هل سنعلم يوماً ما ثروة الـ 1% الأغنى في سورية؟!
ليلى نصر ليلى نصر

هل سنعلم يوماً ما ثروة الـ 1% الأغنى في سورية؟!

تشير بعض الإحصائيات الدولية حول عدم المساواة إلى أن نسبة 14,6% من الناتج السوري يذهب إلى أعلى 1%، أي أن حوالي 200 ألف شخص كانوا يحصلون على حوالي 9 مليار دولار خلال عام واحد من ناتج عام 2010 على سبيل المثال...

وتثبّت هذه الإحصائيات تقديرها هذا منذ منتصف التسعينات حتى الآن، دون أن تجد طريقة للوصول إلى معلومات أو آليات تقدير جديدة خلال سنوات الأزمة التي شهدت حكماً مزيداً من تمركز الثروة، ففي الأزمات وعندما تقل مصادر الدخل العام يصبح تجميع الثروة لدى القلة الأقوى أمراً محتوماً، فيمركز هؤلاء الأعمال بأيديهم في مسعى للمحافظة على مستوى الدخل ذاته.
وهذا ما جرى ويجري خلال سنوات الأزمة السورية فخروج الكثير من رؤوس الأموال خارج البلاد مع بدايات الأزمة، كان عملياً تعبيراً عن تراجع مساحة الدخل التي تتيح لكل هؤلاء الأثرياء بأن يستمروا، فأصبح عدد الأثرياء أقل، ويتحكمون بمجالات عمل أوسع داخل البلاد، وكلما اشتدت الأزمة وتراجع الدخل فإن القلة الأقوى والأكثر تنفذاً تسحب مساحات إضافية من الأضعف، وهو ما نشهده اليوم في أزمة قطاع الاتصالات وقبلها في كشف ملفات فساد وتغيير وجوه، تعبر عن سحب مجالات عمل من أيد معينة وتحويلها غالباً إلى أيد أخرى أعلى.
البلاد تشهد تمركزاً للثروة غير مسبوق ناجم عن تفاقم أزمة النخب السورية، وهذا التمركز هو المصدر الأساسي لمستوى الإفقار والتدهور السريع الذي يجري.
ليس من السهولة تقدير حجم الثروات في سورية وحصة الأغنياء من الدخل، لأن ثروات ودخول الأثرياء غالباً ما تكون مغطاة ومغلّفة بمراحل عديدة من الشركات والوجوه، والحسابات في الداخل والخارج، والشركات والشراكات الوهمية، وتحديداً في دول مثل سورية، حيث الفساد والنفوذ هو مصدر أساسي من مصادر الثراء.
أزمة النخب المتنفذة في سورية والصراع على الثروة المتبقية، يتحول إلى واحد من المخاطر الأساسية التي تحيط بالبلاد لأن نتيجته المباشرة هي ما نراه على الأقل من تدهور قيمة الليرة بمستويات متسارعة وتفشّي الفقر كوباء، وتوسّع قطاع الفوضى والتجارة السوداء والتهريب.
إنّه خطر يهدد بتوسع الجوع الذي يطال 8 مليون سوري حتى الآن، ويهدّد بإزاحة باقي ما تبقى من دور شكليّ لجهاز الدولة في الحياة الاقتصادية، وهو واحد من عوامل الفوضى.
كبار الأثرياء ونخب النفوذ كانوا عبئاً على المجتمع السوري دائماً، ولكنهم اليوم وجه من وجوه (الكارثة الإنسانية) التي يعيشها السوريون، وتعريتهم من كل أغلفة الادعاء والتزيّف ستكون بتحويل الوقائع التي يعرفها كل السوريون عن حجم الفساد ونمط معيشته ومستوى ثروته... تحويلها إلى أرقام ووثائق وملفات.
كم يملكون فعلياً؟ كيف راكموا هذه الثروات؟ أين يودعونها؟ وكيف سنستعيدها؟ وما آليات وقنوات الفساد التي سرّبت كل هذا المال لهم؟ وما هي عناصر القوة التي ينبغي تفكيكها لمنع إعادة تشكيل ثروات من النفوذ والسرقة؟ وما هي عناصر القوة التي ينبغي تثبيتها لتحمي إعادة بناء البلاد من الفساد وتلغي شروط خلقه مجدداً؟
أسئلة كثيرة ستضعها التطورات أمام السوريين، وسيكونون قادرين على الإجابة عنها... وهذا جلّ ما تخشاه نخب التشدد والفساد في سورية، إنّها تخشى اللحظات التي لا يعود العنف فيها قادراً على تغطية الحقائق، ويصبح كل الرّياء والتشدق والمتاجرة (بالشعب السوري وبسيادة البلاد) من كل الأطراف مفضوحاً، والأهم، اللحظة التي يصبح فيها عموم السوريين قادرين على الضغط والفرض والتصرف! الأمر الذي سيتحقق مع أول بوادر الوصول إلى تسويات سياسية لأنها التعبير المكثف عن كسر إرادة المتشددين وتراجع قدرتهم على فرض سطوتهم على مصير البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
966