(البترودولار) منظومة الهيمنة الأمريكية على النفط... الأسس تهتز والبدائل تُبْنى
تستمر حالة عدم الاستقرار في سوق النفط العالمية، ويتوقع البعض أن تصبح هذه سمتها العامة، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً على مصير منظومة (البترودولار) وبالتالي، على الموقع العالمي للدولار ذاته! فجميع الأسس التي قام عليها البترودولار تهتز، والأزمة الحالية هي انكشاف لجملة تناقضات تتفاعل منذ مطلع الألفية على الأقل...
ما هي منظومة البترودولار، وما هي أسسها، ثمّ ما المتغيرات الأساسية التي تهدد استمرارية هذه المنظومة والتحديات التي تقف في وجه بدائلها؟!
أولاً: ما هو (البترودولار)؟
يرتبط مصطلح البترودولار بتسعير النفط العالمي بالدولار الأمريكي الأمر الذي بدأ في خمسينات القرن العشرين، والبترودولار هو ببساطة كتلة الدولار الناجمة عن بيع النفط عالمياً، أما منظومة البترودولار التي أساسها تجارة النفط العالمي بالدولار فهي أعقد من هذا...
إنها بنية متكاملة من العلاقات الدولية الناجمة عن ترابط (نفط- دولار)، وربما يمكن أن نختصرها في ثلاثة محاور:
الأول والأهم: هو الاتفاقات والعلاقات السياسية الاقتصادية والعسكرية بين الكتل الأساسية تاريخياً في سوق النفط من كبار المنتجين والمستهلكين. وبالدرجة الأولى الوزن الأمريكي في (الشرق الأوسط) والعلاقات الأمريكية- السعودية على وجه التحديد.
وثانياً: بنية من مؤسسات إدارة قطاع الطاقة على المستوى العالمي أنشأها الغرب. وثالثاً: آليات تسعير النفط العالمي، حيث يظهر حجم التشابك الكبير بين قطاع المال وسوق النفط. وتتضح محاور المنظومة أكثر بالعودة إلى بعض مفاصل نشأتها وترسخها خلال خمسين عاماً...
نشأة البترودولار
العلاقات السعودية- الأمريكية
ترتبط نشأة البترودولار بالاتفاقيات السعودية الأمريكية مطلع السبعينات، وهي التي رسخت عملياً هذه المنظومة، ولكن يُعيد البعض نشأة البترودولار إلى عام 1945، واللقاء بين روزفلت والملك عبد العزيز بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد اتفاقية بريتون وودز عندما أصبح الدولار المغطى بالذهب عملية التداول العالمية.
فهذه المرحلة التي شهدت تثبيت الأقدام الأمريكية في السعودية وجملة اتفاقيات عسكرية وسياسية واقتصادية، تعتبر منشأ البترودولار حيث أصبح النفط متداولاً بالدولار مع التراجع البريطاني.
في عام 1971 ومع التراجع الكبير في سعر الدولار عالمياً وفك ارتباطه بالذهب، خسرت الدول النفطية الكثير من قيمة إيراداتها النفطية، وطرحت أطراف في أوبك تسعير النفط بعملة أخرى غير الدولار، وعقب الارتفاع الكبير في أسعار النفط في عام 1973، عاد الأمريكيون ليثبتوا تسعير النفط بالدولار عبر اتفاقات مباشرة مع السعودية في عام 1974، قادها وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر تضمنت عملياً: ضمان استمرارية تسعير النفط بالدولار، واستخدم فوائض الدولار في الاقتصاد الأمريكي سواء عبر الاتفاقيات الاقتصادية مع الشركات الأمريكية لشراء السلع من تكنولوجيا وصناعات وأسلحة وغيرها، أو عبر إعادة تدوير فوائض البترودولار السعودية لتستخدم في السوق المالية الأمريكية وسندات الخزينة الحكومية.
