أمريكا وأوروبا صراع حول أموال (وادي السيليكون)
محمود الشريف محمود الشريف

أمريكا وأوروبا صراع حول أموال (وادي السيليكون)

تتفاقم التناقضات بين ضفتي الأطلسي الأمريكية والأوروبية، وتعود معالم الحرب التجارية لتظهر هناك... مستندة هذه المرّة على شركات التكنولوجيا العملاقة الأمريكية بالدرجة الأولى، التي يريد الأوروبيون فرض ضريبة على أرباحها الآتية من استخدام بيانات مواطنيهم، وتتحضر الإدارة الأمريكي (للرد العقابي) على هذه الضريبة.

لدى فرنسا خطط لفرض ضريبة على المعاملات الرقمية، وهي ضريبة ستستهدف شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي تعتبر الشركات الأمريكية أكبرها. وقد قابل الخطوة الفرنسية رد تصعيدي من واشنطن، بفتح تحقيق حول الضريبة المزمعة، لتحديد إذا ما كانت تمييزية ضد الشركات الأمريكية، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إجراءات عقابية أحادية الجانب على البضائع الفرنسية.

ضريبة على الربح من بيانات الفرنسيين

تبنّى الفرنسيون ضريبة تكنولوجية جديدة ستفرض نسبة 3% على إيرادات الشركات التكنولوجية العاملة في فرنسا، وستفرض على كل شركة تبلغ إيراداتها أكثر من 750 مليون يورو عالمياً، وحوالي 25 مليون يورو في فرنسا. مستهدفة الشركات التي تستخدم بيانات المستهلكين في قطاعات الدعاية والإعلان والبيع عبر الإنترنت، لتشمل الضريبة قرابة 30 شركة تنطبق عليها هذه المواصفات، بما فيها المجمعات الأمريكية: ألفابت، أبل، فيسبوك، وأمازون، وكذلك شركات من الصين، وألمانيا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، وكذلك شركة فرنسية هي منصة كريتيو، السلطات الفرنسية قالت: إن الضريبة يجب أن تحقق 500 مليون يورو للحكومة في 2019، لتنمو بقوة في السنوات اللاحقة.

أمريكا تجهّز العقوبات

الرد الأمريكي لم يظهر هذه المرّة بتغريدة للرئيس ترامب، بل صدر بخطوة رسمية عبر روبرت لايثيزر، الممثل التجاري الأمريكي، الذي أطلق التحقيق بناء على ما يسمى القسم 301، وهو الإطار القانوني ذاته الذي استخدمته الولايات المتحدة في الحرب التجارية مع الصين، الأمر الذي يعطي إشارة إلى جدية الخطوة الأمريكية، التي قد تأخذ عاماً لحين التحقيق، يتوقع الأمريكيون من خلاله أن تدخل السلطات الفرنسية في مفاوضات.
السلطات الفرنسية، قالت: إن الضريبة ستطبق محلياً إلى حين التوصل إلى اتفاق عالمي أوسع. فالفرنسيون تحركوا تجاه تطبيق الضريبة، بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق مناسب في إطار الاتحاد الأوروبي، ومجموعة العشرين، وكذلك في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD. لتطبيق ضريبة شاملة وموحدة على الشركات التكنولوجية، وسط معارضة أوروبية من إيرلندا والسويد والدنمارك، وعدم اتفاق حول حد الضريبة وتوافقها مع ضريبة دخل الأرباح الأخرى.

بريطانيا قد تكون التالية

لكن مع هذا فإن بريطانيا قد تكون الدولة التالية في تطبيق الضريبة، حيث تم نشر مسودة تشريع مقترح لفرضها بنسبة 2% على إيرادات الشركات التكنولوجية الآتية من استخدام بيانات المستهلكين في بريطانيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والبحث على الإنترنت، والتسويق الإلكتروني. ستطبق على كل شركة تحصل على إيرادات بأكثر من 500 مليون جنيه إسترليني سنوية عالمياً، وتحصل من بريطانيا على 25 مليون جنيه.
ومسودة هذا التشريع قد تطبق في الشهر الرابع 4-2020، وقد تحصّل الحكومة البريطانية منها ما يزيد على 400 مليون جنيه في حدود 2022، هذا إذا لم يؤجل التشريع وسط الصراع على بريكست في المملكة المتحدة.
وكذلك صرحت الجهات البريطانية: أنها قد تراجع قرارها في حال تمّ التوصل إلى اتفاق دولي حول هذه الضريبة.

