هل أزمة نقص الطاقة غير قابلة للحل؟ +94% إنتاج الطاقة... التكاليف والنتائج

هل أزمة نقص الطاقة غير قابلة للحل؟ +94% إنتاج الطاقة... التكاليف والنتائج

أصبح نقص الطاقة هو العلامة الفارقة للشتاء السوري، ولم تُفلح كل المتغيرات الأمنية والعسكرية والسياسية في الوصول إلى (أمن طاقي) في الحدود الدنيا... حيث لا بدّ من أن يُحرم ملايين السوريين من الكهرباء ومن التدفئة وحتى من الغاز المنزلي، ليتفاوت الحرمان طبعاً حسب درجة التهميش والموقع على السلم الاجتماعي، فيكون الريف والعشوائيات وتجمعات الفقراء أصحاب الوزر الأكبر.

الطاقة هي شريان إعادة إنتاج الحياة اقتصادياً واجتماعياً، والدماء لا تتدفق بما يكفي في هذا الشريان لتصاب البلاد بالشلل. فهل فعلاً إيجاد حلول جذرية لمسألة الطاقة صعب جداً؟ وما هي الحدود الدنيا التي نحتاجها؟! وما الموجود منها، وما التكلفة المطلوبة، وأخيراً ما الخيارات؟

 

14 مليون مكافئ نفطي الحدود الكافية من الطاقة

يمكن القول إن الحدّ الأدنى لتأمين حاجات طاقة كافية للفرد تتطلب زيادة إنتاج الطاقة من الجهات الحكومية بنسبة 94% لنصل إلى 14 مليون طن مكافئ نفطي، بناء على حصة سنوية لكل فرد 0,95 طن، وذلك فقط لتغطية حاجات 15 مليون سوري في المناطق التي تدير خدماتها الحكومة.

تقول البيانات الدولية إن استهلاك الطاقة في سورية قد تراجع بين عامي 2010-2017 بنسبة 60%، متواكباً مع تراجع الناتج. حيث استهلكنا في عام 2017 ما يعادل 9 ملايين طن مكافئ نفطي بينما كان الاستهلاك 22 مليون في 2010.
ولكن ما استهلكناه لا يعبّر عن الحاجة الفعلية، فعملياً البلاد تستهلك أقل من حاجتها: تنتج كهرباء ومشتقات نفطية لحاجات التدفئة والنقل أقل من المطلوب، وتتوقف الصناعات والزراعات بسبب صعوبات تأمين الطاقة بالحدود الكافية.
إن الحدود الكافية من الطاقة تقاس بعدد السكان وحصة الفرد، ووفق هذا المقياس، فإن النقص الحالي في إنتاج الطاقة يقارب 47%، وسدّ هذا النقص والزيادة مسألة ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة.

 

 

 

 

 

 

الإنتاج المحلي نصف الحاجات الكافية!

يستطيع الإنتاج المحلي من النفط والغاز الخاضع لسيطرة الحكومة، أن يغطي نسبة 53% من هذه الحاجات تقريباً، وهو ينتج ما يقارب 7,2 ملايين طن مكافئ نفطي، 90% منها من الغاز في حقول المنطقة الوسطى والبادية ومنطقة القلمون، و10% من النفط.

الوصول إلى الحاجات الكافية يتطلب تقريباً مضاعفة الإنتاج الحالي وزيادته من 7,2 إلى 14 بنسبة زيادة 94%.
ويأتي هذا الإنتاج من معطيات الوضع الحالي، أي دون احتساب حقول المنطقة الشمالية الشرقية. حيث تنتج حقول مناطق سيطرة الحكومة 24 ألف برميل نفط خام يومياً، وما يقارب 17,8 مليون متر مكعب يومياً من الغاز، وفق تصريحات الحكومة نهاية العام 2019.
إن إنتاج الغاز قد ارتفع بمستويات كبيرة خلال العامين الماضيين، وعملياً ازداد بنسبة 120% تقريباً، وانتقل الإنتاج السنوي من 2,9 مليار متر مكعب في نهاية 2017 وصولاً إلى 6,5 مليارات متر مكعب تقريباً، وذلك بعد تحرير وتشغيل حقول منطقة تدمر وعموم البادية والمنطقة الوسطى.