بهذه الاتفاقات تغطي الولايات المتحدة طباعة دولارها بالهيمنة على تجارة النفط الدولية، وأيضاً باستهلاك فوائض النفط في الاقتصاد الأمريكي، وأصبح نمط العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة محدداً لدول مجلس التعاون الخليجي، وعموم دول أوبك الأخرى المنتجة للنفط نظراً للهيمنة الأمريكية على عوائد النفط السعودية، والوزن السعودي الأهم في منظمة أوبك.
أما ما الذي تقدمه الولايات المتحدة للسعودية بالمقابل؟ عملياً لا شيء... الولايات المتحدة عرضت عرضها هذا مقابل (ضمان الحماية) للنظام السعودي، الأمر الذي يعني عملياً (عدم الإضرار).
المؤسسات والتسعير وترسيخ الهيمنة
إن الوصول إلى اتفاق السبعينات بين الولايات المتحدة والسعودية كانت له أسس موضوعية، فعملياً لم تكن هنالك عملة أخرى قادرة على تأمين السيولة الكافية لسوق تداول النفط في السبعينات والتي بلغت 15-20% من مجمل التجارة الدولية، والطرح البديل لربط النفط بسلة عملات لم يكن قابلاً للعيش في ظل الهيمنة الموضوعية، ليس فقط للدولار بل للولايات المتحدة في حينها بوزنها الاقتصادي في سوق النفط، حيث كانت المستورد الأكبر عالمياً بلا منازع، وأبعد من ذلك عوامل قوتها الأخرى اقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً.
لقد ثبتت الولايات المتحدة هذه الهيمنة على سوق النفط عبر منظومة إدارة الطاقة العالمية، أو ما يسمى نظام الطاقة الدولي بمؤسساته ومجموعة القواعد والآليات التي وضعت عبر: منظمة الطاقة الدولية (IEA)، منظمة التعاون والتنمية الدولية OECD، ومنظمة الأوبك OPEC وغيرها، والتي تشبه باقي المنظمات الدولية التي نشأت عقب الحرب العالمية الثانية، من حيث تسييس الأوزان والتصويت وآليات اتخاذ القرار فيها، وهيمنة الولايات المتحدة بالدرجة الأولى عليها، إضافة إلى وضع شروط وسياسات للدول الأعضاء.
الأداة الأهم في ترسيخ هيمنة الدولار على تجارة النفط العالمية هي عبر تسعير النفط العالمي، حيث يسعّر النفط في مكاتب شركات خدمات الأسواق الأمريكية الكبرى مثل (PLATTS)* وغيرها، أما التداول الفعلي للنفط والعرض والطلب عليه هو جزء فقط من هذا التسعير رغم أنه يبقى الأساس.
المؤشران الأساسيان لأسعار النفط خام برنت في بريطانيا، وWTI غرب تكساس الأمريكي يسعّران أكثر من 75% من النفط المنتج عبر العالم، والأسعار المنشورة في هذه المؤشرات اليومية توضع على أساس بنية معقدة للمعلومات تربط بين البيانات من أسواق النفط العالمية، سواء العقود الفعلية في سوق تداول النفط فيزيائياً، أو العقود الافتراضية في السوق المالية لتداول المشتقات النفطية (العقود الآجلة، والمستقبلية وغيرها من الأنواع).
* نوافذ PLATTS للتسعير (هي مراكز إلكترونية تتدفق إليها المعلومات من سوق النفط والبضائع العالمية بشكل لحظي من الشركات الكبرى دولياً المشتركة بها، وتقوم بتشكيل وإعلان أسعار بلاتس وأسعار الإغلاق لأهم الأسواق المالية عالمياً للنفط وغيره، وهي تتبع لشركة خدمات مالية خاصة أمريكية).
تغير الأوزان في السوق الفعلية
الولايات المتحدة كمركز لهيمنة المنظومة الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، ربطت عملتها بالسلعة الأكثر تداولاً عبر العالم وهي النفط، ورسخت منظومة البترودولار بهدف أساسي: حماية الموقع العالمي للدولار كعملة تبادل دولية مهيمنة.
