الفقر البروتيني الحيواني حصة الفرد قليلة كمّاً غالية سعراً

الفقر البروتيني الحيواني حصة الفرد قليلة كمّاً غالية سعراً

تعتبر أزمة الغذاء السورية واحدة من أكبر أزمات الغذاء الدولية، وقد تكون من أكثرها تسارعاً في العام الحالي... الأزمة لم تكن يوماً أزمة نقص كميات غذاء، بل أزمة تحصيله نتيجة اتساع الفقر وارتفاع الأسعار، ولكننا ندخل طوراً من الأزمة قد تتراجع فيه الكميات المتاحة، وتحديداً في الإنتاج الحيواني.

يعتبر مؤشر عدد غرامات البروتين من المصادر الحيوانية المتاحة للفرد يومياً واحداً من المؤشرات الأساسية لوفرة الغذاء والأمن الغائي المعتمدة من منظمة الغذاء والزراعة FAO، وهو مؤشر يُقاس بالحصة الوسطية المتاحة للفرد يومياً، وهي التي تأتي من الإنتاج المحلي + المستورد مطروحاً منها الكميات المصدّرة.

وتختلف حصة الفرد اليومية من البروتين الحيواني بناء على اختلاف مستوى الدخل والعادات الغذائية، ويوضّح الشكل قائمة بمجموعة من الدول والحصة الوسطية اليومية للفرد من غرامات البروتين الحيواني... حيث المعدل مرتفع في الدول ذات الدخل المرتفع للفرد، وينخفض مع انخفاض الدخل.
ضمن بيانات هذا المؤشر الدولية لا تتوفر بيانات حول الحصة الوسطية المتاحة للفرد في سورية، رغم توفّر بيانات حول مؤشرات غذائية أخرى.
ولكن يمكن إجراء مقاربة لهذه الكميات عبر مقارنة الإنتاج الحيواني وبيانات الاستيراد والتصدير للمنتجات الحيوانية.

980-31

تقدير الحصة الوسطية السورية 2018

إن المصادر الأساسية للبروتين الحيواني في سورية تأتي من كميات الحليب متضمنةً استهلاك مشتقاته المختلفة، تليها كميات إنتاج اللحوم الحمراء بأنواعها، ومن ثمّ إنتاج الفروج والبيض، بينما مساهمة الأسماك لا تُذكر.
وقد قمنا باحتساب الكميات المتاحة للفرد من هذه المنتجات في عام 2018، والجدول التالي يوضّح الحصة اليومية المتاحة للفرد في عام 2018 من أنواع المنتجات الحيوانية المختلفة، وما تؤمنه من غرامات بروتين حيواني يومياً للفرد لنصل إلى تقدير كمية البروتين الحيواني المتاحة للفرد يومياً على أساس عدد سكان 18 مليون نسمة:

980-4

لقد تمّ حساب هذه الكميات على أساس الإنتاج المحلي، فالمستورد من المنتجات الحيوانية قليل ولا يشكل نسبة هامة، والمصدّر أقل منه بكثير.
أكبر مستوردات المنتجات الحيوانية هو استيراد القطع والأجزاء الحيوانية ومن ضمنها الأسماك والفروج المبرّد، وهي لا تتعدى 4,2 ألف طن (الاستيراد – التصدير)، وهي أقل من 1% من كميات اللحوم المنتجة محلياً (فروج وحمراء وأسماك). وكذلك الأمر في استيراد الحليب، حيث تمّ استيراد 1450 طن من حليب البودرة يؤمن وسطياً للفرد 0,03 غراماً من البروتين يومياً، ونسبة قليلة مما يؤمنه إنتاج 2 مليون طن من الحليب محلياً.
إن كميات البروتين الحيواني المتاحة نظرياً في السوق السورية تؤمن حصة وسطية للفرد في عام 2018 تقارب 24,4 غراماً من البروتين يومياً.

