العالم ينتج غذاءً أكثر.. ويجوع أكثر!
يلاحق شبح مالتوس جميع النقاشات حول الجوع وندرة الموارد، حيث حذر مالتوس في القرن التاسع عشر، من أن ارتفاع عدد السكان سيؤدي إلى استنزاف الموارد، وخاصة الموارد اللازمة لإنتاج الغذاء، على اعتبار أن النمو السكاني يفوق إنتاج الغذاء.
من المتوقع أن الاحترار العالمي يؤدي إلى عدم الوصول إلى إنتاج ما يكفي من الغذاء، مع ارتفاع عدد سكان العالم إلى 9,7 مليار نسمة بحلول 2050. في كتاب لتوماسي وايس الجديد: [Eating Tomorrow: Agribusiness, Family Farmers, and the Battle for the Future of Food. يناقش بأن معظم الحلول التي تطرحها حالياً الشخصيات البارزة، والحكومات، والمنظمات الخيرية، وقطاع الأعمال، هي حلول مضللة.
(الأعمال الزراعية الكبرى) تُروّج للندرة
تم الربط بشكل خاطئ بين أزمة أسعار الغذاء في أوائل عام 2008، وبين الأزمة المالية العالمية. وقيل إن عدد الجائعين في العالم ارتفع إلى أكثر من مليار شخص، مما غذّى عودة الطروحات المالتوسية الجديدة، وبدأ التسويق لفكرة ضرورة زيادة كبيرة في الإنتاج الغذائي العالمي، عبر الأعمال الكبرى.
أيد المدافعون عن الأعمال التجارية الزراعية هذه المخاوف، وروّج قطاع الأعمال الزراعية أن الإنتاج الغذائي العالمي ينبغي أن يتضاعف بحلول عام 2050، معتبرين أن الزراعة الصناعية ذات العائد المرتفع، تحت رعاية قطاع الأعمال الزراعية هي الحل الوحيد.
بالمعنى العملي، فإن العالم يتغذى بشكل أساسي، عبر مئات الملايين من صغار المزارعين الذين يسمون (المزارعين الأسريّين)، الذين ينتجون أكثر من ثلثي الأغذية في البلدان النامية.
خلافاً للمتداول تقليدياً، لا ندرة الغذاء ولا ضعف الوصول إلى الموارد المالية للإنتاج الزراعي، هما السبب الرئيسي لانعدام الأمن الغذائي والجوع. بل إن الصحافة العالمية الشائعة توثّق ظواهر (تخمة إنتاج الحبوب العالمية)، حيث تتراكم مخزونات الحبوب الفائضة.
ومقابل كم الإنتاج الكبير، يؤدي ضعف مرافق الإنتاج والتجهيز والتخزين إلى خسائر في الأغذية تبلغ في المتوسط حوالي ثلث إنتاج البلدان النامية، ويعتقد أن حصة مماثلة ضائعة في الدول الغنية بسبب تبذير تخزين المواد الغذائية وتسويقها، والنمط الاستهلاكي.
على الرغم من وفرة الحبوب، فإن تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي لعام 2018، الذي أصدرته وكالات الأغذية التابعة للأمم المتحدة ومقرها روما والتي تقودها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) قد أفاد بارتفاع الجوع المزمن والشديد، أو نقص التغذية الذي شمل 800 مليون شخص.
إن إنتاج المزيد من الطعام، لا يعني بالضرورة تمكين الجياع من تنازل الطعام والحصول عليه، وغالباً ما تكون الأعمال الزراعية ومروجيها، هي المشكلة، وليست الحل في إطعام العالم الجائع.
لماذا لا يؤدي ارتفاع إنتاج الغذاء العالمي إلى تغذية الجياع؟ كيف يمكننا أن نطعم العالم؟ هل يعقل أن الحل هو بالضغط والتكثيف غير المستدام لاستخدام الأرض والمياه والموارد الطبيعية الأخرى التي يحتاجها المزارعون لزراعة الأغذية؟
الأسر الزراعية تفتقر إلى السلطة
بالاعتماد على خمس سنوات من العمل الميداني المكثف في جنوب إفريقيا والمكسيك والهند ومنطقة الغرب الأوسط للولايات، يخلص وايز إلى أنّ المشكلة الأساسية هي مشكلة السلطة. ويبين كيف تؤثر المصالح التجارية القوية على سياسات الحكومة الغذائية والزراعية لصالح المزارع الكبرى.. والأمثلة كثيرة..