عناصر المنظومة عديدة، ولكن أهمها: موقع الولايات المتحدة في تداول واستهلاك النفط عالمياً، علاقة الهيمنة على السعودية ومنها على أوبك، استخدام الفوائض النفطية في سوق المال الأمريكية، آليات تسعير النفط في السوق الدولية.
ولكن جميع هذه العناصر تتعرض لتحديات جدية، وبدرجات متفاوتة... تجعل منظومة البترودولار فعلياً موضع تساؤل حول إمكانية استمرارها، وثمن هذا الاستمرار.
الولايات المتحدة لم تعد المستورد الأكبر عالمياً للنفط الخام، وبالتالي ليست اللاعب الأساسي موضوعياً في التأثير على سوق بيع النفط الدولية... والتحدي ليس فقط من الصين التي أصبحت أكبر مستورد عالمي تساهم بنسبة 18% من كتلة استيراد النفط الدولية، بل أيضاً من كتلة الاتحاد الأوروبي التي أصبحت بشكل مشترك تستورد قرابة 30% من النفط الخام عالمياً، هذا عدا عن أوزان الاستهلاك الكبرى الأخرى في السوق الآسيوية: الهند وكوريا الجنوبية، واليابان وغيرها، حيث الاستيراد الآسيوي يقارب 48% من المجمل العالمي.
اليورو تحدّ لم ينجح...
مع ظهور اليورو وتوسعه منذ عام 1999، بدأت بوادر من بعض الدول النفطية لتجارة النفط باليورو، مثل: إيران، بينما كان العراق أول من أجرى عقوداً فعلية باليورو، حتى أن السعودية أجرت عقوداً للبيع باليورو في تلك المرحلة... ولكن العملية لم تستمر لعدة أسباب، منها: ما يتعلق بقلة مرونة اليورو قياساً بالدولار، فالسوق الأمريكية تضخمّت مالياً إلى حد بعيد مع مطلع الألفية وتوسعت المشتقات النفطية وغير النفطية، وأصبحت سوق سندات الدَّين الحكومية الأمريكية أكثر إغراءً لفوائض النفط، بينما لم يكن من الممكن أن تجاريها السوق المالية الأوروبية، التي لا تمتلك أوراقاً مالية موحّدة باليورو، بل على مستوى الدول الأوروبية منفردة. أما السبب الأهم فهو: أن الولايات المتحدة منذ مطلع الألفية أطلقت ما أسمته (الحرب على الإرهاب) مستعرضة وزنها العسكري لحماية هيمنة الدولار، وتهديد من يحاول إزاحته سواء اليورو أو غيره وتحديداً من منطقة (الشرق الأوسط)، وبعد الحرب على العراق أصبحت فوائض النفط العراقي تتحول بجزئها الأعظم إلى سندات الخزينة الأمريكية (حوالي 31 مليار دولار) كما توسعت إلى حد بعيد مساهمة صناديق الاستثمار الخليجية في سندات الدَّين الأمريكية.
لم يشكل اليورو تحدياً جدياً أمام الدولار في ميدان تجارة الطاقة، ولكن العلاقات الروسية الأوروبية، والإيرانية الأوروبية هي واحدة من التحديات البارزة والمستمرة في وجه البترودولار... لذلك فإن (التلغيم) الدائم لهذه العلاقات هو محدد من محددات السلوك الأمريكي، والذي يتجلى بشكله الواضح في منع العلاقات الاقتصادية عبر استمرار وتشديد العقوبات على كل من روسيا وإيران. حيث يضع الأمريكان الأوروبيين أمام تحدّي هيمنة منظومة الدولار المالية في ظل أزمة ديون سيادية في القارة الأوروبية لا تجعل التحدّي خياراً سهلاً... ولكن مع كل تشديد للعقوبات وتعقيد للعلاقات الأوروبية مع الطرفين الروسي والإيراني فإن مبادرات تجاوز العقوبات تتسع. آخرها ما يسمى آلية PVC الآلية الممولة من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والتي تتيح للشركات الأوروبية بالتعامل مع إيران خارج منظومة الدولار، إضافة إلى استمرار العمل بخط السيل الشمالي الذي يزيد ضخ الطاقة الروسية إلى أوروبا، رغم العقوبات والمبادرة الروسية للدفع باليورو مقابل واردات الطاقة الروسية.
