الغرب لن يتنازل عن عقوباته بسهولة.. فما العمل؟
شدد الرئيس الأمريكي ترامب العقوبات المطبقة على نقل النفط الإيراني، وخصت الإدارة الأمريكية النفط المنقول إلى سورية، عبر شركات إيرانية وروسية بعقوبات مركزة... واستمرت القوائم الأوروبية تتوسع لتشمل أسماء سورية إضافية وجديدة من «وجوه رجال الأموال» المتبدلة كثيراً في سورية. ليعطي الغرب إشارته السياسية- الاقتصادية، الجديدة- القديمة بأنه سيعيق قدر المستطاع السير السوري للأمام.
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية بتاريخ 20-11-2018 عقوبات على 6 أفراد، و3 شركات، اثنتان منهما روسية وأخرى إيرانية، ادّعت الوزارة الأمريكية أنها الأطراف التي تمثل شبكة نقل النفط الإيراني إلى سورية.
الجولة الأخرى من التشديد هي التي مرت في الأسبوع الماضي، والتي أتت أمريكية- أوروبية.
الأمريكيون يلوحون بـ «سيزر»
ففي الولايات المتحدة، أقر مجلس النواب الأمريكي على ما يسمى بقانون «سيزر» أو «قانون حماية المدنيين- سورية»، الذي ينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية، والدول والجهات التي تدعمها مثل: إيران وروسيا لعشر سنوات أخرى، لتشمل مجالات الطاقة والأعمال والنقل الجوي، ولتشمل عقوبات على كل الأطراف والأفراد المتعاملين مع الحكومة السورية، أو موفري التمويل لها أو لأجهزتها بما فيها المصرف المركزي السوري. مركزاً على القطاعات المرتبطة بالطائرات، ومشاريع البناء والهندسة، والطاقة.
القانون الذي يمتد لعشر سنوات، ويشمل إجراءات قانونية وسياسية غير اقتصادية أخرى، لم يُقر بعد، وهو ينتظر إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي ليقرّه مجلس الشيوخ الأمريكي، أما البيت الأبيض فقد أعلن تأييده للقانون ببيان صادر عنه.
والعقوبات وفق «سيزر» تعتمد على قرارات الرئيس الأمريكي، فهو يفرض العقوبات على شخصيات ويستطيع أن يرفعها، كما يمكن أن يحرك العقوبات حسب سير المفاوضات.
عقوبات الأوروبيين تستمر وتتوسع
أما الاتحاد الأوروبي فقد جدد عقوباته المطبقة منذ عام 2011، ووسع قائمة الأشخاص ضمن ما يسمى «القائمة السوداء». ليضيف 11 رجل أعمال و5 شركات، إلى القائمة التي تضم 270 شخصاً و72 كياناً اقتصادياً. لتجمّد أموال وأصول هؤلاء في الخارج، ويفرض عليهم حظر سفر إلى دول الاتحاد. وليستمر ضمن العقوبات التي تطبق حظر تجارة النفط ومنتجاته إلى سورية، وحظر المعاملات المالية مع الحكومة السورية، وكذلك حظر الاستثمار وغيرها من الجوانب.
تركز عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة، على شركاء شركة الشام القابضة، الشركة الخاصة المؤسسة في 24-12-2016، والتي تعمل على إدارة واستثمار أملاك وخدمات الوحدة الإدارية (أملاك المحافظة) من خلال تأسيس شركات تابعة. والمعروفة بأهم نماذج عملها ما يسمى ماروتا سيتي، وبناء عليه فإن العقوبات شملت شركات تشترك مع الشام القابضة في شراكات عقارية أو استثمارية، ورجال أعمال من مالكي وإدارات هذه الشركات. يمكن الإطلاع على تفاصيل القائمة وقرار العقوبات COUNCIL IMPLEMENTING DECISION (CFSP) 2019/87، الصادرة عن المكتب الصحفي الرسمي للاتحاد الأوروبي.
كما أصدرت محكمة الاتحاد في اليوم ذاته رفضاً لطلب كل من شركتي البناء وشام القابضة بإلغاء العقوبات المطبقة عليهما.
