فول الصويا كمثال على فشل رأسمالية الغذاء
وانغ شاو غوانغ وانغ شاو غوانغ

فول الصويا كمثال على فشل رأسمالية الغذاء

قام وانغ شاو غوانغ بإعداد دراسة هامة عن زراعة فول الصويا والاحتكار الرأسمالي لزراعتها وإنتاجها وبيعها، وكانت النتيجة كارثية بالنسبة للطبيعة والبشر الذين يعتمدون عليه كمصدر للغذاء والبروتينات، أو العاملين فيه. إليكم أبرز ما جاء في الدراسة.

ترجمة: قاسيون

كانت الصين حتّى الحرب العالمية الثانية هي أكبر منتج لفول الصويا في العالم. ثمّ منذ الأربعينيات هيمنت الولايات المتحدة على إنتاج فول الصويا، حيث كانت تنتج في 1961 نسبة 68.7٪ من الإنتاج العالمي، لتتلوها الصين بنسبة 23.3٪. ثمّ في 1974 و1998 تخطت كلّ من البرازيل والأرجنتين الصين في الإنتاج، ثمّ في 2002 تخطيتا معاً الولايات المتحدة. يتركز الإنتاج اليوم في هذه الدول الأربع بنسب تقريبية: 35٪ الولايات المتحدة، 34٪ البرازيل، 11٪ الأرجنتين، 5٪ الصين.
السبب في هذا التحوّل، هو تدخل رأس المال الذي وجد في فول الصويا سلعة مربحة تتوافق مع الزراعة المكثفة الرأسمالية واسعة النطاق. سلسلة الإنتاج والإمداد والتوزيع لهذه السلعة، بدءاً من الاستثمار الرأسمالي في الزراعة، ووصولاً إلى التجارة والمعالجة والاستهلاك، هي سلسلة متعددة الطبقات ومعقدة بشكل متزايد.

من يسيطر على سلسلة التوريد؟

رأس المال هو العامل الرئيسي الذي يغذي تكامل إنتاج فول الصويا العالمي وتوريده وتسويقه. مع تغلغل الشركات متعددة الجنسيات في كلّ عقدة من السلسلة، فهي تأكل أعلاها وأسفلها ولا تترك أيّة عقدة في سلسلة الإنتاج والإمداد والتسويق دون أن تزيد أرباحها منها. في سوق التمويل العالمي، يشترك بشكل متزايد المستثمرون ذوي الجيوب العميقة الذين لديهم قدرة الوصول إلى تريليونات الدولارات في ثوانٍ، سعياً وراء عوائد أعلى وأسرع. باستخدام هذه الاستثمارات، تقوم الشركات متعددة الجنسيات بإنشاء شركات محلية على طول العالم، تستحوذ فيها على الشركات المحلية الأضعف، أو حتّى الشركات المنافسة القوية.
لا يمكن للشركات العادية، ولا حتّى لبعض الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والمتوسطة، أن تواجه هذا الكمّ الهائل من التمويل، فلا يكون لديها خيار سوى الوقوع ضحيّة للسيطرة الاحتكارية للشركات متعددة الجنسيات، التي باتت تسيطر على جميع عقد السلسلة «البذور، المبيدات الحشرية، المسمدات، التعديل الوراثي، التجارة، المعالجة، التوزيع، البيع بالتجزئة».
هناك أربع شركات: ADM, Bunge, Cargill, Louis Dreyfus معروفة باسم «ABCD» تسيطر على 80٪ من تجارة الحبوب العالمية، وعلى 90٪ من تجارة فول الصويا. التحالف الاحتكاري الأفقي والتواطؤ بين هذه الشركات ولاعبين آخرين أمر شائع الحدوث، حيث تتكوّن تحالفاتها الاستراتيجية من شبكة محكمة للغاية من العلاقات التعاقدية من أجل زيادة سيطرتها على جميع قطاعات إنتاج فول الصويا. من الأمثلة على ذلك: التعاون بين شركة ADM وشركة الصناعات الكيماوية الزراعية من مجموعة نوفارتيس/ سينغينتا. والمشروع المشترك بين كارغيل ومونسانتو للمبيدات: رينسين. تسيطر هذه الشركات بتحالفاتها على منشآت التسليم والمعالجة العالمية بحيث تضمن استخدام المنتجين ما يطلق عليه: «أسواق المصب». وتسيطر عبر تحالفها مع ما يسمى «شركاء المنبع» على فلاحي فول الصويا والمواد الأولية اللازمة لهم. لا توجد ضمن هذه التحالفات أسواق مفتوحة أو منافسة حقيقية، وبالتالي، هناك تحكم كامل في عملية التسعير.
تشير أحدث البيانات إلى أنّه في عام 2021، بلغ إجمالي الدخل التشغيلي لتجار الحبوب الدوليين الأربعة الرئيسيين ما يقرب من 330 مليار دولار. حيث حققت ADM أرباحاً تقرب من 85,249 مليار دولار، وهي الأفضل لها في 120 عام، بينما حققت كلّ من Bunge و Louis Dreyfusأرباح عام واحد أعلى بنسبة 80٪ بالمقارنة مع العام الذي سبقه 2020، لتحقق Cargill أرباحاً وصلت إلى 134.4 مليار دولار، أي بنمو قدره 64٪ عن أرباح العام الذي سبقه، وهي الأعلى في 156 عام.