الحاجة إلى 140 ألف برميل نفط يومياً

إن تغطية النقص البالغ ما يقارب 7 ملايين طن مكافئ نفطي، يتطلب استيراد ما يقارب 50 مليون برميل نفط خام سنوياً، وحوالي 140 ألف برميل يومياً لتغطية الحاجات المطلوبة، ودون هذا الحد فإن حاجات الإنارة والتدفئة والنقل وهي الحدود الدنيا، ولا يمكن تغطيتها في وقت الذروة وتنشأ الأزمات الشتوية.
الحكومة تقدر الحاجات ليس بعيداً عن هذا الحد، ويبدو أنها تستهدف إنتاج 13 مليون طن مكافئ نفطي من الطاقة، نصفها من الغاز، ونصفها من النفط الخام، حيث تقدر حاجتها لـ 120 ألف برميل نفط خام يومياً وسطياً. ولكن هذا الهدف لا يتحقق طبعاً، والحكومة لا تستورد نفطاً خاماً أو مشتقات بمقدار الحاجة، وإلّا كنا لمسنا تحسناً ملموساً في توفر المازوت والبنزين والكهرباء والغاز في أوقات الذروة الشتائية بالقياس بعام 2017، وهو الشتاء الوحيد خلال الأزمة الذي تحسنت فيه أوضاع الطاقة نسبياً.
فلماذا لم يتحقق هذا الهدف، وما تكلفة الوصول إلى هدف 14 مليون طن مكافئ نفطي من الطاقة؟!

3,2 مليارات دولار كلفة الاستيراد كبيرة

الصعوبات التي تعيدها الحكومة وتكررها تتجلى في جانبين، الأول يتعلق بالعقوبات وصعوبة تأمين عقود استيراد أو ثباتها. والثاني مالي يتعلق بعدم توفر الكميات الكافية من الدولار لتأمين هذا المستوى من التدفق.

إن استيراد 140 ألف برميل نفط خام يومياً، يعني عملياً استيراد ما يقارب 6,8 ملايين طن من النفط الخام، وهي ما يمكن أن تكون حمولة أقل من أربع سفن خلال العام. ومالياً كلفتها بالحدود الدنيا تقارب: 3,25 مليارات دولار، وهو مبلغ كبير نسبياً يشكّل نسبة 15% من الناتج المقدّر، ويشكل مبلغاً يفوق 2275 مليار ليرة، أي أكثر من نصف الميزانية لعام 2020 وفق سعر دولار 700، وسعر 65 دولاراً للبرميل.
إن فاتورة استيراد نقص الطاقة كبيرة حتى في حدودها الدنيا، ولكن الطريق التي تستورد بها الحكومة تزيد الفاتورة كثيراً، وتؤدي إلى تقليل الكمية...
فالاستيراد يتم بالدولار، وهو غير متوفر بما يكفي لدى الجهات الحكومية، وعبر الوسطاء: الذين يستوردون مشتقات نفطية وليس نفطاً خاماً ويفرضون فوقها تكاليف إضافية لتحمل المخاطر، قاربت في بعض الحالات نسبة 40%... إن الاستيراد وفق هذه المعطيات السابقة قد يضاعف الفاتورة من 3,2 مليار دولار إلى 6 مليارات دولار، ولن يكون لدى الحكومة أية إمكانية لسدادها في ظل نقص تدفقات الدولار من الحوالات بالطرق الرسمية، وعدم وجود مصادر أخرى جدية.