في المكسيك أدى تحرير التجارة في أعقاب اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية لعام 1993 إلى إغراق البلد بالبذور ولحم الخنزير الأمريكي المدعوم، مما أدى إلى تسريع الهجرة من الريف. وقد شجع هذا الاتجاه منتجي لحم الخنزير من الشركات العابرة، الذين يوظفون عمالاً مؤقتين يائسين، مستعدين لقبول أجور منخفضة وظروف عمل سيئة.
في ملاوي، ركز الدعم الحكومي الكبير على تشجيع المزارعين على شراء السماد والبذور الأمريكية، من شركة باير التابعة لمونسانتو. الشركة التي اعتمدت من قبل شركة البذور الحكومية، مفضلة بذورها الحاصلة على براءة اختراع على حساب الأصناف المحلية المنتجة، كما شارك مسؤول كبير سابق في شركة مونسانتو في صياغة سياسة البذور الوطنية التي تهدد بتجريم المزارعين الذين يقومون بحفظ البذور وتبادلها وبيعها بدلاً من ذلك.
في زامبيا، زاد استخدام البذور والأسمدة من منتجات قطاع الأعمال الزراعية العالمي، زاد إنتاج الذرة بمعدل ثلاثة أضعاف، دون الحد من معدلات الفقر وسوء التغذية المرتفعة للغاية في البلاد. وبينما توفر الحكومة 250 ألف فدان من المزارع للمستثمرين الأجانب، يكافح المزارعون الأسريون للحصول على حق امتلاك الأراضي الزراعية.
في الوقت ذاته، تشجع ولاية أيوا الأمريكية على ترويح الزراعات الأحادية الشاسعة من الذرة وفول الصويا لإطعام الخنازير ولإنتاج الوقود الحيوي، بدلاً من تحقيق هدف (إطعام العالم).
تم إجراء الكثير من أبحاث الكاتب في الفترة بين عامي 2014-2015، ويروي الكتاب قصة تأثير الشركات الأمريكية الكبيرة على السياسات لتستطيع هذه الشركات أن تحقق مزيداً من التوسع عبر العالم.
العالم يستطيع إطعام جياعه
العالم يستطيع إطعام الجياع، وكثير منهم من المزارعين الأسريين، ذاتهم.. وهؤلاء على الرغم من التحديات التي يواجهونها، يجد العديد منهم طرقاً مبتكرة وفعالة لزراعة المزيد من الغذاء الأفضل، ويدعم ضرورة دعم جهود المزارعين لتحسين تربتهم وإنتاجهم ورفاهيتهم.
يقوم المزارعون الجائعون بتغذية التربة المولدة للحياة، باستخدام المزيد من الممارسات السليمة بيئياً، لزرع مجموعة متنوعة من المحاصيل المحلية، بدلاً من استخدام المواد الكيميائية المكلفة من أجل الزراعات الأحادية الموجهة للتصدير. ووفقاً للكتاب فإنهم ينتجون طعاماً أكثر وأفضل، وقادرون على إطعام الجياع.
مما لا شك فيه، أن العديد من التقنيات الزراعية الجديدة توفر إمكانية تحسين رفاهية المزارعين، ليس فقط من خلال زيادة الإنتاجية والإنتاج، ولكن أيضاً من خلال الحد من التكاليف، واستخدام الموارد النادرة على نحو أكثر فعالية، والحد من الكدّ والعمل الزراعي.. ولكن هذه التقنيات يجب أن تتوفر لمنتجي الغذاء العالمي الفعليين، من صغار المزارعين.
يجب على العالم أن يدرك أن الزراعة قد لا تكون قابلة للاستمرار لدى كثير من الأسر الزراعية التي تؤمن ثلث غذاء البلدان النامية، طالما أن هؤلاء يواجهون قيوداً على الأراضي والمياه وغيرها من الموارد، بينما تتوسع الموارد المقدمة لقطاع الأعمال الزراعية الكبرى العالمي. يزداد إنتاج الغذاء ولكن في الوقت نفسه، يؤثر سوء التغذية من أنواع مختلفة على أكثر من بليوني شخص في العالم، وتساهم الزراعة الصناعية بنحو 30٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
*عن مقال جومو كوامي ساندارام مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للتنمية الاقتصادية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 903