التحكم في الإنتاج العالمي

لا تشارك هذه الشركات في زراعة فول الصويا بشكل مباشر، لكنّها تتحكم في إنتاجه في أمريكا الشمالية والجنوبية، من خلال السيطرة على قروض الإنتاج وبناء مرافق النقل وما إلى ذلك، بحيث يتعيّن على مزارعي فول الصويا سداد أموالهم. تشتري الشركات فول الصويا بأسعار منخفضة إلى حد ما، ثم تعيد بيعه في أسواق العقود الآجلة الدولية بالأسعار التي تراها مناسبة. لديهم- في حال واجهوا منافسين محتملين- قدرة على إغراق السوق العالمية بشكل مصطنع بالمنتجات منخفضة السعر.
كما تتمتع الشركات المسيطرة بميزة أخرى، هي حيازة البيانات ومعالجتها، حيث تسيطر في كلّ ركن من العالم على وكالات مكرسة لجمع بيانات السوق، ويتمّ إرسالها إلى مقر الشركة ليتم فرزها وتحليلها بواسطة المختصين، لدعم قرارات البيع والشراء في سوق العقود الآجلة الدولية، لتحقيق أعلى فارق بين سعر الشراء وسعر البيع. أظهرت عدّة دراسات هامة تزايد الفرق بين سعر الشراء والبيع بشكل مستمر. في 1997 قدرت دراسة للبنك الدولي أنّ الفارق كان يصل إلى 100 مليار دولار سنوياً. وفي دراسة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في 2002 تم تأكيد الازدياد المستمر لهذا الفارق منذ الثمانينيات.
تعني إدامة سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على زراعة فول الصويا «والغذاء عموماً» ازدياد الزراعة المكثفة المعتمدة على رأس المال، التي تؤدي إلى مشاكل بيئية، مثل: تعطيل التركيب الميكروبي الطبيعي للتربة والتسبب في تآكلها، الأمر الذي يحدث بشكل خاص في المناطق التي تعتمد بشكل مفرط على الكيماويات الزراعية. الأمر الأكثر إثارة للرعب أنّ النمو السريع لإنتاج فول الصويا في البرازيل أصبح أحد الأسباب الرئيسية في إزالة الغابات على نطاق واسع، وحرق غابات الأمازون المطيرة. كانت مساحة الغابات التي دمرت في العقد 1990 إلى 2000 وحده، ضعف مساحة الأراضي البرتغالية. أدى فقدان الغابة إلى إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون كانت محتجزة في الغطاء النباتي والتربة، ما حوّل رئة الأرض إلى مطلق للكربون، ما حوّل البرازيل إلى واحدة من أكثر الدول تسبباً بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
المشكلة الأخرى، هي انتقال ملكية الأراضي إلى الشركات الأصلية أو المحلية التابعة لها، وحرمان الغالبية العظمى غير القادرين على تحمل تكاليف المكننة ومدخلات الإنتاج إلى الخروج من السوق. في البرازيل والأرجنتين تمّ إنتاج فول الصويا في البدء في مزارع عائلية صغيرة تتراوح ما بين 5 إلى 50 هكتار. لكن فيما بعد نمت مزارع الصويا الجديدة لتكون مساحتها في الغالب عشرة آلاف إلى خمسين ألف هكتار. يعني هذا مزيداً من الاستغلال ومزيداً من البطالة، كمثال: توظف المزارع الصغرى في الأرجنتين عاملاً واحداً لكل 8 هكتارات، بينما توظف المزارع الكبرى عاملاً واحداً لكل 200 هكتار.

بتصرّف عن:
In a Soybean Game Dominated by Capital, No One Wins

معلومات إضافية

العدد رقم:
1098