سقف سعر النفط الروسي.. أضحوكة الغرب الجديدة
أوديت الحسين أوديت الحسين

سقف سعر النفط الروسي.. أضحوكة الغرب الجديدة

اتفقت دول مجموعة السبع، بمبادرة من الولايات المتحدة، على وضع سقف سعري للنفط الروسي، اعتباراً من الخامس من كانون الأول هذا العام 2022. وتحظر مجموعة دول السبع أيضاً على شركات الاتحاد الأوروبي توفير تأمين الشحن، أو خدمات الوساطة، أو تمويل صادرات النفط من روسيا إلى دول ثالثة. لكن ما مدى قيمة هذا الاتفاق، وهل يمكن تنفيذه فعلاً، وكيف سيكون رد فعل الروس، وما مدى تأثير ذلك على الدول الثالثة؟ سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة.

سيكون من اللافت أن نبدأ بالقول، بأنّه منذ إقرار السقف في 5 كانون الأول، وحتى 9 من الشهر ذاته، ازدادت صادرات نفط روسيا عبر موانئها بنسبة تقرب من 17٪ لتصل إلى 3.5 مليون برميل نفط يومياً، وهو وفقاً لوكالة بلومبرغ: «المعدل الأعلى للتصدير هذا العام».
كان رد الفعل الروسي سريعاً ومتوقعاً، حيث أعلن الروس على لسان نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، بأنّ روسيا لن تقوم بتزويد البلدان التي تنضم لسقف السعر بالنفط، فسقف السعر أداة غير سوقية، ولهذا لن يقوم الروس بالإتجار إلّا مع شركاء يعملون معها ضمن ظروف السوق.
وفقاً للبروفسور فاليري أندرويانوف، خبير التحليل المالي، فنمو الصادرات النفطية الروسية عبر البحر تشير لوحدها إلى أنّ أيّة آلية لتسقيف السعر هي إجراء بلا أسنان، فليس هناك أيّ آلية واقعية يمكنها أن تفرض القيود. يضيف أندرويانوف: أدّى وضع سقف للأسعار بشكل أو بآخر إلى إطلاق عملية تعديل للأسعار في سوق النفط العالمي. فحتى وقت ليس بالبعيد، كان الحديث عن «الحسومات الآسيوية» يعني بأنّ الكميات التي يتمّ توريدها من النفط الروسي إلى معظم دول آسيا، يتمّ تسعيرها بشكل افتراضي، بالاعتماد على الأسعار العالمية، بعد منح تخفيض عليها. أمّا اليوم فبات الوضع معاكساً، حيث بدأت أسعار العالم تكيّف نفسها مع أسعار النفط الروسي إلى منطقة آسيا والهادئ.

منطقة رمادية يسيطر عليها الروس

ذكرت صحيفة «الدورية الروسية» أنّ ثُلث صادرات النفط الروسي التي تخرج من الموانئ الروسية لا يكون لها وجهة محددة مصرّح بها. بمعنى آخر: ما يسمّى بمنطقة التجارة الرمادية آخذة بالاتساع، حيث يمكن للشركات التي تتاجر بالنفط أن تشتري وتبيع المواد الخام دون المخاطرة بالوقوع تحت العقوبات. ووضع سقف للسعر، يعني بأنّ هذه المنطقة ستتسع، حيث ستسعى عدد من الدول الغربية المستهلكة للنفط الروسي- ذي السعر الأرخص- للحصول عليه عبر طرف ثالث، وستزداد عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى، والتجارة غير المشروعة في الناقلات، وخلط النفط...الخ.
سيتيح هذا لروسيا قدرة متزايدة على القيام بضربة ارتدادية للعقوبات، إذا ما قررت أن تنهي بشكل فاعل قدرات هذه الدول في الحصول على نفطها، عبر طرف ثالث، لكونها قد وافقت على سقف الأسعار. سيساعد روسيا على تحمّل فعل ذلك، أنّ الطلب في آسيا على نفطها قادر على إبقاء مستوى الصادرات عند حدّ معين لا يُحملها أضراراً كبرى. ربّما ما قاله ستيفن منوتشين، وزير الخزانة الأمريكي السابق، يجب الانتباه إليه هنا: «إنّ خطّة دول مجموعة السبع لفرض حدّ أقصى لسعر النفط الروسي لم تكن غير مجدية فحسب، بل أعتقد بأنّها أكثر الأفكار سخافة التي سمعتها على الإطلاق».
يجب أن تثير تصرفات الولايات المتحدة عجب الأوروبيين، فهي في الوقت الذي تدفعهم فيها لخصومة أكبر مع روسيا، تقوم بإعفاء شركات روسية من العقوبات بما يخدم مصالحها. ليست هذه المرة الأولى، ولكن عندما قامت في 15 كانون الأول بفرض عقوبات على الملياردير الروسي فلاديمير بوتانين، ثمّ استثناء الأصول التي يملكها في شركتي MMC Norilsk Nickel وTinkoff Bank من العقوبات، بات الأمر فاضحاً.
لكن يمكن فهم الخطوة الأمريكية من منظور حماية مصالحها، فشركة ام. ام. سي تملك 17٪ من البالاديوم و38٪ من البلاتينيوم و7٪ من الروديوم، و2٪ من الكوبر والكوبالت في العالم، ما يعني بأنّ عدم استثناء الشركة الروسية سيؤدي لتوجيه ضربة أكبر للمصنعين الأمريكيين.