أقل من الضروري ولكن أعلى من الإقليم

إن هذه الحصة الوسطية قريبة من الكميات المتاحة للفرد في الإقليم، وأعلى من النسبة المسجّلة في كل من مصر وإيران، وهي تشير إلى أن أزمة الغذاء في سورية ليست أزمة كميات بمقدار ما هي أزمة قدرة على استهلاك هذه الكميات.
مع الإشارة إلى أن هذه الكمية تعتبر قليلة قياساً بتقديرات الاستهلاك الضروري دولياً، حيث الرقم التقديري لاستهلاك البروتين الحيواني على أساس الوزن الوسطي للجسم، يشير إلى الحاجة إلى 1,5 غرام بروتين حيواني يومياً وسطياً لكل كيلو غرام من وزن الجسم، ما يعني أن الكميات الوسطية المتاحة من البروتين الحيواني تكفي لفرد من وزن وسطي 16 كغ فقط... أي الوزن الوسطي لطفل في عمر 4-5 سنوات!
ما يعني، أن الكميات قليلة إلى حد بعيد، والبالغون متاح لهم كميات أقل من الضروري من البروتين الحيواني.
ولكن 24,4 كغ بروتيناً يومياً يعتبر ضمن المعدل الوسطي الموجود في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، وتحديداً في منطقتنا حيث يتنوع الإنتاج الغذائي ويحوي الكثير من أنواع الخضار والفواكه والحبوب والزيوت النباتية.
المتاح في سورية عام 2018 قليل، ولكنه ضمن وسطي دول المنطقة عدا عالية الدخل منها.

800 ليرة يومياً لتأمين حصة الفرد من البروتين

الأهم، أن هذه الكميات متاحة وسطياً للأفراد، ولكنها ليست متاحة للجميع من حيث تكلفتها... فحصول الفرد اليوم على هذه المكونات وعلى الـ 24,4 غراماً بروتيناً حيوانياً متاحة له يومياً يحتاج إلى مبلغ: 800 ليرة تقريباً، ويحتاج الفرد إلى 24 ألف ليرة تقريباً شهرياً لشراء حصته المتاحة من البروتين الحيواني، وهي نصف الحد الأدنى من الأجور! بينما تحتاج أسرة من خمسة أشخاص إلى 120 ألف ليرة لتأمين الغذاء البروتيني بالحدود الكمية المتاحة للأفراد في سورية... ونقص البروتين مالي أكثر منه كمّي!

الكميات قد تنخفض إلى أقل من 16 غرام!

لا تحتسب الإحصائيات الحكومية حجم تهريب الأغنام بطبيعة الحال، ولكن حجم التهريب الكبير والذي وصلت تقديراته إلى 50% من الإنتاج في المواسم... يعني أن المتاح فعلياً من البروتين الحيواني أقل من الموجود، وإذا ما كانت نسبة 20% من القطيع تُهرّب، فإن كميات البروتين اليومية المتاحة للفرد تنخفض إلى 20,4 غراماً بروتيناً حيوانياً يومياً.
يضاف إلى ذلك المخاطر الناجمة عن عدم استقرار الإنتاج وتحديداً في الفروج والبيض الذي يساهم بـ ربع الغذاء البروتيني، وإذا ما صحت تقديرات تراجع إنتاجه بمقدار الثلثين مع نهاية العام، فإن المتاح من البروتين للفرد يتراجع إلى حدود 20 غراماً بروتيناً حيوانياً يومياً للفرد.
إن المتاح كمياً من البروتين الحيواني المنتج محلياً قد يكون فعلياً أقل من 16 غراماً يومياً، مع اتساع التهريب ومع تراجع إنتاج الدواجن، عدا عن تأثير مرض جدري الأبقار الأخير. وهي كميات قليلة تزيد من نقص كميات الغذاء وتذهب بأزمة الغذاء من عدم القدرة على سداد ثمن الغذاء وتحصيله، إلى عدم وفرته! وهي مرحلة جديدة لم تشهدها سورية خلال سنوات الحرب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
980
آخر تعديل على الأربعاء, 26 آب/أغسطس 2020 13:38