النفط والكهرباء ما يُقال على الإعلام الرسمي وما يقوله الواقع..
يتحول إنتاج الكهرباء في سورية إلى واحد من المؤشرات الهامة لمستوى التدهور الاقتصادي، وبينما المعنيين بقطاع الطاقة (إنتاج النفط والغاز والتوليد) يتحدثون عن آفاق مستقبلية وسط التدهور... فإن المؤشرات المرتبطة بالبنية الاقتصادية السياسية للعقود والشراكات، تحدّ من التحسن الجدي الممكن في واقع إنتاج الطاقة الكهربائية.
بعد العطل الكبير في منظومة توليد ونقل الطاقة الذي شهدته المنطقة الجنوبية تحديداً، والذي أدى لفصل خطوط التوتر عن محطات أساسية، مثل: الدير علي وتشرين، خرج ممثلون عن وزارتي النفط والكهرباء بتصريحات إعلامية رسمية بتاريخ 4-8-2021، تقول ما ينبغي قوله حول الأزمات والوعود، وتتجنب ما لا يمكن قوله ولا يطرحه الإعلام الرسمي بطبيعة الحال عن واقع الكهرباء.
حرص الممثلون الحكوميون في تصريحاتهم للتلفزيون السوري على إعادة السيناريوهات المقرّة حول مستوى تراجع إنتاج الطاقة، وحقيقة الأمر الواقع المتمثل بإنتاج 40% فقط من حاجة الكهرباء. وتقديرياً 25 مليار كيلو واط ساعي سنوياً، من أصل أكثر من 60 مليار كيلو واط وفق أرقام إنتاج عام 2020. موضوعياً، فإن هذا التراجع الكبير بالإنتاج هو رهن توفّر الطاقة بالدرجة الأولى، والغاز على وجه التحديد، وهو أيضاً مرتبط بقدرة وجاهزية محطات التوليد البخارية العاملة على الفيول بمعظمها في حال توفّر كمياته الكافية.
إنتاج الغاز والفيول، بالدرجة الأولى... وبالدرجة الثانية تأهيل المحطات، هي مشكلات قطاع الكهرباء الكبرى، وكلاهما رهن ظروف العقوبات وإمكانيات التعاقد وطبيعة العقود وتوفّر الموارد بعلاقة جهاز الدولة مع الشركاء.
الغاز وفارق المليون متر مكعب يومياً
يساهم الغاز بإنتاج 75% من الطاقة المولدة حالياً، وبالمقابل، تستهلك الكهرباء أكثر من 85% من إنتاج الغاز... والترابط عميق بين الإنتاجين وفق التصريحات، وتقارير مؤسسة التوليد.
تقديرات الكميات الواصلة من الغاز للكهرباء، اختلفت بين الوزارتين وفي اللقاء ذاته: فوفق الكهرباء، فإن الغاز الذي يصل يومياً للتوليد يقارب 8,2 مليون متر مكعب، وهو نصف الحاجة البالغة 19 مليون متر. بينما وفق النفط، وفي اللقاء ذاته، فإن ما يتم تقديمه كوسطي يومي يقارب 9,3 مليون متر مكعب، والفارق البالغ مليون متر مكعب يومياً في تقديرات الجهتين غير مفسر، وهو ليس أمراً عرضياً لأنّه يعني إمكانية زيادة إنتاج التوليد في محطات الغاز بمقدار: 2,3 مليار كيلو واط سنوياً، تشكل نسبة 9% من الإنتاج الحالي. وهذا واحد من الجوانب التي لم يتم السؤال عنها، ولم يفسرها الممثلون الحكوميون.
الفيول وانتظار عقود تأهيل المحطات
بالحديث عن الفيول واستخدامه الكهربائي، يمكن طرح تساؤلات إضافية... فوزارة الكهرباء تقول: إنها تستهلك يومياً 4500 طن من الفيول، بينما وزارة النفط تشير إلى أنها من أصل مخصصات 7500 طن فيول تخصص للكهرباء: 6000 طن يومياً. والفارق بين الرقمين أيضاً يشكّل إنتاجاً سنوياً يقارب: 1,6 مليار كيلو واط ساعي، ونسبة 6% من إمكانيات توليد الكهرباء وفق أرقام عام 2020.
وزارة الكهرباء أعطت إشارة إلى أن إمكانيات استهلاك الفيول المتاح مرتبطة بتأهيل محطات التوليد البخارية المتوقفة، أو التي تنتج بأقل من قدرتها نتيجة القدم، وأهمها: حلب المتوقفة منذ عام 2015 والتي يجري الحديث عن إعادة تأهيلها خلال العام الحالي، بشراكة مع شركة إيرانية، وعملياً يتضح أن عمليات التأخّر في تأهيل المحطات البخارية يجعل الفيول المتاح للكهرباء غير مستخدم. وضمن قائمة الوعود فإن عمليات إعادة التأهيل ستزيد إمكانيات استخدامه حتى الشهر العاشر من العام الحالي، أي يفترض أن يزداد الإنتاج بنسبة 6% على الأقل.