شركاء روسيا وعدم التأثر بالسقف السعري

في الحقيقة إذا ما استثنينا دول مجموعة السبع وأستراليا، فليست كثيرة هي الدول التي انضمت لتسقيف السعر «بعض دول المجموعة تمّ إعفائها من سقف السعر». إذا ما تحدثنا عن شركاء روسيا فالصين، وهي المستورد الأكبر للنفط في العالم، لم تنضم. لكنّ التحالف الذي يجمع الصين وروسيا سيجعل من الصعب تخيّل قيام الصين بتبني مثل هذا القرار.
لكن ماذا عن الهند ثالث أكبر مشترٍ للنفط في العالم؟ ربّما علينا التركيز على الهند التي اتخذت موقفاً مناهضاً ورافضاً للقرارات الغربية منذ اليوم الأول للعملية العسكرية في أوكرانيا. وفقاً لوكالة تحليل البيانات والبضائع كبلر Kpler، فإنّ حصّة الهند من التوريدات النفطية من روسيا، بلغت في شهر تشرين الثاني الماضي 2022 أكثر من 1.5 مليون برميل يومياً.
تتمتع الهند اليوم بخصومات كبيرة على الخام الروسي، ويمكنها أن تشتري ما تشاء من روسيا التي وصفها المسؤولون الهنود: «الصديق الذي تمّ اختباره عبر الزمن». إذا ما نظرنا إلى السياق الذي تتحرّك فيه الحكومة الهندية، فالتصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء مودي، والتي يفهم منها، أنّ حكومته وبغض النظر عن أيّ تغيّر عالمي ستبقي على «التعاون الثنائي عالي المستوى، الذي يتطور على أساس الشراكة الاستراتيجية المميزة الهندية الروسية»، وهي تعبير سياسي عن واقع رفض الهند لأيّ ابتزاز غربي للتخلي عن مصالحها والوقوف ضدّ روسيا.
بالنسبة للهند، فإنّ إعادة توجيه الدبلوماسية الاقتصادية الروسية نحو المنطقة الآسيوية تقدّم فرصاً تجارية ضخمة. من كان يظنّ قبل بدء الحرب في أوكرانيا أنّ روسيا ستصبح أكبر مورّد للنفط إلى الهند «بواقع 909 آلاف برميل نفط يومياً»، متخطية العراق «بواقع 861 ألف برميل يومياً» والسعودية «بواقع 570 ألف برميل يومياً» والولايات المتحدة «بواقع 405 ألف برميل يومياً».
نشرت رويترز، بأنّ الهند قد اشترت حوالي 40٪ من إجمالي صادرات النفط الروسي من صنف «أورال» المنقول عبر البحر في شهر تشرين الثاني الماضي، بينما حصلت أوروبا على 25٪ منه، وتركيا على 15٪، والصين على 5٪. يبرر هذا، أنّ حديث مودي الأخير هاتفياً مع بوتين قد تركز حول الطاقة، وثبّت أنّ الهند لن تعطي قيمة لمخططات مجموعة السبع لفرض سقف سعر للنفط الروسي.
كما أنّه من الطبيعي ألّا تكون هذه العلاقة الهندية الروسية معتمدة فقط على تصدير النفط واستيراده، فروسيا قد تقدمت خلال الفترة الماضية من كونها في المرتبة 25 لشركاء الهند التجاريين، لتصبح سابع أكبر شريك تجاري لها. أثناء زيارة وزيرة الخارجية الهندي جايشانكار الأخيرة لروسيا، تمّ التركيز على قائمة تضمّ 500 بند، تحرص موسكو على استيرادها من الهند. يتعلّق الأمر هنا بسلسلة توريد جديدة هامة للاقتصاد الروسي، يمكن للصناعة الهندية أن توفرها، سواء أكانت لوازم طائرات أو قطارات أو سيارات. كما يمكن لروسيا استخدام السوق الهندية بوصفها مصدر «استيراد موازي» لسلع ومنتجات من دول ثالثة.
ويبقى السؤال: إلى أيّ حدّ يعتقدون بأنّ آلتهم الإعلامية قادرة على منحهم «مكانة المسيطر» التي لا يتمتعون بها في الواقع؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1102
آخر تعديل على الثلاثاء, 03 كانون2/يناير 2023 18:58