خسارة قطاع الدواجن في 2020 أكبر من خسارته خلال سنوات الأزمة السابقة!
جرى تدمير واسع لإنتاج الفروج والبيض منذ مطلع العام الحالي! وقد نصل مع نهايات العام إلى خسارة ثلثي الإنتاج وسطياً، لتفوق الخسارة في 2020 الخسارة المسجّلة خلال ثماني سنوات من الأزمة! إنّه الأثر المدمّر لارتباط إنتاج الغذاء بالدولار، ولارتباط سعر صرف الدولار بمصالح نخبة تضارب على الليرة وتهرّب أموالها بشكل دوري.
الخسارة في 2020 قد تصل إلى ثلثي الإنتاج
ترتفع أسعار البيض والفروج بمعدلات قياسية لم تشهدها طوال سنوات الأزمة، ويخفي هذا التراجع خلفه تدميراً واسعاً في الإنتاج يقدر المربون أنّه يتراوح بين 75-80% من إنتاج الفروج وبيض المائدة، وكانت تقديرات رسمية قد أشارت في مطلع العام ومع أول موجة من ارتفاع أسعار الدولار بأن الإنتاج تراجع بنسبة 60% قبل شهر آذار، ليتسارع المعدل بعدها، ومع موجة الارتفاع الجنونية للدولار بين شهري 3- 6 من العام الحالي وتظهر الآثار اليوم: حيث قلّ الإنتاج وارتفعت الأسعار وانسحب البيض والفروج عن الموائد الفقيرة.
إذا ما توقف مستوى التدهور عند الحد الحالي، فإن إنتاج البيض والفروج قد يتراجع وسطياً مع نهاية العام بمقدار وسطي يفوق 65%، ليبقى ثلث الإنتاج.
وهو افتراض تقريبي ومفتوح الاحتمالات، فالإنتاج قد يتعافى نسبياً في حال استقرت أسعار الليرة والدولار وكلف الإنتاج، وقد يتراجع بحدّة في حال ارتفاع الدولار، أو انهيار أسعار الفروج عن مستواها المرتفع الحالي نتيجة تراجع الطلب.
ولكن بناء على هذا الافتراض... فإن هذا قد يعني خسارة: 80 ألف طن من لحوم الفروج، وخسارة 1,2 مليار بيضة خلال عام 2020. وذلك إذا اعتبرنا أن إنتاج 2019 لم يرتفع عن إنتاج 2018 وهو آخر عام تتوفر فيه إحصائيات زراعية رسمية.
مع العلم أنه بين عامي 2010- 2018 خسرت سورية: 1 مليار بيضة من إنتاجها، وخسرت 57 ألف طن من إنتاجها من لحم الفروج!
وبالقيم الاقتصادية، فإن هذه الخسارة خلال 2020 قد تبلغ 390 مليار ليرة تقريباً وفق الأسعار الحالية للفروج والبيض، وما يعادل 170 مليون دولار بسعر السوق، وهي قيم إنتاج حقيقي كانت ستوزع دخولاً وتغني قيمة الليرة...
لماذا تدمّر الإنتاج بهذا المستوى؟!
إنّ هذا التدهور الواسع في الإنتاج يأتي بالدرجة الأولى من تضخم التكاليف التي يشكل استيراد الأعلاف نسبة 70% منها، أي أن الأسعار مرتبطة بتغيرات الدولار بهذه النسبة على الأقل. حيث تسعّر الأعلاف وفق دولار السوق، وبسعر يصل للمربي أعلى منه في البيان الجمركي للمستورد بنسبة 300% تقريباً، كما تشير بيانات وتصريحات عائدة لشهر 4-2020 (قاسيون 977).
