الصين في الإقليم من الاقتصاد إلى السياسة .. شراكات اقتصادية كبرى صامتة منذ مشروع الحزام والطريق
ليلى نصر ليلى نصر

الصين في الإقليم من الاقتصاد إلى السياسة .. شراكات اقتصادية كبرى صامتة منذ مشروع الحزام والطريق

وزير الخارجية الصيني في جولة في الإقليم هي الأشمل منذ زيارة الرئيس الصيني في 2016... خمسة أعوام على الزيارة السابقة تغيّرت فيها الكثير من المعطيات. وربما أولّها وأهمها لمنطقتنا: أن الصين بهذه الزيارة قطعت الشك باليقين على العديد من التكهنات الغربية، وبدأت بإعلان دخولها السياسي على الملفات الدولية التي محورها منطقتنا: القضية الفلسطينية- التشابك والأمن في الخليج- الإرهاب والحروب الأهلية أو النزاعات. ولم تكتفِ هذه المرّة بالمشاريع الاقتصادية فقط، والتي كانت الصين قد أعلنت أن التركيز الاقتصادي قائم على إستراتيجية سياسية: بأن (نشر التنمية أهم من نشر الديمقراطية) وفق التعليق الصيني على السياسة الغربية العداونية التي ترتكز على (الأمن ونشر الديمقراطية)!

تشير العديد من التقارير الغربية، أن الصين ودول الإقليم وتحديداً في الخليج، تجري اتفاقاتها وتشابكاتها بصمت أو دون ضجة كبيرة وإعلان لتفاصيل الاتفاقات، كما يحدث في علاقات الصين مع العديد من دول الجنوب عبر العالم. فمستوى انفتاح دول الخليج العربية على الصين لا يأخذ ضجة كبيرة. وربما لهذا تفسير واضح بأن أياً من الأطراف لا يريد أن يسلّط الكثير من الضوء حول العلاقات مع دول مجلس التعاون التي تعيش في كنف الحماية الأمنية الأمريكية، وفي ظل قواعدها في الخليج وبحر العرب على الأقل. إنّ عموم النفوذ الاقتصادي الغربي العميق اقتصادياً وسياسياً ومؤسساتياً في جميع دول الإقليم الكبرى سكانياً واقتصادياً وعسكرياً، باستثناء إيران يفسّر كثيراً من هذا الهدوء الذي يصعب إخفاء نتائجه تماماً.
وحتى إيران القوّة الإقليمية المناوئة للأمريكيين والمُهاجمة من قبلهم لم تمتلك المرونة الكافية لرفع مستوى علاقاتها الاقتصادية مع الصين، وتوقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية إلا بعد خمس سنوات منذ الإعلان في زيارة الرئيس الصيني عام 2016 عن مسودة هذه الشراكة الثنائية ذات الـ 400 مليار دولار استثماراً في جوانب الحياة الاقتصادية الإيرانية المختلفة، مقابل توريدات نفطية مستقرة ومخفّضة التكلفة. إذ أخذت نقاشاً طويلاً في إيران مع وجود قوى سياسية هامة تعترض على هذا التوجه.
على الرغم من أن هذه الاتفاقية ستحدث نقلة استثنائية في مستوى الاستثمار في إيران، فوسطياً إذا ما تمّ تطبيق هذه الاتفاقية بمبلغ 400 مليار دولار فإن إيران ستتلقى وسطياً 16 مليار دولار كتدفق استثماري من أكبر مستثمر عالمي أي: الصين، يقارب ما تلقته الولايات المتحدة وهي أكبر وجهة استثمارية عالمية، حيث تدفق إليها 18 مليار دولار وسطياً سنوياً من الصين خلال الأعوام السبعة الماضية!
التقدم في العلاقات الاقتصادية الصينية مع دول الإقليم هام منذ ما بعد مبادرة الحزام والطريق، والفترة بين 2013-2020على الأقل شهدت زيادات كبرى سواء على صعيد التجارة أو الاستثمار. بينما زادت المؤشرات في عام 2020 وارتفع مستوى التعاون.

الطاقة

الطاقة، هي أهم محور في العلاقات بين الصين والإقليم... وهي ترفع الأهمية الإستراتيجية له لدى الصين وتحفّز توطيد الأمن والعلاقات.في عام 2014 ساهمت المنطقة بإمداد الصين بنسبة 50% من احتياجات الطاقة، ورغم انخفاض هذه النسبة إلى 40% في 2019، إلّا أنها عادت في عام 2020 ومع أزمة النفط لترتفع إلى 50% وفق تصريحات الوزير الصيني. وقد نجم الانخفاض عن تراجع تدفق النفط الإيراني إلى الصين مع إعادة تشديد العقوبات في 2018، وتراجع نسبي في توريدات السعودية إلى الصين التي كانت تساهم بنسبة 17,5% من احتياجات الطاقة للصين وانخفضت إلى 14% مع توسع الاعتماد الصيني على روسيا وعلى دول في إفريقيا، مثل: أنغولا. بالمقابل، فإن التصدير العراقي للصين ازداد خلال هذه الفترة من نسبة 7,3% إلى 8,2% وهي زيادات كبيرة بالنسبة للعراق الذي صدّر للصين نفطاً بما يقارب 24 مليار دولار، وازدادت الكميات المورّدة في النصف الأول من عام 2020 بنسبة 27,5%، ومن المرشح أن تزداد بمقدار ملياري دولار إضافية في العام الحالي بعد توقيع اتفاقية جديدة مؤخراً. وعموماً تساهم الصين بقرابة 30% من واردات العراق النفطية التي تشكّل بدورها 90% من إيرادات حكومته!

