الموارد المحلية تغطي أكثر من 30%  ولكن مع رفع العائد

الموارد المحلية تغطي أكثر من 30% ولكن مع رفع العائد

حوار مع د.عامر خربوطلي مدير غرفة تجارة دمشق

تمر السوق السورية الآن بلحظة انعطافية... فبينما كانت تتجهز للدخول في مرحلة «انفتاح استثماري» سوّقت له بعض الصحف الغربية عندما توقعت معدل نمو سوري 10% في عام 2019، وأوحت به مؤشرات الانفتاح الإقليمي تجاه سورية، وإذ بالعقوبات الغربية والأمريكية تزيد إطباقاً.. الأمر الذي يحوّل التركيز إلى الموارد المحلية السورية.
قاسيون، وفي محاولة قراءة رؤية الأكاديميين وقطاع الأعمال لهذه المرحلة، التقت بدكتور الاقتصاد عامر خربوطلي، ومدير عام غرفة تجارة دمشق الذي كانت له هذه الآراء التي نعرضها تالياً، كما وردت من صاحبها..

السوق تدخل مرحلة بدء الانتعاش
يمكن القول: إننا اليوم نتجاوز مرحلة التعافي، وندخل مرحلة البدء في الانتعاش. وهذا نلاحظه في عموم الجغرافية السورية، ولكن في المحور الصناعي التجاري تحديداً، الذي أصبح في مرحلة استقرار تكفي لبدء عملية إعادة الإنتاج.
نلاحظ اليوم نوعاً من التنامي بالأعمال، وإن كان خجولاً. للمرة الأولى هنالك تقديرات لمعدلات نمو إيجابية في نهايات 2018، وكذلك في 2019 التي يتوقع البعض أن تشهد ذروة نمو مرحلية.
فرص الاستثمار منطقياً ستكون موجودة وكبيرة وواسعة، وخاصة في مرحلة إعادة تجديد البنى الاقتصادية، ومشاريع البنى التحتية، والإسكان التي تشغل الكثير من المهن والأيدي العاملة... ولكن أغلب هذه المشاريع الضخمة ستحتاج إلى موارد تمويل من الخارج، وهنالك دول صديقة يمكن أن تساعد بهذا.
ولكن هذه البداية تعترضها مجموعة صعوبات، أهمها: الإجراءات أحادية الجانب، المفروضة على سورية، التي تظهر معارضة خارجية لإعادة البناء في سورية. ولكن لا يمكن القول: إنه لا يمكن بناء سورية فقط من الخارج.
الموارد المحلية تغطي 30-40%
من الواضح توفر إمكانات محلية كبيرة، قد تكون بالليرة السورية، ولكن هي بالنهاية موجودة ومتاحة، وشاهدناها في كل الأماكن التي توقعنا أن تحتاج عشرات السنين لتعود للإنتاج. دون استثمارات جديدة نستطيع أن نحقق نسبة نقدرها بـ 30-40% من متطلبات إعادة الإعمار.
وهنا ندخل إلى دور الجهاز المصرفي وودائعه، وهو شديد الأهمية في عملية الإقراض، من خلال الفوائض الموجودة لديه، والإقراض ضروري في سياق عملية التمويل الذاتي.
النظريات العالمية تقول، إن التمويل التضخمي لمشاريع سريعة المردود، هي عملية فاعلة، وأحياناً تكون مطلوبة. ولكن ألا يتم تحويل التضخم والكتلة النقدية إلى إنفاق جارٍ، أو استهلاكي. بينما تحويله إلى إنفاق استثماري، وسريع المردود يعطي نتائج كبيرة..
زيادة عائد الاستثمار ضرورة لنمو أعلى
تتطلب عملية توسيع توظيف الموارد المحلية، ومن ضمنها توسيع الإقراض، أن يتم توسيع المحركات الذاتية للنمو الاقتصادي. والوصول إلى معدل عائد استثمار أكبر.
النمو الاقتصادي له عوامل ومحددات، لتحقيق معدل نمو 8% مثلاً، قد نحتاج إلى 34% كاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي السوري، ولكن اليوم هنالك عوامل عدا عن الاستثمار، ظروف معينة تجعل الاستثمار يحقق عائداً كبيراً، دون إضافة استثمارات كبيرة. يجب مضاعفة المخرجات من مدخلات محددة، وهي مسألة ممكنة.
إذا حقق لي مشروع عائد استثمار 60%، مقابل عائد 20%، فإن العائد الأول يدفع إلى نمو أعلى بطبيعة الحال. محددات النمو الاقتصادي لا تعتمد على تراكم رأس المال بالدرجة الأولى، بل تحتاج إلى التقانة ورأس المال البشري وغيرها.. أي: كيف أستغلُ رأس المال بشكل أفضل، وللحد الأقصى. وللمقارنة بتجارب دول معينة، في مرحلة الثمانينيات، حققت بعض الدول نسبة تكوين كبير في رأس المال الثابت، دون نمو اقتصادي، نتيجة ضعف الإنتاجية، والفساد والهدر.