لقد وصلت خسائر المربين خلال الأشهر الأولى من العام إلى مليون ليرة يومياً للمداجن الكبيرة التي تضم 40 ألف طير، وقد أدى هذا إلى عملية ذبح واسعة لأمهات الطيور والدجاج البياض، ما أدى إلى تراجع كبير في الإنتاج... الأسعار الحالية تحقق ربحاً للمربين بنسبة 25% تقريباً في البيض، ومثلها تقريباً في الفروج، ولكن هذه الأرباح التي بدأت منذ مطلع الشهر الحالي تقريباً قد لا تعوّض خسائر ممتدة على أربعة أشهر سابقة على الأقل، عندما كانت الكلف أعلى من الأسعار!
وعدم توسّع ربح المربين يعني أن الإنتاج لن يتوسع، وتحديداً أن المربين سيكونون حذرين في توسيع إنتاجهم مجدداً في ظل سوق قدرات استهلاكها محدودة إلى حد بعيد. والسوق لا تستطيع أن تتوسع وتتعافى طالما أن الاستهلاك محدود.
إجراء وحيد ممكن أن يحل المسألة جذرياً
إن أزمة الغذاء السورية كانت أزمة استهلاك بالدرجة الأولى، أي: إن الإنتاج متوفر نسبياً، ولكن القدرة على الحصول عليه ضعيفة بسبب معدلات الفقر الواسعة، وتحديداً التراجع الحاد في القيمة الحقيقية للأجور. فصحن البيض يشكل 10% من الحد الأدنى للأجر، وهو كفيل بتغذية فرد واحد لمدة شهر!
ولكن أزمة الغذاء تنتقل اليوم لتتحول إلى أزمة إنتاج، حيث يفقد المنتجون قدرتهم على الاستمرار، وانهيار الليرة يجرّ معه انهياراً في الإنتاج المرتبط بالدولار.
إنّ استمرار الإنتاج يتطلب أن تستقر الكلف، وأن يحصل المربّون على ربح مستقر ليس على حساب المستهلكين، بل على حساب ربح المستوردين وعلى حساب أسعار الدولار.
إن ارتباط الإنتاج بالدولار هو المسؤول عن أزمة الدواجن كواحدة من أهم أزمات الغذاء السوري حالياً.. والمسؤول بشكل مباشر هي السياسات التي لا تستطيع ولا تعمل على إيجاد حل لتقليل سطوة الدولار والمستوردين على الإنتاج. إن إنقاذ إنتاج الدواجن والبيض يحتاج إلى إنتاج الأعلاف محلياً، عبر البحث في إمكانية زراعة الذرة الصفراء وكسبة الصويا لتغطي نسبة من الاستهلاك على الأقل، أو الذهاب إلى حلول عملية مثل: تنظيم عقود استيراد هذه الأعلاف عبر استيرادها من الدولة مباشرة ومع الدول التي تتجاوز العقوبات، وبعملات أخرى عدا عن الدولار، أو بالحد الأدنى تقليل ربح المستوردين وضبط ربحهم كي لا يكون 3 أضعاف تكلفة استيرادهم المدوّنة في بياناتهم الجمركية السورية! إذ يمكن تخفيض كلف الأعلاف عبر تنظيم الاستيراد وضبط الربح الذي يحصل عليه المستوردون، ومعامل خلط الأعلاف، وحلقات توزيعه على المربين.
لقد حصل مستوردوا أعلاف الدواجن على تمويل مستوردات خلال سنوات الأزمة، أي حصلوا على دولار بسعر الدولة الرسمي لقاء مستورداتهم... ولكن أسعارهم لم تكن يوماً على السعر الرسمي، بل تتغير مع تغيرات دولار السوق السوداء! إنّ هذا يعني أرباحاً إضافية تراكمت خلال سنوات من الحصول على الدولار الرخيص، واليوم توقف تمويل المستوردات بالدولار الرسمي... ولكن ما راكمه هؤلاء هو نتاج منظومة الفساد الكبير التي لا تبحث أو تدقق في ما تعطيه من مزايا وعطاءات لرجالاتها المتنفذين الكبار، بل تسامحهم من جوعنا... واليوم ستسامحهم من تدمير حلقات إنتاج زراعي واسعة! بل قد فتحت لهم فرصة لاستيراد الفروج المبرّد بعد أن كانوا يهربونه خلال سنوات الأزمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 980