هذه العقوبات، وتحديداً الأمريكية إن طبقت، فإنها ستعني أن تتمكن الولايات المتحدة من تجميد أموال أي صاحب مال يقدم للتعامل الاقتصادي والشراكة مع الحكومة السورية، وذلك عبر قدرات التعقب عبر منظومة المعلومات المصرفية العالمية، من سويفت أو غيرها.
رسائل ضغط وتطويع لقوى المال
تأتي هذه العقوبات لتؤكد مجدداً، بأن الغرب غير مستعد حتى الآن للتراجع عن مسار التصعيد. فالعقوبات السياسية هذه، تستهدف الضغط على الوضع الاقتصادي للشعب السوري، وتحديداً عبر التركيز على قطاع النفط، وعلى تعاملات الحكومة. الأمر الذي يزيد من كلف الأساسيات في داخل سورية، ويدفع ثمنه عموم السوريين، مع ما يحمله هذا من تعقيدات اقتصادية وسياسية.
ومن ناحية أخرى فإن الغرب يريد أن يرسل رسالة إلى قطاع المال المحلي والإقليمي، بأن لا إعادة إعمار في سورية دون «مباركته». وهو الذي يستطيع أن يشكل ضغطاً على هؤلاء، لأن جزءاً هاماً من أرصدة كبار رجال الأموال السوريين موجودة في الخارج، وهي تنتقل من النشاط الاقتصادي داخل سورية عبر البنوك الخاصة بالدرجة الأولى، القادرة على تحويل الأرباح والأرصدة من داخل سورية لخارجها.
وينبغي الانتباه إلى أن سعي الغرب للضغط والتأثير على أصحاب الأموال هؤلاء، هي قناة للتأثير السياسي، عبر دورهم ونفوذهم الاقتصادي، إذ تقتضي مصالحهم تعميق الارتباط بالغرب وتقديم التنازلات له، كونه قادراً على التحكم بحريتهم وحركتهم المالية.
ويريد الغربيون أيضاً من هذه العقوبات، أن يمنعوا التفاعل الاقتصادي والسياسي بين سورية، والأطراف العربية في الإقليم. وذلك بعد إشارات لإعادة العلاقات الدبلوماسية وإنهاء المقاطعة. لأن هذا التفاعل الإيجابي لا يناسب الغربيين، إذ يخفف التوتر في المنطقة، ويبدل مواقف أطراف عربية لتنخرط في تسوية الأوضاع في سورية، عوضاً عن دورها السابق.
إن سلوك الحصار العدائي من الأطراف الغربية، سيستمر وتحديداً من بوابة العقوبات الاقتصادية، لأنها واحدة من آخر أدواته. حيث سيماطل بها حتى لو انسحب عسكرياً، واضطر للالتحاق بالتسوية السياسية. وسيحمل آثاره على توسع النشاط الاقتصادي، وتحديداً إذا ما بقي هذا النشاط معتمداً على موارد رجال الأعمال ومبادراتهم. فالعقوبات تتحول إلى أداة بيد الغرب، طالما أن الاقتصاد السوري يعتمد على وسطاء، يعملون بالعملات الغربية ويودعون بالبنوك الغربية أو الإقليمية الخاضعة لتأثيرها.
لا زال الاقتصاد السوري في ظرف حرب، وتعافيه أصبح أكثر إمكانية نتيجة انحسار رقعة المعارك، ونتيجة رغبة السوريين بالإنتاج والعمل في الظروف الصعبة التي يعيشونها. ولكن إمكانات التعافي تعيقها جدياً الرؤية الموجودة لدى الحكومة وقطاع الأعمال السوري، التي تنتظر «طاقة الفرج الغربية»، التي ستسمح للأموال بالتدفق إلى سورية! بينما في اقتصاد الحرب ينبغي أن تكون أوسع الموارد، هي موارد الدولة، ومودعة وعاملة داخل البلاد وممنوعة من الخروج، وأن يكون التعامل مع الأطراف المستعدة لتجاوز العقوبات، يتم بأعلى المستويات الرسمية وبآليات مستقلة ولا تطالها العقوبات، كاتفاقيات التعامل بالعملات المحلية، وبين البنوك الرسمية، واتفاقيات التعامل بالمقايضة وغيرها من الآليات التي لو طبقت لكان فقر عموم السوريين أقل، وكان الثراء الفاحش لوسطاء الحرب والعقوبات أقل.