بعد أشباه الموصلات والبطاريات.. هل تُضيّع اليابان الروبوتات؟
تشين يان* تشين يان*

بعد أشباه الموصلات والبطاريات.. هل تُضيّع اليابان الروبوتات؟

لا يمكن أن نتحدث عن التطور التكنولوجي والأبحاث الصناعية المتطورة دون أن نفكر في الدور المحوري لليابان. لكن منذ الدخول في القرن الحادي والعشرين لم تعد السياسات اليابانية تركّز على التصنيع، وهيمنت عليها أفكار الأمولة، حيث حولها الإيمان المطلق بتفوّق التمويل من مركز للأبحاث والتطوير التكنولوجي العالمي إلى مجرّد مشاهد لتوسّع السوق العالمي أثناء اختبارها لانكماش سوقها المحلي بشكل متزايد.

ترجمة: قاسيون

دخلت اليابان «عقدها الضائع» الأول في التسعينيات، وعقدها الضائع الثاني في بداية الألفية، ثمّ مددت هذه الظاهرة الاقتصادية لتصبح الأعوام الثلاثين الضائعة. خلال هذه العقود انحسرت صناعة أشباه الموصلات اليابانية من تشكيلها 50٪ من السوق العالمية إلى أقلّ من 10٪. وعلى طول الطريق خسرت ابتكارات وضعت أساسها الشركات اليابانية، مثل: بطاريات الليثيوم والجوانب الكهروضوئية للتعزيز الصناعي.
كانت شركة ماتسوشيتا إلكتريك اليابانية هي صانعة البطاريات الأكبر عالمياً، أمّا اليوم فلم تعد موجودة حتى بين أكبر 5 صانعي بطاريات. بدأت اليابان في تطوير استخدام الطائرات بدون طيار منذ خمسينيات القرن العشرين بهدف رشّ المبيدات، وما إلى ذلك من الاستخدامات. لكن اليوم لا نرى أيّ وجود ياباني في التنافس العالمي على الطائرات بدون طيار.

الروبوتات واللحاق باليابان

لا تزال اليابان اليوم مؤثرة جداً في اقتصاد الروبوتات العالمي. لكن بعد العقود الثلاثة الضائعة، فشلت القدرات اليابانية في مجال الذكاء الاصطناعي- والإنترنت الصناعي، والحوسبة الكمومية- في احتلال موقع في التيار السائد العالمي. اليوم، من الناحية السياسية، قدّمت اليابان «قانون ضمان الأمن الصناعي» في 2022، قاطعة بذلك علاقاتها مع القوى الاقتصادية الكبرى. هل سيؤثر ذلك على صناعة الروبوتات اليابانية؟ هل سيكون مصيرها كمصير صناعة أشباه الموصلات والبطاريات، وأن تنسحب من دورها القيادي فيها؟ يمكننا القول: إنّ مستقبل الصناعات الروبوتية هو في الواقع صورة مصغرة لتطور الاقتصاد الصناعي الياباني.
داخل وزارة الصناعة اليابانية هناك تنظيم مخصص للروبوتات يدعى: «مكتب السياسات الروبوتية»، وهو المسؤول عن أبحاث السياسة الصناعية ذات الصلة، وإعداد تقارير الصناعة الدورية. آخر نسخة من التقارير التي يُعدها ونشرت في تموز 2019. يقول التقرير: إنّه ما بين عامي 2012 و2017 تراجع عدد الروبوتات في اليابان تدريجياً من المرتبة الأولى في العالم، وابتعدت عن الصين بمسافة كبيرة.
في عام 2012 وحده، صنعت اليابان 28680 روبوتاً لتحتل المرتبة الأولى في العالم، بينما صنعت الصين 22987 روبوتاً في ذلك العام، لتحتل المرتبة الثالثة. في عام 2017 صنعت اليابان 45566 روبوتاً في عام واحد، بزيادة قدرها 58,9٪ مقارنة بعام 2012 بينما صنعت الصين 137920 روبوتاً في عام واحد، أي ما يقرب من ستة أضعاف ما كانت عليه في عام 2012.
الصين سحقت اليابان في كلٍ من الكمية ومعدل النمو. في مجال استيراد معدات الروبوتات وصناعتها، اليابان ليست فقط متخلفة عن الصين، بل أيضاً متخلفة كثيراً مقارنة بالدول الأخرى، فهي تتخلف كثيراً عن أمريكا الشمالية وكوريا الجنوبية، وأعلى بقليل من ألمانيا، ومتأخرة عن المتوسط العالمي.
ربّما الأهم، أنّ حصّة الروبوتات التي تمّ تصديرها إلى الصين من دول أخرى قد زادت من 22٪ في 2012 إلى 29٪ ما يعني بأنّ الكثير من الدول تحاول اللحاق باليابان وتخطيها مستعينة بالسوق الصينية لتنمية شركاتها. يقول التقرير الياباني: كثافة الروبوتات لكلّ 10 آلاف شخص في كوريا هي 710، وفي ألمانيا 658، بينما في اليابان هي فقط 308، وفي الولايات المتحدة 230، وفي الصين 97».
بعد فقدان هيمنتهم على المنتجات النهائية، مثل: أشباه الموصلات والبطاريات والخلايا الكهروضوئية والطائرات دون طيار، لا تزال تحتفظ الشركات اليابانية مؤقتاً بريادتها العالمية في «تغليف أشباه الموصلات semiconductor packaging»، وفي أقطاب وأغشية البطاريات الموجبة والسالبة، والقدرة الإنتاجية للسيليكون الأحادي والمتعدد، ومحركات الطائرات دون طيار.
كنتيجة لذلك، أصبحت اليابان اليوم أكثر استعداداً للتراجع عن المنتجات النهائية لصالح مجال المواد الخام الرئيسية والمكونات الرئيسية، حتى يتمكنوا من جني الأموال وعدم خسارتها. لا تتمتع المنتجات اليابانية النهائية بأيّة مزايا من حيث التكلفة وتطوير السوق، ومع ذلك فإنّها تحتفظ بالتفرد في إنتاج المكونات الرئيسية، بحيث يمكن للشركات الاستمتاع بمنافع تطوير السوق دون الاضطرار لتحمل المخاطر الناجمة عن المنافسة بين المنتجات النهائية، وفشل تطوير منتج جديد وما إلى ذلك.