ما الحلول؟

إن تأمين ما يقارب 3,2 مليارات دولار لاستيراد 140 ألف طن من النفط الخام هو ضرورة، وحتى إن كان المبلغ كبيراً فإنه عملياً يحقق عائده سريعاً. فزيادة إنتاج الطاقة يحقق نتائج سريعة لزيادة النمو الاقتصادي، ووفق العلاقة بين الناتج واستهلاك الطاقة في عام 2017، فإن كل وحدة مكافئ نفطي مستهلك كان يقابلها ناتج يقارب 960 ليرة، ما يعني أن زيادة 6,8 ملايين طن مكافئ يفتح احتمال زيادة الناتج بمقدار: 6500 مليار ليرة! وهي تقارب 2,8 كلفة استيراد النفط الخام المذكور.
أي يمكن استرداد ضعفي تكلفة توسيع استيراد النفط الخام من الزيادة التي تحققها الطاقة في الناتج المحلّي، لذلك فإنه حتى تأمين هذا المبلغ عن طريق عقود دائنة لن يكون خسارة اقتصادية، بل هو دين قابل للسداد سريعاً، وتحديداً بعد أن حررت الحكومة أسعار الطاقة ولم تعد مدعومة، وهي ستساهم بزيادة الناتج زيادة سريعة عدا عن جملة العوامل التنموية الأخرى.
ولكن وصول التكلفة إلى 5-6 مليارات دولار أمر غير مقبول أو ممكن، لذلك، فإن طريقة الاستيراد ينبغي تغييرها.

ماذا عن الاستيراد بالروبل؟

إنَّ التوصل إلى عقود مع الطرف الروسي، لشحن أربع سفن سنوياً محملة بالنفط الخام ومسعّرة بالروبل، قد يعني عملياً تأمين هذه المستوردات بحوالي 200 مليار روبل، وهو ما يقارب 1700 مليار ليرة، وتحقيق وفر يقارب 1000 مليار ليرة!
هل تمّ السعي للتوصل إلى عقود مع الطرف الروسي، تشبه العلاقة مع الطرف الإيراني وخطه الائتماني السابق بعد توقفه؟ من الواضح أنَّ الطرف الروسي لا يبدو متهيباً من العقوبات، ويضع أولوية للعلاقات الرسمية المباشرة كما في اللقاءات التي جرت خلال الشهر الماضي. بينما من كل التصريحات والتعهدات لا نرى تعاقداً ملموساً إلا في العقود التي تبرم مع شركات خاصة روسية، وبوسطاء سوريين، ونسب استثمار استثنائية تقلّص حصة الدولة إلى حدود غير مسبوقة!
الإنتاج المحلي من الطاقة بمستواه الحالي يستطيع أن يغطي نصف الحاجات الكافية الضرورية، وهو يأتي من الغاز بالدرجة الأولى بينما النفط نسبة قليلة.
إنَّ رفع إنتاج الطاقة بنسبة 94% مسألة ممكنة، عبر استيراد النفط الخام، وهو قد يحقق زيادة مباشرة في الناتج بما يزيد عن 6500 مليار ليرة، أي أكثر من ضعفي تكاليف الاستيراد.
سدّ نقص الطاقة قد يتطلب 50 مليون برميل نفط خام، وقرابة 7 ملايين طن وهي حمولة أربع سفن فقط خلال العام.
سدّ نقص الطاقة يتطلب الاستيراد بعقود طويلة الأجل ومباشرة بين الدول ودون دولار، لشراء النفط الخام وتكريره في المصافي الحكومية.
تكلفة سدّ نقص الطاقة بأدنى حالاتها تقارب 3,2 مليارات دولار حالياً، ولكن هذا المبلغ قد يعادل 2270 مليار ليرة، وقد يتلقص إلى 1700 مليار ليرة إذا ما كان السداد بالروبل، وكذلك الحال يتحقق وفر من استخدام الدفع بعملات أخرى غير الدولار واليورو.
استمرار استيراد الطاقة بالطرق الحالية، يعني عدم توسيع إنتاج الطاقة، لأن الحكومة لا قدرة لديها على دفع مليارات الدولارات للوسطاء الذين يشترون مشتقات وليس نفطاً خاماً، ويفرضون تكاليف إضافية وصلت إلى 40% فوق السعر العالمي، ما قد يرفع الفاتورة من 3 إلى 6 مليارات دولار.

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
948
آخر تعديل على الإثنين, 13 كانون2/يناير 2020 15:42