كيفيّة السماح لرأس المال بالتوسّع المنضبط!
من أكثر الهواجس التي تشغل بال منظري بناء الاشتراكية في عالم اليوم، الذي يسود فيه نمط الإنتاج الرأسمالي بشكل كلي: كيف يمكن الاستفادة من رأس المال دون السماح له بالسيطرة والتوسع اللامنضبط وإعاقة البناء الاشتراكي. ربّما لدى الصين التجربة العملية الأكثر إثارة للاهتمام، ولهذا نقدّم ملخصاً لتقرير منشور في «منتدى كوادر الحزب والحكومة الصينية 中国党政干部论坛» يحاول أن يتحدث بشكل شامل عن ضبط رأس المال الخاص:
ترجمة: أوديت الحسين
منذ عام 2021 وقيادات الحزب الشيوعي الصيني تكرر الحاجة إلى تطوير إجراءات تمنع التوسّع غير المنضبط لرأس المال، من أجل إنجاح تطوير الاشتراكية بسمات صينية. لكن في البداية، ما هو التوسّع غير المنضبط لرأس المال؟ في البدء، تحدد النظرية الماركسية رأس المال بوصفه علاقات اجتماعية، وليس فقط وسائل الإنتاج، وتستنتج بأنّ السعي المستمر للتوسّع هو طبيعة متأصلة في رأس المال وإلا فسيتمّ القضاء عليه، وهو أمر لا علاقة له بالإرادة الذاتية للرأسماليين.
يصبح هذا التوسّع لا منضبطاً عندما يهدد بالخطر قيادة الحزب السياسية والنظام الاشتراكي، ويسعى وراء سلطة سياسية تتناسب مع ازدياد حجمه، ويتلاعب بمعيشة البلاد اقتصادياً. ويستولي على المنافع الاقتصادية من الوضع الاحتكاري، ويدمّر الفكر والثقافة الاشتراكية والبنى الفوقية الثقافية الأخرى، ويسعى وراء الهيمنة الإيديولوجية على الخطاب العام.
يتجلى التوسع اللامنضبط لرأس المال دون شك في زيادته الكمية، ولكنّ جوهر التوسّع يكمن في التغيير النوعي. طالما أن سلوك رأس المال لا يتجاوز الحد الأدنى المذكور أعلاه، فإنه يمكن أن يتدفق بشكل كامل في ظل شروط اقتصاد السوق الاشتراكي، ويلعب دوراً إيجابياً في تطوير القوى المنتجة. على سبيل المثال: في بعض الصناعات ذات المنافسة الكاملة، تجاوزت حصة رأس المال الخاص حصة رأس المال المملوك للدولة، ولكن طالما أن رأس المال المملوك للدولة يتحكم بالعلاقات والمجالات المتعلقة بمعيشة الناس، فإنّ رأس المال الخاص مجبر على الالتزام بالأساسيات الاقتصادية: نظام الملكية العامة كدعامة أساسية، والتنمية المشتركة لمجموعة متنوعة من الملكية، والالتزام بالقانون والتشغيل القياسي، وعدم تعريض معيشة الشعب للخطر، ما يجعله من البناة المؤهلين للاشتراكية ذات الخصائص الصينية.
مضار التوسّع اللامنضبط
مع الانفتاح الصيني، كان هناك توسعٌ لامنضبط لرأس المال في قطاعات محددة، ما أدّى إلى عواقب سلبية. بعد الحصول على قدرات اقتصادية أكبر، يتسلل رأس المال إلى العاملين في الحكومة، ويؤثر بشكل غير مباشر على عمل النظام من خلال رشوة الانتخابات، وتشكيل تحالفات مصالح. يشكل هذا تحدياً لنظام قيادة الحزب في الصين وانضباطه، ولنظام مجالس نواب الشعب. وفي المحصلة، لقاعدة أنّ الحزب الشيوعي الصيني يمكن أن يمثل فقط مصالح الشعب وقاعدة عدم السماح بتحوّل رأس المال إلى قوة سياسية.
ثقافياً، يتحدى التوسع اللامنضبط لرأس المال القيم الاشتراكية الجوهرية، حيث تنتمي القيادة والخطاب الإيديولوجي إلى فئة البنية الفوقية. وبمجرّد أن يتخطى رأس المال وظيفته الاقتصادية ليصبح عامل إنتاج ثقافي، ويضع يده على مجالات، مثل: تشكيل الإيديولوجيا والتأثير على القيم، سيهدد الأمن الثقافي الوطني، عبر تفضيل مجموعات محددة من الناس، وتشكيل ثقافة المستهلك وتوجيهها وخلق المواجهة الاجتماعية وتدمير وحدة الشعب.
كما أنّ تأثير التوسّع اللامنضبط على معيشة الناس يضع عبئاً على الشعب. فالرعاية الصحية والتعليم وضمان التقاعد تصبح سلعاً مربحة غير مرتبطة بالرفاه العام. أخذ عدد كبير من الناس قروضاً لشراء منازل، ما أدّى إلى سحب مكشوف من القوة الشرائية، فتحولت الكثير من العائلات إلى «عبيد منازل» ما أدى إلى تعرّض الاقتصاد الحقيقي للضغط.