عائد الاستثمار بحده الأدنى 20% والتضخم هو الخطر
لا يقبل المستثمر في سورية اليوم أن يقيم استثماراً، إذا لم يضمن معدل عائد على الاستثمار بالحد الأدنى 20%، وهو يقابل معدل الخصم. ولهذا سبب موضوعي.. حيث إن معدل الـ 20% يتضمن معدل الفائدة الذي يقارب 9-10%، وجزءاً من المخاطرة، وجزءاً من التضخم. فالقيم الحالية التي ستنجم في المرحلة المستقبلية ستكون أقل من قيمتها، وبالتالي يجب وضع هامش أمان. بينما انخفض بالمقابل عامل المخاطرة الذي كان مرتفعاً خلال الأزمة.
معدل التضخم العالي يكبح عمليات الاستثمار، ويكبح عمليات الإقراض المصرفي، وهي التي عليها أن تسلّف وتستعيد أموالها بقيم متقاربة بينما معدل الفائدة أقل من معدل التضخم.
هنالك توجه واضح حالياً لسياسة إقراض جديدة، عبرت عنها العديد من المصارف العامة والخاصة، وأعتقد أن الإمكانية موجودة. المصارف حذرة لعدم حصول تعثر، وحتى لو كان باب الإقراض دون المتوقع حالياً، ولكن الإيجابي أن هذا التوجه موجود.
الاحتياجات هي للإقراض متوسط وطويل الأجل، وقد تفتح مرحلة جديدة للإقراض في رأس المال الثابت، التي نحتاج إليها فعلياً في المرحلة الحالية ولكن حتى الإقراضات الأقل جيدة.
قد تكون المشاريع الصغيرة الأقدر!
المشروعات الصغيرة والمتوسطة، هي الأقدر على مواجهة المرحلة التي نواجهها، لأنها برؤوس أموال قليلة، قادرة على التشغيل، وتنتج سلعاً وخدمات سريعة المردود، ولأنها تستطيع أن تستعيد أموالها بسرعة أكبر.
الورشات الصغيرة، تنتج وتخلق أيديَ عاملة، وتشغيلاً، وهؤلاء ينفقون ليساهم هذا بإعادة التوازن بين الطلب والعرض.
من ميزات هذه المشروعات، أنها سريعة الإنتاج والمردود.. وتكاليفها الثابتة أقل من المتغيرة، وقادرة برأس مال صغير أن تحقق ربحية لا تقل عن المشاريع الكبيرة، بينما المشاريع الكبيرة تحتاج إلى إنتاج كبير لتغطي تكاليف رأس مالها الثابت الكبير.
هذا النوع من المشروعات يتناسب مع تفكير المجتمع السوري، وطريقته المعتادة بالمبادرة الفردية، بينما يتباطأ المدخرون السوريون في إدخال أموالهم في المشروعات المساهمة التي تحتاج إلى جمع المدخرات الفردية لتأسيس مشاريع كبيرة.
حركة السوق تتوقف بعد 12 يوم
يتم الحديث عن أن السوق السورية تتحرك حتى 11-12 الشهر فقط، لتتوقف بعدها عجلة الاستهلاك. لقد تغير هيكل الطلب على السلع السورية، وتلاشى استهلاك سلع كمالية، بينما يتركز الاستهلاك في الحاجات الأساسية. هذه المسألة تؤدي إلى اختلال الاقتصاد السوري الذي يسعى للتوازن ما بين ادخار واستثمار. توزاناً ما بين الكتلة النقدية، والعرض السلعي المحلي، وهذا التوازن في سورية مختل، بعد 8 سنوات من الحرب والأزمة.
ولكن ينبغي الانتباه إلى أن سوق الأعمال السورية، لا تبني كثيراً على السوق المحلية، حتى قبل الأزمة. وتحديداً القطاع الإنتاجي الخاص، لم يكن يعتمد على السوق المحلي أبداً، والاعتماد الأساسي كان على الأسواق الخارجية. لا يوجد أي صاحب أعمال سوري، ينشئ مشاريع إلّا ليستهدف أسواقاً أخرى، عربية أو إقليمية أو حتى أوروبية، فقبل الأزمة مثلاً: كانت الطاقات الإنتاجية السورية، غير قادرة على تلبية كافة طلبات التصدير.
المعامل اليوم وقرارات الاستثمار لا تعتمد على ضعف القوة الشرائية، ولكنها تبقى بالنهاية محدداً هاماً جداً وكابحاً لعمليات البيع والإنتاج.

معلومات إضافية

العدد رقم:
903
آخر تعديل على الثلاثاء, 05 آذار/مارس 2019 13:23