هل يمكن لليابانيين الريادة من جديد؟

من الجوانب المهمة في صناعة الروبوتات: المواد الأولية وتكامل النظام. تتمتع الشركات اليابانية بمزايا محددة في قطاعات المواد المركبة والراتنجات والمواد الذكية والتحكم والاتصال وأجهزة الاستشعار...الخ. وفي تكامل النظام تملك هذه الشركات تراكماً أكبر في آلات المعالجة وأنظمة الروبوتات ومعالجة البيانات...الخ. هذه المزايا تضمن ربحية شركات الروبوتات اليابانية.
علاوة على ذلك تتمتع الشركات اليابانية برأسِ مالٍ جيد، رغم أنّها لم تستثمر كثيراً في البحث والتطوير في مجال الروبوتات، ولم تقدم إلّا عدداً محدوداً منها، لذلك تعمل الشركات اليابانية على توسيع استخدام الروبوتات.
لكن يبقى سوق الإنتاج النهائي الياباني ضعيفاً. فبالرغم من المزايا وبسبب قيام دول متعددة بالاستثمار من أجل الريادة في مجال إنتاج الروبوتات النهائية، فمن المتوقع أن تنخفض حصة اليابان في سوق الروبوتات النهائية العالمية بشكل أكبر في المستقبل، رغم أنّ عقود البحث والتطوير وإنتاج الروبوتات تجعل من المستحيل حشر الشركات اليابانية في الزاوية دون عودة في حال تمّ تجنّب أخطاء الصناعة التكنولوجية السابقة.
هنا بيت القصيد بالنسبة للصناعة اليابانية إذاً: السياسة الصناعية اليابانية. فبعد تمرير قانون الأمن الاقتصادي لعام 2022، لن تكون الشركات اليابانية قادرة– بالرغم من ميزتها في المواد المتقدمة وقدرات النظام المتكامل– على التعاون مع بعض أكثر البلدان التي تملك رغبة وقدرات تطور «مثل الصين»، أو أنّه سينتهي بها المطاف وهي تأخذ التكنولوجيا المتخلفة فقط.. بسبب تحديدها البلدان التي يمكنها التعاون معها.
يحاول مؤيدو القانون إظهاره وكأنّه سيحمي الصناعة اليابانية المحلية للروبوتات، ولكنّ السوق اليابانية ضيقة وصغيرة، ولا تكفي لبناء صناعة روبوتات عملاقة. والقانون الجديد بدل أن يقاتل لتأمين أسواق ضخمة للشركات اليابانية يجعلها قاصرة عن الحصول عليها، ما سيعني في نهاية المطاف أن تتبع صناعة الروبوتات المسار ذاته الذي حدث لأشباه الموصلات والبطاريات: التراجع التدريجي.
يحاول النظام الياباني اليوم أن يستعيد الريادة في صناعة أشباه الموصلات والبطاريات، كمثال عبر تخصيص رأس مال هائل لاستقطاب تكنولوجيا أشباه الموصلات من شركة TSMC اليابانية وغيرها. لكن في العالم الاقتصادي الواقعي استعادة الصناعات الضائعة عبر إجراءات سياسات صناعية هو أمر نادر الحدوث، وأشباه الموصلات والبطاريات ليست استثناء. ولهذا على صانعي السياسات اليابانية أن يركزوا على ما يزال بيدهم، وهو الأمر الذي لا يفعلونه اليوم.
*تشين يان: المدير التنفيذي لمؤسسة أبحاث «الشركات اليابانية» في الصين
بتصرّف عن:
陈言:继半导体、电池、无人机失陷后,日本机器人产业也正被中国赶超

معلومات إضافية

العدد رقم:
1100