كيف تدير رأس المال في بلد اشتراكي؟
لا يزال هذا السؤال جديداً في تاريخ البشرية، ويحتاج إلى المزيد من الاستكشاف. لكنّ الأمر الجوهري الأكيد: طبيعة رأس المال تمنعه من تحقيق أهداف النظام الاشتراكي لوحده، سواء بشكل عفوي أو واعٍ، ولهذا يجب الاعتماد على قيادة وضوابط قوية. رأس المال هو «قوّة عامة» يمكن فقط لحزب بروليتاري أن يروّضها، ولهذا فالتمسك بقيادة الحزب لجميع الأعمال هو ضمانة سياسية قوية.
يجب أن يساعد الحزب الشركات الخاصة على حلّ الصعوبات العملية، ومنع وقوع مضاربة. إنّ إنشاء حكومة قادرة على توجيه رأس المال، ووضع ضوابط له، هو عمل ذي صيغة مؤسساتية هامة. لدى الصين مزايا مؤسساتية تضمن فعل ذلك، مثال: نظام الكوادر الممتاز الذي يمنع عملاء رأس المال من السيطرة على السلطة بشكل سهل، والانضباط الصارم الذي يمنع أعضاء وكوادر الحزب من الانخراط مع مصالح رأس المال. هذه المزايا غير موجودة في البلدان الرأسمالية.
تطوير الآليات المؤسساتية لضبط رأس المال
منذ الانفتاح الصيني على اقتصاد السوق الاشتراكي ذي السمات الصينية، أكّد الحزب الشيوعي الصيني على الدور الحاسم للسوق في تخصيص الموارد وتطوير آليات ضبط رأس المال عبر ما يلي:
أولاً: الالتزام بتفوق النظام الحزبي والمنع الفاعل لأوجه قصور اقتصاد السوق الرأسمالي، وعدم السماح بزعزعة الملكية العامة للنظام، والدور المهيمن للاقتصاد المملوك للدولة. نظراً لمزايا الملكية العامة، يمكن للاقتصاد المملوك للدولة أن يقلل من عمى السوق، ويراقب تصرف رأس المال بشكل أكثر انسجاماً مع أغراض الإنتاج الاشتراكي والمصالح طويلة الأجل للناس، ويلعب دوره الفريد في الابتكار العلمي والتكنولوجي وخدمة التنمية الخضراء. مع دخول الاقتصاد الصيني مرحلة التنمية عالية الجودة، يجب توضيح أكثر لمزايا الاقتصاد المملوك للدولة، والالتزام بإنشاء مؤسسات مملوكة للدولة أقوى وأفضل، وتنمية الاقتصادات الجماعية، وخلق أخرى في المناطق الريفية، وليس ذلك فقط للتكيّف مع التقلبات الدورية في مواجهة التغيرات العالمية كما في القرن الماضي، ولكن أيضاً كوسيلة للحد من التوسّع اللامنضبط لرأس المال.
ثانياً: الالتزام باتجاه بناء الرفاه العام، والذي تندرج ضمنه أمثلة تشديد الحكومة المركزية على أنّ السكن للعيش وليس للمضاربة، وعدم السماح بعبودية الفن للسوق، وإعادة التمويل إلى خدمة الاقتصاد الحقيقي. بالمحصلة يجب الالتزام بالتدابير القائمة حتى النهاية، وتجنب الرسملة المفرطة للخدمات العامة، مثل: التعليم والرعاية الطبية والثقافة والإسكان.
ثالثاً: تطوير تشريعات منع الاحتكار وحماية المنافسة العادلة، خاصة في مجالات الاقتصاد الرقمي. ووضع عتبة عليا لمنع وصول رأس المال إلى مجالات، مثل: الأمن الوطني والمساواة الاجتماعية، وتطوير إدارات خاصة لمنع رأس المال من الاشتراك في المضاربة وغيرها.
رابعاً: توجيه رأس المال وتحفيزه للعمل بما يتماشى مع الاتجاه الاشتراكي، عبر المساهمة في إنعاش الريف وحماية البيئة وتعزيز الابتكار. كما يجب على الحزب أن ينمي مجموعة من رجال الأعمال الذين يتعاطفون مع الماركسية ويدعمون الاشتراكية.
خامساً: إنشاء آليات «خروج/ إخراج» رأس المال المفرط في التوسّع. بالنسبة لرأس المال الذي توسّع بالفعل بشكل مفرط، يجب إيجاد آليات لإخراجه من هذا التوسّع بشكل سلس، عبر طرق متنوعة. من الضروري أثناء هذه العملية التمييز بين مؤسسات رأس المال القليلة المجردة من المبادئ والضمير، وبين المهنيين والموظفين، والعدد الهائل من العمّال العاديين في هذه المؤسسات. يجب تأمين حماية هذه العمالة، وإيجاد طرف لإعادة توظيفها.
بتصرّف عن:
中国党政干部论坛
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1099