خطوات تلقى ممانعات جديّة وصعوبات، ولكن ظهور المبادرات الأوروبية تجاه إيران وروسيا يوحي بمستوى احتدام التناقضات، ومحاولة شق الطريق باتجاه تطبيع العلاقات وفتح احتمال تجارة الطاقة الأوروبية بغير الدولار.
الصين التحدّي الفعّال
تحوّلت الصين بعد أزمة عام 2008 إلى المواجهة مع منظومة الدولار عموماً، الأمر الذي تجلى في السعي لتدويل العملة الصينية للتداول في سوق الطاقة وغيرها.
ولكن العديد من الإجراءات الصينية تستهدف المحور المركزي في هيمنة الدولار عالمياً أي منظومة البترودولار... حيث أصبحت الصين التي تستورد 68% من استهلاكها النفطي، مضطرة إلى توسيع سياسة أمن الطاقة الصينية عبر جملة إجراءات للتأثير والمساهمة في عملية تسعير النفط دولياً.
اعترضت الصين كثيراً على مؤسسات الطاقة الدولية واعتبرتها مسيسة، ولم تندمج تماماً في هذه البنى التي تطالب الصين بهيكلة سياسة الطاقة المحلية، وبإفصاحات تفصيلية عن احتياطياتها الاستيراتيجية، كما انتقدت الصين نظام التصويت وآليات اتخاذ القرار في هذه المؤسسات، واعتبرتها غير عادلة ولا تتناسب مع الأوزان الفعلية في سوق الطاقة.
فسعت الصين إلى زيادة وزنها في مؤسسات دولية أخرى في مجال الطاقة، مثل (IEF)، وأوبك، والوكالة الدولية للطاقة البديلة (IRENA). إضافة إلى سعيها لتأسيس مؤسسات أخرى في إطار بريكس، ومنظمة شانغهاي للتعاون، ومجموعة العشرين التي في ظل القيادة الصينية لها في عام 2016 وضعت عنواناً أساسياً على جدول الأعمال: (إيجاد نظام حوكمة دولية للطاقة أكثر فعالية وكفاءة)، إضافة إلى زيادة الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة في دول (مبادرة الحزام والطريق) حيث أعلنت في 2016 أن استثماراتها الطاقية في دول المبادرة ستزداد بمقدار 27 تريليون دولار حتى 2050، لتخلق أكثر من 200 مليون فرصة عمل.
حيث تتحدى الصين نظام الطاقة الدولية بقدراتها المالية الهائلة وعلاقاتها الواسعة، وتعمل على تحجيم المؤسسات الغربية عبر تفعيل مؤسسات أخرى...
كما انتقدت الصين في إطار سياسة أمن تسعير الطاقة، وزن القطاع المالي في تحديد أسعار النفط واعتبرت أن الإستراتيجيات المضاربية تهيمن على التسعير عبر البنوك الدولية وصناديق التحوط والاستثمار المالي التي ترفع الأسعار.
وسعت لمواجهة هذا عبر زيادة قدرة شركاتها النفطية الكبرى ومنظومة الاحتياطيات الاستراتيجية والمصافي لديها، لتكون قادرة على بيع وشراء ملايين البراميل النفطية خلال دقائق في السوق الحقيقية في آسيا، وذلك لمواجهة تأثير سوق المال على تسعير النفط بمبيع وشراء النفط فعلياً، عبر شركاتها، لتزيد من دورها في سوق التسعير وتجعل السوق المالية متأثرة بالسوق الحقيقية في آسيا.
كما انضمت شركات النفط الصينية الوطنية الكبرى لتصبح لاعباً مساهماً في سوق المال الدولية التي تحدد السعر، عبر انضمامها إلى نوافذ PLATTS للتسعير، حيث تسعى الشركات الصينية إلى التأثير على الأسعار الدولية من داخل المنظومة نفسها.