خطوة جديدة ضد الشركات

شركات التكنولوجيا الأمريكية في وادي السيليكون، تتعرض لضغوط متكررة وليس من الأطراف الأوروبية فقط، بل أيضاً من الإدارة الأمريكية ومن التشريع الأمريكي. وفقاعة أسهم هذه الشركات التي تضخمت منذ ما بعد الأزمة المالية العالمية، هي واحدة من (الفقاعات المالية) المرشّحة للانفجار. فبعد التحقيقات الأمريكية مع فيسبوك، ومهاجمة أمازون لتهربها الضريبي، والغرامات الأوروبية على غوغل لممارسات احتكارية، تأتي الضريبة الجديدة في هذا السياق، ولكن هذه المرّة ستؤثر هذه الخطوة على الشركات، وتمتد لتستخدم في إطار التصعيد التجاري الأمريكي.
الشركات الأمريكية، غير راضية عن الضريبة الأوروبية على قطاع الأعمال الرقمي، وتقول: إنها قد تُضاعف ضرائبهم. أحد المدراء التنفيذين في إحدى الشركات الكبرى، يقول: إن (إعطاء نموذج مبسط لأعمال الشركات التكنولوجية ليس مسألة سهلة، حيث من الصعب وضع تصوّر دقيق للموضع الذي يجب أن ندفع فيه الضريبة، فإذا ما كان علينا أن ندفع المزيد في أوروبا، فهذا يعني أننا يجب أن نحصل على تخفيض في الولايات المتحدة).
إن التصعيد ضد شركات التكنولوجيا وحولها، يمكن تفسيره بأنه يجري في سياق التنازع لإعادة توزيع الثروات ورؤوس الأموال المتراكمة في قطاعي التكنولوجيا والدعاية الأمريكيين، وهما مترابطان إلى حد بعيد.. وذلك بعد أن تبين أن الفقاعة وصلت إلى ذروتها، وبدأت أسهم هذه الشركات بالانخفاض التدريجي، بل السريع في مرّات أخرى.
شركات التكنولوجيا الكبرى (وسائل التواصل الاجتماعي Facebook وغيرها، ومحركات البحث مثلgoogle ، وشركات التسويق الإلكتروني وأكبرها أمازون) تستخدم بيانات المستخدمين عِبر العالم، في تقديم خدمات لزبائنها الأساسيين في قطاع الدعاية والإعلان، وفي غيرها من المجالات التي تستفيد من المعطيات الكبرى لمليارات المستخدمين. حيث تحقق أنه لدى فيسبوك مثلاً أكثر من ملياري مستخدم، تحقق إيراداً وسطياً من كل منهم يقارب 4,8$ فقط، ويرتفع هذا الرقم في الدول مرتفعة الدخل، لتحصل من كل مستهلك أمريكي وكندي على 19,8$ سنوياً.
وهذه العوائد التي تحصلها فيسبوك تأتي من قطاع الدعاية والإعلان، فعلى سبيل المثال: قاربت إيرادات فيسبوك الإجمالية في 2016: 27,6 مليار دولار، نسبة 97% منها آتية من الإعلانات. إذ يعتبر الإنفاق على التسويق والإعلانات، واحداً من أهم تكاليف الشركات والأعمال العالمية اليوم، وهو في تصاعد كبير منذ ثمانينات القرن الماضي، مع تعمّق الأزمة الاقتصادية. حيث بلغ الإنفاق العالمي على جميع أشكال الإعلان في عام 2015 ما يقارب600 مليار دولار، ونسبة 8% من الناتج الإجمالي العالمي في عام 2015.
*هامش: وادي السيليكون تسمية للدلالة على شركات التكنولوجيا الرقمية الأمريكية التي تمركز نشاطها الأولي في منطقة في ولاية كاليفورنيا اشتهرت بصناعات شرائح السيليكون.

معلومات إضافية

العدد رقم:
922
آخر تعديل على الإثنين, 15 تموز/يوليو 2019 12:31