الاستثمار والعقود بين منطقتنا وجنوب إفريقيا

مجموع الاستثمارات الصينية إلى دول منطقة الشرق الأوسط مع دول شمال إفريقيا قاربت: 143 مليار دولار خلال سبع سنوات بين 2013-2019. وهنا تشمل دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا والعراق والأردن ومصر والسودان والجزائر والمغرب، كما تشمل أيضاً (إسرائيل).
وهي عملياً ليست بعيدة عن الاستثمارات الصينية في الأقاليم الدولية الأخرى، التي يُثار الكثير من الضجة حولها كما في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث حجم الاستثمار الصيني هناك خلال الفترة ذاتها يقارب 148,6 مليار دولار، وهو رقم كبير قياساً بالتدفق الاستثماري القليل إلى هذه المنطقة (المهجورة عالمياً) والمتروكة لمصيرها لعقود طويلة. بينما تجتذب دول محددة في منطقتنا أموالاً دولية بمقدراتها المالية الهامة، أو بأهميتها السياسية، كما في الخليج ومصر وتركيا. ولكن الحضور الصيني الاستثماري في المنطقة متوسع وهام. وخصوصاً مستوى زيادته، فبالمقارنة مع السنوات السبع التي سبقت مشروع الحزام والطريق أي: بين 2006-2012 فإن حجم الاستثمارات كان يقارب 99 مليار دولار، والزيادة قاربت: 44%، وهي أعلى من الزيادة في جنوب إفريقيا خلال الفترة ذاتها، التي ازدادت بنسبة 42% بين فترة السبع سنوات قبل مشروع الحزام والطريق والسنوات السبع بعده!
كما أن فارقاً أساسياً في طبيعة الاستثمار يتمثل في اعتمادها على عقود الشركات والاستثمار الأجنبي المباشر، وليس القروض كما في إفريقيا، فعملياً وسطي الدَّين الصيني من الناتج لدول المنطقة يقدر بحوالي 5% فقط.
وكما يظهر في الشكل، فإن القيمة الأكبر للاستثمارات الصينية وعقود الشركات تركزت في الخليج، حيث مجمل الاستثمارات الصينية خلال هذه الفترة قاربت: 63 مليار دولار. وهي تقارب مجموع الاستثمارات الصينية في روسيا وسنغافورة من أهم الأطراف الدولية ذات العلاقات الثابتة مع الصين... وهي تفوق الاستثمار في باكستان التي تعتبر أكبر مركز لاستثمار مشروع طريق الحرير حتى الآن بحوالي 49 مليار دولار. كما تقارب الاستثمار الصيني في كل من ألمانيا وفرنسا مجتمعتين 65 مليار دولار. وتشكل نسبة 48% من الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، التي تشكل الوجهة الأكبر 129 مليار دولار في الفترة المذكورة.
والخليج شريك استثماري هام جداً للصين، يوازي أهم شركائها الدوليين. باقي دول المنطقة أيضاً لديها استثمارات صينية هامة، أبرزها: مصر: 14,3 مليار دولار، وإيران 11,3 مليار دولار، والعراق 8,4 مليارات دولار. بينما بلغت استثمارات الصين في الكيان الصهيوني خلال الفترة المذكورة: 10 مليارات دولار. أما الاستثمارات الصينية في تركيا فقليلة قياساً بوزن تركيا الاقتصادي، وقد قاربت خلال هذه الفترة: 5,9 مليارات دولار.
أما طبيعة الاستثمارات فهي تشبه طابع المنطقة والصين معاً، حيث نسبة هامة للطاقة والعقارات كما هو الحال في الخليج، مقابل نسبة هامة للنقل والمعادن والمرافق، مثل: الكهرباء والصناعة الزراعة وهي مجالات تنشط بها الصين، كما لا يشكل الاستثمار المالي إلّا نسبة تقل عن 3% من مجمل الاستثمارات مشتركاً مع باقي قطاعات أخرى.

1011-i1

المصدر: The china global investment tracker- AEI

معلومات إضافية

العدد رقم:
1011
آخر تعديل على الإثنين, 29 آذار/مارس 2021 14:50