لماذا تراجع إنتاج الغاز بنسبة 44% خلال العامين الماضيين؟!

لماذا تراجع إنتاج الغاز بنسبة 44% خلال العامين الماضيين؟!

منذ عام 2018 لم تتوقف الحكومة عن القول والإعادة حول الإنجازات المتعلقة بقطاع الغاز في سورية... فبعد أن انتهى الخطر الأمني في مناطق بادية حمص والمنطقة الوسطى أصبحت حقول الغاز وعداً محققاً رفع من إنتاج الكهرباء، ومن ثمّ ودون ورود أي تفسير يتبين أن إنتاج الغاز قد تراجع بنسبة قد تقارب النصف خلال عامي التدهور الاقتصادي 2019-2020!

يساهم الغاز اليوم في إنتاج 48% من مجمل الطاقة المتاحة في سورية، ويتحول عملياً إلى نقطة تركيز أساسية كون إنتاجه ينعكس مباشرة في إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث أزمة الكهرباء واحدة من أبرز أوجه الأزمة والتدهور الاقتصادي السوري. وحيث تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة 44% خلال العامين الماضيين!
مواكبة أرقام إنتاج الغاز في سورية تأتي عادة من ملاحقة التصريحات الرسمية تلك التي تورد الأرقام دون أن تجد أنها مضطرة لشرح أسبابها وتبريرها.

الغاز والكهرباء الصعود في 2017-2018

ارتفع إنتاج الغاز بين عامي 2016-2018 بنسبة قياسية ومن حدود مليوني متر مكعب يومياً وصولاً إلى إمكانية 17,8 مليون متر مكعب، ورغم ورود تصريحات بأنها كانت فعلياً أقل من ذلك، إلا أن حصة الكهرباء منها كانت تتراوح بين 13-16 مليون متر مكعب يومياً.
وبعيداً عن الأرقام التفصيلية، فإن المؤشر الأهم انعكس في زيادة إنتاج الكهرباء، إذ زاد التوليد في حينها أربعة أضعاف تقريباً، من مستوى 1200 ميغا واط في 2016 إلى 4500-5000 ميغا واط في 2018 وأصبحنا قادرين على تأمين نصف استهلاكنا من الكهرباء تقريباً.
هذه الاتجاهات الصاعدة توقفت وتدهورت خلال العامين الماضيين.

التدهور في 2019-2020

وفق التصريحات الحكومية أيضاً، فإن إنتاج الغاز في نهاية 2020 انخفض إلى 12,5 مليون متر مكعب يومياً بناء على رئيس مجلس الوزراء، الذي أشار إلى أن 90% منها تذهب للكهرباء أي: حوالي 11 مليون متر مكعب. ولكن عاد وزير الكهرباء ليخفض الرقم ويقول لاحقاً بأن الكهرباء لا تحصل حالياً إلّا على 8 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً. أي: تراجع في تدفقات الغاز إلى محطات التوليد قارب وسطياً: 45%. (بأخذ التدفق الوسطي في المرحلة السابقة 14 مليون متر مكعب تقريباً وانخفاضه إلى 8 حالياً).
وهذه النسبة تتطابق مع التراجع الكبير في تولد الكهرباء، فعملياً لا يتعدى إنتاج الكهرباء في نهاية 2020: 2500-2800 ميغا واط وفق رئيس الوزراء أيضاً. ما يعني تراجعاً وسطياً عن نهاية 2018 بمقدار: 44%.
إن تراجع تدفقات الغاز وإنتاج الكهرباء بنسبة تقارب النصف خلال عامين، يحتاج إلى تفسير...

تكهنات في سبب التراجع!