وسّعت الصين أيضاً العلاقات مع الدول النفطية التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات، ووصلت إلى أشكال لتبادل النفط مقابل اليوان مباشرة، وهو ما حصل مع إيران ولكنه توقف، وما جرى مع فنزويلا عبر منظومة إقراض باليوان مقابل مدفوعات بالنفط الفنزويلي، وما يجري مع روسيا بشكل مضطرد منذ عام 2016 محوّلاً روسيا إلى المورّد الأكبر للنفط إلى السوق الصينية.
الاتفاقيات المباشرة لتداول النفط باليوان لم تستقر حتى الآن سوى مع روسيا، ولا تزال تشكل 2,4% من تجارة النفط الدولية، بينما مع تشديد العقوبات على إيران وفنزويلا تراجعت هذه الآليات مؤقتاً، حيث لا تزال السوق الصينية مرتبطة عميقاً مع المؤسسات المالية الغربية، والعقوبات قادرة على الضغط عليها، ولكن الصين شجعّت مؤخراً الآلية الأوروبية للتعاون مع إيران وتحدثت عن إمكانية مشاركة صينية فيها.
يضاف إلى هذا تعمّق العلاقات الصينية مع دول منظمة التعاون الخليجي في المجال النقدي والمالي، الذي يعكس انخراط فوائض البترول الخليجية في السوق الصينية وفي سوق اليوان. وذلك عبر إنشاء اتفاقيات تبادل عملات مع قطر والإمارات، وإنشاء مراكز مقاصة لليوان في الدولتين، إضافة إلى فتح حسابات للتبادل بالعملات المحلية بعد تحول اليوان إلى عملة احتياطي دولية مع كل من السعودية والإمارات، وهو ما يقلص العمولات ويسرّع التداول، كما أنها أتاحت لهذه الدول استخدام اليوان للتداول مع دول أخرى في منطقة حوض الباسيفيك. هذا عدا عن التوسع الاستثماري الصيني في منطقة الخليج عبر مبادرة الحزام والطريق. حيث تبني الصين وزناً اقتصادياً مؤثراً في الخليج، وتدفع اليوان ليكون جزءاً هاماً من هذه العلاقات في عملية لا تلقى ممانعة واضحة في الخليج.
الإجراء الأهم والتصعيدي الصيني كان في إنشاء سوق عقود النفط المستقبلية المدعومة بالذهب في شانغهاي، المؤشر الذي يستهدف السوق الآسيوية بالدرجة الأولى ولتداولات النفط المتوسط والثقيل الذي تنتجه وتستهلكه الصين وتستورده من حقول الشرق الأوسط وروسيا، فإحدى المحددات لسوق اليوان هي العقود المرتبطة بنفط منطقة الخليج تحديداً النفط الخام المتوسط، وأهم وجهات العقود المتداولة: الإمارات، عُمان، قطر، اليمن، العراق، ومن حقل شنغلي الصيني، دون وجود لحقول سعودية وإيرانية...
كما أبدت سوق دبي اهتمامها بالتعاون مع عقود شانغهاي، ووصل المؤشر في وقت قياسي إلى نصف قيمة التجارة النفطية والتداول في سوق برنت، وهو الثاني الأكبر عالمياً، مساهماً بنسبة 14% من قيمة التجارة الدولية للنفط الخام.
العلاقات السعودية الأمريكية
تغيرات تدريجية تجري في العلاقات الدولية السعودية، التي تعتبر أحد أهم أدوات منظومة البترودولار... فالسعودية تفتح أبوابها واسعةً للعلاقات مع الصين، حيث أصبحت أكبر مستقبل للاستثمارات الصينية بين دول الخليج. كما أنها حوّلت صناديق استثمارها السيادية التي تتضمن جزءاً هاماً من فوائض النفط لتنوع استثماراتها الدولية، وتستثمر في الشركات العالمية المتنوعة سواء في السوق الأمريكية أو غيرها، ووسعت علاقات تعاونها مع روسيا عبرOPEC + وفي هذا تغيير لبنية أوبك والأوزان فيها وتنسيق روسي سعودي تراه الولايات المتحدة خطراً.