يبقى هذا التحسن واستخدام المتاح من الفيول، رهن التعاقد مع جهات التأهيل، ووفق نموذج محطة حلب، فإنّ الشحنة الأولى من مستلزمات تأهيل المحطة قد وصلت مؤخراً وفق وكالة سانا، وهي جزء من عقد مع شركة إيرانية بقيمة 123 مليون يورو خلال أقل من عام، ويأتي هذا بعد أن تمّت استعادة السيطرة على المحطة منذ عام 2016 والإعلان عن عدّة عقود تأهيل مع جهات أخرى في عام 2016، وفي عام 2018... تمّ إلغاؤها وتجاهل توضيح أسباب هذا التوقف والتعطيل. وعملياً زيادة قدرة الاستفادة من الفيول في إنتاج الكهرباء يرتبط باستمرار ونجاح عقد تأهيل محطة حلب، واحدة من أكبر محطات سورية.
وعود الغاز: وإمكانية زيادة الكهرباء 40% خلال عام!
ربما أهم ما ورد في اللقاء، هو التصريحات المتفائلة حول خطة إنتاج الغاز لعام قادم، إذ تتحدث الوزارة عن زيادة 30% في إنتاج الغاز خلال سنة، وما يقارب 4.8 مليون متر مكعب يومياً من حوالي 8-12 بئر في: ديرعطية- الشريفة- أبو رباح، وتأهيل في حقل الشاعر، وجحاف وتوينان وغيرها...
وهذه الزيادة إذا ما تمت خلال عام كما تأمل وزارة النفط، فإنها يمكن أن تزيد إنتاج الكهرباء بمقدار 10 مليار كيلو واط ساعي سنوياً، ونسبة 40% من إنتاج 2020، وذلك وفق العلاقة بين إنتاج الكهرباء واستهلاك الغاز في التقارير الإحصائية للكهرباء.
إذاً الوزارة تعد بزيادة بحدود 40% في إنتاج الغاز، وبالتالي في إنتاج الكهرباء... إذ أكّدت الأخيرة بأنه بمجرد توفّر المزيد من الغاز فإن محطات التوليد العاملة على الغاز جاهزة ولا تحتاج إلى تأهيل كالمحطات البخارية.
ولكن، كلتا الوزارتين أشارتا إلى الآمال المعلّقة على آفاق مستقبل الغاز، بتجاهل تام لأسباب تراجعه السريع والكبير بعد عام 2018.
تجاهل الماضي القريب: لماذا تراجع الغاز بحدّة بعد 2018؟
تحدّث ممثل وزارة الكهرباء عن «صناعة النصر» بالغاز والتوليد، وكيف استطاعت وزارة النفط زيادة إنتاج الغاز بين 2016-2018 من 7 مليون متر مكعب يومياً، إلى 13,4 مليون، بنسبة زيادة 90% خلال عامين فقط بعد تحرير حقول البادية والمنطقة الوسطى وغيرها. وكيف أنّ هذا «النصر» رافقه أيضاً زيادة كبيرة في التوليد من 45 مليون كيلو واط ساعي يومياً إلى 85 مليون، أي زيادة أيضاً بنسبة 88% تقريباً.
ولكن لم يُفسّر لنا أي من الممثلين المختصين بقطاع الطاقة، التراجع الكبير في إنتاج الغاز من أكثر من 13 إلى قرابة 9 مليون متر يومياً بين مطلع 2019 واليوم. تراجع بنسبة تفوق: 30%، بينما كانت تصريحات أخرى قد أشارت إلى أنّه يزيد عن 50%.
فلماذا جرى هذا التراجع الكبير في وقت قصير؟ هذا السؤال لم يُطرح، ولكن ممثل النفط تحدّث عن أزمة تأمين المستلزمات وصعوبة التعاقد مع تشديد العقوبات، وتحدّث أيضاً عن أن خطة زيادة الـ 40% المذكورة تأتي بعد توقيع عقود مع جهات صديقة وشركات سورية تتعاون مع الوزارة. ولكن دون الإجابة عن سبب تراجع الإنتاج السابق المرتبط أيضاً بالعقوبات، فإن الوثوق بالوعود القادمة يصبح صعباً طالما أن العقوبات مستمرة، والتعاقد لا يزال صعباً ومكلفاً وهشاً.
ويبدو أن العقود التي على أساسها تمّ زيادة الإنتاج بين 2016-2018 قد فُسخت بمستوى أثّر على 30% من الإنتاج وعطّله، وأن عقوداً أخرى اليوم تُبرم قد تزيد الإنتاج بنسبة 40% أيضاً.
ومسألة تراجع وتقدّم إنتاج الغاز وبالتالي الكهرباء، ترتبط إلى حدّ بعيد بطبيعة شراكات التعاقد في قطاع النفط. أيّة عقود فُسخت، وأية عقود جديدة توقّع، وعلى أية أسس ونسب وحصص؟! كلها أسئلة لا يطرحها الإعلام الرسمي، ولا يستطيع ممثلو الوزارات أن يتطرقوا إليها، حتى لو كانت تعكس تراجعاً أو تقدماً بالإنتاج بنسبة 30%. كما أن إمكانات تأهيل المحطات المربوطة أيضاً بعقود تأهيل هي رهن الشراكات بين الشركات الخارجية، أو الداخلية، وجهاز الدولة. شراكات يبدو أنها أصبحت مكلفة وهشّة ومحكومة بنسب الكلف والفساد وتوزّعها في مثل هذه العقود... التي يتم دورياً الإعلان عن عقدها و(قصّ الأشرطة) بينما لا يتم الإعلان عن كلفها بل وحتى عن فسخها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1030