من الطبيعي أن ترتفع كميات إنتاج الغاز والكهرباء بين عامي 2016 و2018، حيث جرى استعادة السيطرة على حقول الغاز السورية في المنطقة الوسطى والجنوبية، وتمّ إزالة الخطر الأمني وإتاحة استعادة كميات الإنتاج بكوادر محلية بسرعة نسبياً، فرقم 17,8 مليون متر مكعب في 2018 يعادل نسبة 96% من إجمالي إنتاج سورية للغاز في 2010!
لم تتعرض المنطقة خلال العامين الماضيين إلى حوادث أمنية كبرى تؤدي إلى خسارة نصف الإنتاج تقريباً! وأحداث أمنية تؤدي لهذا الحجم من الخسارة لا يمكن إخفاؤها. ما يجعل سبب التراجع محصوراً في الأسباب المالية وعموماً الاقتصادية السياسية.
إن تراجع الإنتاج بهذه النسب يعني عملياً تخفيضاً إنتاجياً للكميات، سواء في الحقول التي يتم الاستخراج منها أو في معامل معالجة الغاز... فإما أن الغاز المتاح لا يُنتج بأكمله، أو أنه يُنتج بأكمله ولا يصل إلى الشركة السورية للغاز إلّا حصة منه.
وهو ما يطرح التساؤلات حول وجود عقود تشغيل خاصة مستجدة في استخراج أو معالجة الغاز، والمشكلة تكمن في هذه العقود، فإمّا أن الشركات قلصت أعمالها مع العقوبات، أو أنها تحصل من الحكومة على أجور نقدية ولم تستطع الجهات الحكومية أن تمول كميات إنتاج 17,8 مليون متر مكعب مع التراجع المالي الكبير، فتم تقليص الكميات، أو أن العقود أصبحت تتضمن حصول المشغّلين على حصة عينية من الغاز تقارب 44%...
لماذا نرجّح وجود شركاء في التشغيل والإنتاج؟! السبب بسيط، إن التكلفة الاستخراجية للنفط والغاز في سورية لا تتعدى 10% من التسعير، فالشركة السورية للنفط المنتجة تضع تكاليف قليلة للإنتاج لم تتعدّ في 2016 إلّا نسبة 10% من قيم المبيعات، ولكن بالمقابل، فإن الشركة السورية للغاز تدفع للشركة السورية للنفط بالأسعار العالمية، أي: إنها تدفع لها تكاليف الاستخراج وتدفع ثمن الغاز الوطني المنتج محلياً.
فإن كان سبب تراجع الإنتاج في العامين الماضيين هو صعوبات مالية للشركة السورية للغاز وهي التابعة للحكومة، وهي غير قادرة على دفع مبالغ بالأسعار العالمية للشركة السورية للنفط، التي يفترض أنها حكومية أيضاً... فعندها ينبغي ألّا يتم تقليص كميات الإنتاج، بل تخفيض السعر وتخفيض الربح في الشركة السورية للنفط، لأن العلاقات بين حكومة وحكومة. ولكن تخفيض الإنتاج يسمح بالافتراض بأن أطرافاً متعاقدة تعمل في التشغيل والإنتاج تطالب بأسعار عالمية، ولا تقبل بتخفيض السعر، وعلى هذا الأساس يتم تخفيض الإنتاج!
السؤال الأساسي الذي ينبغي أن تجيب الجهات الحكومية عنه: ما السبب الذي أدى إلى تراجع كميات الغاز والكهرباء بنسبة 44%؟! وهل توجد جهات وسطية بين الحكومة والحكومة تحصل على حصة عينية من إنتاج الغاز، أو تطالب بأسعار عالمية لا تستطيع الشركة السورية للغاز أن تسدد أثمانها؟!
وهي أسئلة ينبغي ألّا نتكهن حولها، بل أن تقدّم بيانات واضحة وصريحة للمجتمع الذي يتحمل تبعات النقص الحاد في الكهرباء. إن تراجع إنتاج الغاز بنسبة 44%، وفقدان ما يقارب: 6 ملايين متر مكعب من الغاز فيما لو تمت استعادتها يمكن أن تزيد إنتاج الكهرباء بحوالي 2000 ميغا واط أي: ما يقارب الكميات المنتجة حالياً! فما الأسباب والأطراف المسؤولة عن هذا التراجع؟!

1003-i1

معلومات إضافية

العدد رقم:
1003
آخر تعديل على الإثنين, 01 شباط/فبراير 2021 09:32