طريق الحرير  الاقتصادي- الجيوسياسي

طريق الحرير الاقتصادي- الجيوسياسي

بينما تستعر الحرب التجارية الدولية التي توقدها الولايات المتحدة، فإن المشروع الصيني العابر للقارات «طريق واحد حزام واحد»، يتقدم بخطوات ثابتة... وبينما الولايات المتحدة تولد الأزمات الاقتصادية والسياسية الدولية، فإن الصين تستمر بتشكيل علاقات اقتصادية دولية جديدة، يشكل المشروع واحداً من أهم دلالاتها.

المشروع الذي كان يسمى طريق الحرير وسمي لاحقاً «طريقاً واحداً أو مبادرة الحزام والطريق»، أعلنه الرئيس الصيني عام 2013، وهو يسعى شكلاً لإعادة إحياء طريق الحرير القديم، أما فعلاً فهو مشروع اقتصادي جيوسياسي، ينضوي على إعادة هندسة عابرة للقارات لبنى الوصل والربط التجاري في العالم: لربط شرق آسيا بأوروبا بشبكة من الطرق التجارية الجديدة، التي تعبر شرق آسيا، والقوقاز، والشرق الأوسط، حتى أقصى غرب أوروبا.
الخريطة تضم مكونين: الحزام الاقتصادي الأرضي الذي يصل الدول الواقعة على خط طريق الحرير القديم من شرق آسيا، حتى أوروبا، مروراً بآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
والطريق البحري الذي يصل الشاطئ الشرقي لإفريقيا بجنوب آسيا، والبحر المتوسط عبر السويس.
65% من سكان العالم و35% من إنتاجه
تقدر تكلفة المشروع الصيني ما يقارب 6 تريليون دولار، وقد وقعت الصين اتفاقيات تعاون مع 61 دولةً، تحت مظلة هذه المبادرة، تشتمل هذه الدول على 65% من سكان العالم، و35% من الإنتاج العالمي.
بحسب ستاندرد تشارتد بلغ حجم الاستثمارات الكلية ما يقارب 1 تريليون دولار، في أكثر من 60 بلداً واقعاً على طريق الحرير، كما بلغت قيمة المبادلات التجارية الصينية مع الدول الواقعة على طريق الحرير، باستثناء أوروبا، حوالي 1 تريليون دولار في عام 2015. وهو ما يعني أن المبادلات التجارية الصينية في إطار المبادرة قد فاقت تبادلات الصين التجارية، مع أوروبا وأمريكا شركائها التجاريين الأساسيين.
تعمل الصين على مواكبة هذه العلاقات الاستثمارية والتجارية، بتعزيز عمليات المبادلة بالعملات المحلية، وزيادة حصة مبادلاتها التجارية بعملتها اليوان. حيث وقعت اتفاقيات تبادل بالعملات المحلية مع 21 بلداً على طريق الحرير، ومنحت حصصاً من اليوان لمستثمرين مؤسساتيين من سبع دول. بالإضافة إلى إقامتها لبنوك مقاصة باليوان في 8 دول. وكل هذا أدى إلى رفع حصة مبادلاتها التجارية باليوان من 5% في عام 2013، إلى 25% في عام 2015!
بديل تنموي عن العلاقات مع الغرب
تتقاطع الدوافع الصينية الجيوسياسية، مع محددات صينية داخلية، ناجمة عن تناقضات نموذج التنمية الصيني المرتكز بأحد جوانبه على التجارة الخارجية والتصدير تحديداً إلى الولايات المتحدة وأوروبا، اللتان يرتكز اقتصادهما بالعمق على الدَّين، وإعادة تدوير أرباح القطاع المالي. وهذا الجانب في نموذج التنمية الصيني، قد وصل إلى حدوده التاريخية مع أزمة عام 2007-2008، وما أنتجته من تراجع الطلب العالمي، وبالتالي التراجع الكبير في التجارة الخارجية عالمياً، ولمستويات غير معهودة منذ 70 عاماً.
تسعى الصين للاستعاضة عن تراجع التجارة الخارجية ومع الغرب تحديداً، بإطلاق استثمارات ضخمة في مشاريع البنى التحتية في الصين. الأمر الذي انعكس بتخصيص الصين 50% من دخلها الوطني للاستثمار في السنوات العشر الأخيرة. وقد أدى هذا التراكم الاستثماري الهام إلى تطوير طاقات صناعية مهولة، أنتجت تأثيراً على مستويات الأسعار العالمية لبعض المواد الأساسية الداخلة في استثمارات البنى التحتية، كالحديد والصلب مثلاً. حتى أن الغرب عموماً، والولايات المتحدة تحديداً بدأت تتحدث «وبوقاحة منطق الربح المعهودة» عن الإفراط في القدرة الإنتاجية الصينية في هذين القطاعين، وتندد به! رغم أنه ينبغي أن نذكر أن مقابل هذا «الإفراط» الإنتاجي الصيني، وتخفيضه لأسعار المدخلات الأساسية للاستثمار في البنى التحتية، فإن أكثر من 45 بلداً نامياً يحتاج إلى أكثر من 26,1 تريليون دولار استثمارات في البنى التحتية، تشكل روافع اقتصادية وتنموية جدية لهذه الدول.
تتجمع في الصين فوائض مالية،وقدرات تمويلية، وطاقات إنتاجية هائلة تتجاوز حجم استيعاب الصين، بنموذجها الاقتصادي الحالي. ولكن القدرة التمويلية لبنوك الدولة الصينية والبنوك التنموية الجديدة المؤسسة في آسيا وضمن إطار بريكس، تشير إلى أن المشروع يمتلك روافع مالية قادرة على تعزيز الخارطة الاستثمارية والتجارية الموضوعة، والوصول إلى الربط بين قارات العالم القديم. حيث يرتبط بتمويل المشروع 5 تجمعات مالية أساسية: برأس مال مجموعه يقارب 970 مليار دولار (التفاصيل في الجدول)
لدى الصين فوائض، وطاقات استثمارية. وبالمقابل لدى منطقة المشروع حاجات استثمارية كبرى في مشاريع البنى التحتية. ويضاف إلى هذا أنّ لدى «النموذج الاقتصادي القديم» حيث الغرب مركز التجارة الدولية، أزمة كبرى.. وكل هذا يشكل فرصة ليحقق المشروع أهدافه، ويشكل رافعة تنموية هامة لعلاقات اقتصادية دولية جديدة.
رفعت الصين مبادلاتها التجارية باليوان بعد إطلاق مبادرة حزام واحد طريق واحد، لترفعها من 5% في عام 2013 إلى 25% في عام 2015، حيث وقعت اتفاقيات تبادل بالعملات مع 21 بلداً.
اختصر الخط الجنوبي من الطريق البري الأوراسي الجديد، الذي يصل بين غرب ألمانيا والصين 19 يوماً في نقل الحاويات، لتصل بـ 16 يوماً عوضاً عن 35 يوماً بالنقل البحري.

آخر تعديل على الإثنين, 22 تشرين1/أكتوير 2018 13:23