ما وراء أرقام الموازنة 2022 ... الاقتصاد السوري مصاب بالسكتة

ما وراء أرقام الموازنة 2022 ... الاقتصاد السوري مصاب بالسكتة

حالها حال سابقاتها، عكست الموازنة العامة للدولة لعام 2022 الوضع المتردي للبلاد على جميع الجبهات. حيث تركت عوامل الحرب والعقوبات الاقتصادية، وقبل هذا وذاك السياسات الحكومية المتبعة على مدار عقود، اقتصاداً مصاباً بالسكتة القلبية وبنية تحتية مشلولة بمعظم قطاعاتها، ما انعكس تراجعاً وتدهوراً كبيرين في جميع مؤشرات الأداء الاقتصادي السوري.

لا تحتاج حالة التدهور الاقتصادي في سورية للإثبات، حيث نزح أكثر من نصف سكان سورية داخل البلاد وخارجها، ويضاف مئات ألوف السوريين (إن لم نقل الملايين) إلى مؤشرات الفقر في كل عام، في ظل عوزهم المتزايد للغذاء والخدمات الصحية والتعليم والعمل، بالتوزاي مع موجات متلاحقة من التضخم الاقتصادي، وتدهور وضع الليرة السورية التي فقدت 90% من قيمتها - على أقل تقدير- منذ عام 2020.


1083i1


تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي

وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فإننا لو حيّدنا آثار التضخم الاقتصادي الهائل في البلاد، فإن الناتج المحلي الإجمالي لسورية قد انخفض فعلياً إلى مستوى يقارب منتصف تسعينيات القرن الماضي، ما يعني أن البلاد خسرت نمو الناتج المحلي الإجمالي المتراكم خلال ما يقارب 25 عاماً (وهو الناتج الذي كان يتزايد ببطء شديد أصلاً نتيجة السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ ما قبل الأزمة).
ويستمر الانفاق الحكومي العام بالانخفاض من عام لعام، حيث بلغت الموازنة العامة للدولة لعام 2022، ما يقارب 13.3 ترليون ليرة سورية. وبطبيعة الحال، إذا نظرنا للموضوع سطحياً فإن هذه الموازنة هي «أكبر موازنة عامة في تاريخ البلاد»، حيث ارتفعت بالليرة السورية بما يقارب 57% عن الموازنة العامة لعام 2021 التي بلغت 8.5 ترليون ليرة سورية. لكن القيمة الحقيقية للموازنة انخفضت فعلياً بما يقارب 17% خلال عام واحد، حيث انتقلت من حوالي 6.8 مليار دولار في عام 2021، إلى 5.3 مليار دولار في عام 2022. هذا دون إغفال أن أرقام الموازنة عموماً هي أرقام (تقديرية) ولا يوجد ما يثبت أن هذه الأرقام قد تمّ إنفاقها فعلياً (حيث يتأخر إنجاز قطع حسابات الموازنات الحكومية للسنوات السابقة، ولا يتم نشرها على نطاقٍ واسع في حال إنجازها).


1083i4


تراجع الإنفاق الاستثماري يتفاقم

لا توفّر الموازنة العامة في سورية معلومات كاملة عن أوجه النفقات الحكومية (التقديرية أصلاً)، ولا سيما أن فئات التصنيف واسعة النطاق (مثل النفقات الإدارية والخدمات الحكومية.. وغيرها) لا تسمح في كثير من الأحيان في تتبع الوجهة الفعلية للإنفاق، وبالتالي عدم القدرة على قياسها وتحليلها وفهمها جيداً، ما يتيح ثغرة إضافية يستغلها الفساد المتجذّر في جهاز الدولة.
ولا تزال حصة الإنفاق الجاري تنمو على حساب حصة الإنفاق الاستثماري. لكن المفارقة تكمن في أن ميزانية 2022 تتمتع بأعلى حصة من الإنفاق الجاري المسجل في تاريخ سورية على الإطلاق، حيث ارتفعت حصة الإنفاق الجاري بشكلٍ غير مسبوق من ما يقارب 82% في عام 2021 إلى حدود 85% في الموازنة العامة للدولة عام 2022.


1083i2


تمويل بالعجز وتخفيض الدعم

تعتمد موازنة العام 2022 بشكل كبير على التمويل بالعجز، حيث ارتفعت حصة «الواردات الأخرى» التي تشمل السحب من الاحتياطي وسندات الخزينة والهبات والإعانات من 29% في عام 2021 إلى 31% في 2022، وهذا واحد من العوامل الأساسية التي تغذّي التضخم والعجز في موازنة البلاد.
الأهم من ذلك، أن ميزانية 2022 تشمل تخفيضاً حاداً في دعم النفط، حيث انخفضت مخصصات دعم المشتقات النفطية بشكل حاد بنحو 32% بالقيمة الحقيقية مقارنة بعام 2021. وهي تمثل 20% من ميزانية عام 2022 مقارنة بـ32% في عام 2021.
انخفضت الحصة الإجمالية للدعم الاجتماعي من 40% في عام 2021 إلى 38.3% في عام 2022، وذلك «ثمرة» الدأب الحكومي للسير في طريق رفع الدعم عن السوريين تحت حجج وذرائع متنوعة.


1083i3


انخفاض حصة الأجور

انخفضت حصة الأجور في موازنة 2022 انخفاضاً حاداً. حيث يشمل الإنفاق الجاري في الموازنة أربعة فئات: الأجور، والنفقات الإدارية، والنفقات التحويلية، والديون والالتزامات واجبة الأداء. وفي ميزانية عام 2022، تمثل النفقات التحويلية 51%، أو 5,759 مليار ليرة سورية، من إجمالي الإنفاق الجاري، بينما تمثل الديون والالتزامات واجبة الأداء 26%، والأجور 14% فقط والنفقات الإدارية 9%.

وفي قطاعات أخرى، واصل الإنفاق الحكومي على الدعم الاجتماعي الانخفاض بشكل كبير، فبالاعتماد على القيمة الحقيقية، انخفضت مخصصات قطاع التعليم في سورية بين عامي 2021 و2022 بنسبة 15%، وبنسبة 29% في قطاع الشؤون الاجتماعية، و33% في قطاع المياه والصرف الصحي.


1083i5


 (النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1083
آخر تعديل على الثلاثاء, 20 أيلول/سبتمبر 2022 15:17