالات. يبدو أن ما يقرب من 80% من جميع المشاريع قيد الإنشاء في «إسرائيل» قد تم تجميدها. ثلث المطاعم في المدن الكبرى لم يُعد فتحها، بسبب نقص الموظفين، وأحياناً بسبب نقص العملاء».
وفقاً لتقديرات أليكس زابيرزينسكي، كبير الاقتصاديين في «Meitav Investments House»، فـ «الحرب ضد حماس ستكلف [إسرائيل] أكثر من 70 مليار شيكل، أو نحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي». ويقسّم الأضرار إلى أربع فئات: التكاليف المباشرة للحرب، والتعويض عن الأضرار المادية، والمساعدات الاقتصادية، وفقدان الدخل الحكومي بسبب الأزمة الاقتصادية. وهذا التقدير أعلى من تقدير بنك «إسرائيل» ووزارة المالية في البلاد، والتي قدّرت بشكل غير رسمي أنّ العواقب ستكون خسارة بنسبة 2-3٪ من الناتج المحلي الإجمالي».
وكانت الإيكونوميست البريطانية أكثر تشاؤماً فيما يخصّ مدى وزمن المعركة «حماس لا تريد معركة مباشرة مع جيش الدفاع [الإسرائيلي] الأكثر تطوراً، والذي يتمتّع بقوة نيران متفوقة بشكل كبير. بدلاً من ذلك، فإنّها تسعى إلى ضرب القوات «الإسرائيلية» من خلال حرب العصابات. تعتقد مصادر عسكرية «إسرائيلية» أن أمامها فرصة قصيرة فقط للدفع بتشكيلات كبيرة داخل قطاع غزة. في الأسابيع المقبلة، يتوقع جنرالات [إسرائيليون] ضغوطاً دولية لإجبارهم على العودة إلى وجود محدود أكثر في غزة. ستتحول الحرب إلى غارات على أهداف محددة. ووفقا لتوقعاتهم، فإن هذا سيستغرق أشهراً، وربما حتى سنوات».
إذا كلفت -حرب استمرت شهرين مع حماس- «إسرائيل» 17 مليار دولار، وخسارة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن القتال، حتى الأقل حدّة مما هو عليه الآن، سيؤدي ببساطة إلى تدمير الاقتصاد «الإسرائيلي». في غضون عام. ويعتقد توز الذي يرى أن حرب «إسرائيل» مع حماس ستكون طويلة الأمد، أنّ العمليات في قطاع غزة ستكلف «إسرائيل» أكثر بكثير مما توقعته أكثر التقديرات تشاؤماً. وأنّ «إسرائيل»: «وجدت نفسها، كما هو الحال في السبعينيات والثمانينيات ،عندما وصلت المساعدات المجانية من أمريكا إلى 10-14٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في موقف اللا خلاص من الانهيار سوى أن تصبح الولاية رقم 51 للولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1149