كما أن السعودية أعلنت في 2019 عن إمكانية تجارة النفط باليورو مع الاتحاد الأوروبي، وعملت مؤخراً على إثبات وزنها في تسعير النفط العالمي عندما استمرت بالضخ خلال الأزمة الحالية، في وقت تراجع الطلب مؤدية إلى خسائر هامة في سوق النفط الصخري الأمريكية، دفعت إلى انهيارات في سوق النفط الأمريكية عندما وصل السعر إلى -40$ للبرميل.
الأزمة الأخيرة وضّحت مستوى التناقض في العلاقات السعودية الأمريكية النفطية، كما أن انهيار أسعار النفط يقلّص فوائض البترودولار إلى حد بعيد، بل يحوّل دول الخليج إلى أزمات سيولة مالية وعجوزات... ما يلغي جزءاً من المصلحة الأمريكية في سوق نفط الخليج التي كانت فوائضها تنتقل إلى الولايات المتحدة، ولكنه لا يلغي الاهتمام الأمريكي بمخزون وإنتاج النفط السعودي والخليجي، وضرورة بقائه مسعّراً بالدولار. الأمر الذي تحرص الولايات المتحدة على استمراره بكل الطرق، حتى لو اضطرت لأعلى مستوى من الضغط والابتزاز للسعودية، كما تلوّح في قانون NOPEC الذي يفرض عملياً عقوبات على السعودية بذريعة مواجهة احتكار منظمة أوبك للنفط، القانون الذي إذا ما أُقر فإنه يتيح للولايات المتحدة مصادرة الأموال والاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة ويهدد حوالي 1 تريليون دولار من التزامات السعودية في أميركا!
*بالاعتماد على دراسة:
(PETRO-RMB The oil trade and the internationalization of the Renminbi- 2019)
العوامل التي قامت عليها منظومة البترودولار تتزعزع وتهتز بناء على التناقضات الموضوعية الناجمة عن تغير موازين القوى الدولية في الطاقة وكل المجالات، بينما تلعب الصين دوراً واضحاً في هزّ هذه المنظومة ووضع أسس لبدائلها.
فالولايات المتحدة لم تعد المستورد الأكبر للنفط، بينما لا تزال تهيمن على التسعير عبر علاقاتها مع السعودية، ولكن هذه العلاقة تختل وتفتح احتمالات تصعيد ضد المملكة وفي (الشرق الأوسط) عموماً، وتحديداً مع توسّع وزن الصين واليوان وعقود نفط اليوان في المنطقة. ولا يزال الدولار يُهيمن على التسعير عبر وزن السوق المالية والمستثمرين في سوق النفط، ولكن هذا الأساس يختل أيضاً عبر تراجع أسعار النفط والانهيارات التي أوصلت وقد توصل مجدداً إلى السعر السالب للنفط، كما أن عموم الأزمة المالية قد يفتح ثغرات كبرى وفجائية في المنظومة، ويتيح للبدائل التي تقودها الصين، مثل: عقود نفط اليوان لتوسيع دورها. إن هيمنة منظومة البترودولار لن تنزاح بسهولة والولايات المتحدة تحاول الدفاع عنها بما تبقى لديها من قوة: سواء عبر الفوضى والسلاح وتحديداً في (الشرق الأوسط) حتى لو وصل الأمر للحلفاء في الخليج، أو عبر العقوبات الاقتصادية عالمياً لمنع إنشاء بدائل... وكلتا الأداتين سيف ذو حدّين يؤخران تقدم البدائل، ولكنهما يفعّلان المزيد من التناقضات أمام منظومة الدولار التي لم يعد لديها إلا (البطش) لفرض استمرارها، بينما يتقدم الآخرون بفعالية وهدوء وتعاون لبناء البدائل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 966