ADSL الجديد مع مطلع 2019... «عدل مين والناس نايمين»

ADSL الجديد مع مطلع 2019... «عدل مين والناس نايمين»

بعد أن ظهرت عدة تسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي، حول الآلية الجديدة لتقديم خدمة ADSL في سورية، ونفت الجهات الرسمية الموضوع، عادت لتوضح نفيها، وتؤكد أنها لم تقر بعد التفاصيل، ولكن الآلية ستطبق واعتباراً من بداية العام القادم. ليصبح الإنترنت المفتوح من الماضي، وليستهلك كل منّا على «قد مصرياته».
إذا ما تركنا مناقشة الأرقام التفصيلية لحين صدورها، فإن الآلية تستحق النقاش. حيث تُنهي الإنترنت المفتوح، مقابل رسوم ترتفع حسب السرعة، كما هي الآن. وتؤدي إلى رفع الأسعار على الباقات بشكل تصاعدي يحدد فيها الكم والسرعة... فما دوافع الحكومة؟ وهل يمكن تبريرها؟

 

أحد المسؤولين في قطاع الاتصالات أشار إلى أن سبب الإقدام على هذه الخطوة، هو تحقيق العدل بين المستخدمين، فمن غير العادل حسب وجهة النظر الرسمية أن يدفع مستهلكو الإنترنت، وبعض المستخدمين واسعي الاستهلاك، التسعيرة ذاتها التي يدفعها، مواطن يستخدم الانترنت بشكل محدود، فالأول يؤثر على السرعة لدى الآخرين.
وهذا السعي نحو العدالة في الحصول على الخدمات، بين صغار المستهلكين وكبارهم، ذريعة حكومية متكررة. ويتجاهل المسؤولون الجانب الآخر من العدالة المحددة على أساس الدخل. فتطبيق الآلية الحكومية سينتج عنه أمر واحد: صغار أصحاب الدخل، ستتراجع قدرتهم على الاستهلاك، وسيخلون المساحة للقادرين على دفع الرسوم.
مثلما أدت العدالة الكامنة وراء رفع أسعار المحروقات، إلى أن القادر مادياً يحصل على الدفء الكافي، أما غير القادر فعليه بالبطانيات.
الآلية العادلة، تحرم الأسر ذات الدخل المحدود، من استخدام الإنترنت البطيء المفتوح بتكلفة شهرية 1200 ليرة، وتُبقي لهم استهلاكاً محدوداً بتكلفة أعلى، وحينها لن تنفع السرعة كثيراً.
«متلنا متل غيرنا»!
أحد المسؤولين يواسي نفسه فيقول: إن أسعار الإنترنت في سورية، لم ترتفع كثيراً بالقياس إلى الأشياء الأخرى، وبالتالي فإن الرفع منطقي، لنصبح «متلنا متل غيرنا» ممن يطبقون هذه الآلية، أو يطبقون أسعاراً أعلى.
ولكن السؤال يبقى: هل هناك من «حاله كحال السوريين»؟! ألا يصدق أصحاب هذا النوع من الانعطافات والقرارات، أن سورية هي البلد الذي يضم أعلى نسبة فقراء؟ وعلى سلم الحد الأدنى للأجور عالمياً، أصبحنا في الدرك الأسفل «اللهم تنافسنا بعض الدول الإفريقية المسحوقة فقط».
الجدول المرفق يوضح أسعار الـ ADSL في سورية، قبل الرفع الموعود، ونسبتها إلى الدخل الوسطي للفرد شهرياً. وهي الطريقة التي تقاس فيها الكلف الحقيقية للخدمات. فلا يقارن سعر بسعر، بل يقارن سعر بالقدرة على سداده.
ليتبين أنه وفقاً لاستهلاك على سرعة 4 ميغا بايت (وهي السرعة الدنيا في بعض المناطق)، فإن السوريين يدفعون نسبة أعلى من دخلهم من الدول العربية المقارنة كافة. حيث ندفع نسبة 12% من الدخل الوسطي الفردي البالغ 100 دولار تقريباً شهرياً، لنحصل على هذه الخدمة، وبالمقابل فإن اللبناني يدفع نسبة 8,4% من دخله الوسطي للخدمة ذاتها، والمصري 3%، والمغربي 4,4%، والإماراتي 4,8%.
ولكي نكون «متلنا متل غيرنا»، يجب أن تكون التسعيرة منسوبة للدخل، متساوية، لا السعر متساوٍ! فمثلاً يجب أن تكون باقة الأربعة ميغا في سورية، نسبتها 3% من الدخل أي سعرها لا يتعدى 1400 ليرة، لكي نكون مثل المصريين في هذا الجانب!
العدالة ليست الغاية الحكومية، والموضوع لا يحتاج إلى إثباتات، ولكن لزوم ما يلزم.

هل تريد الحكومة (مصاري)؟
واحد من الدوافع وراء سلسلة رفع الأسعار التي مارستها الحكومات المتتالية خلال الأزمة، كان تحقيق زيادة في الإيرادات العامة من الخدمات المقدمة.
وبالفعل، التعديل المطروح سيزيد إيرادات ADSL العائدة للاتصالات العامة، فهي قبل الرفع تحقق إيرادات بعشرات المليارات، وأرباحاً بالمليارات.
وكان مدير الهيئة الناظمة لقطاع الإنترنت قد أشار إلى أن إيرادات اشتراكات الإنترنت في الشركة السورية للاتصالات، ازدادت بنحو 6 أضعاف بين عامي 2015-2018. حيث كانت الشركة السورية للاتصالات قد أشارت إلى أن إيراداتها في عام 2016 قد وصلت إلى 40 مليار ليرة، وربحت 10 مليار ليرة. وهي أرباح لا تتحقق في أية خدمة حكومية أخرى.
أي: أن الاتصالات ميسورة الحال بالقياس إلى قطاعات الخدمات الحكومية الأخرى، ولديها من الإيرادات ما يكفي لمجموع الموزعين الخاصين، الذين يشترون حزم بوابات حكومية، ويقدمونها للمستهلكين.
ويذكر، أن الاتصالات تتيح لشركات خاصة الانتفاع من البوابات التي تحجزها وتركبها الشركة العامة، وتبيعهم حزم بوابات ليبيعوها للمستهلكين بدورهم، ويوفروا على الشركة العامة أعباء عمال التركيب فقط تقريباً.
وأخيراً، لا يبدو أن هذا هو الدافع الحكومي، لأن الاتصالات العامة كانت مستعدة للتخلي بسهولة، عن الجزء الأكبر من شركات الاتصالات الخليوية، التي كان من المفترض أن تصل إلى 60% حالياً، ليتغير العقد، وتتقلص الحصة الآن إلى 30%، ولاحقاً إلى 20%.
ما يعني: أن الاتصالات العامة في حالة من اليسر المالي، تتيح لها التخلي عن عشرات المليارات سنوياً من كل من شركتي الاتصالات الخليوية العاملتين حالياً في سورية!
ففي عام 2016 مثلاً بلغت إيرادات شركات الاتصالات الخليوية ما يقارب 197 مليار ليرة، كان من المفترض أن تحصل الاتصالات العامة على 118 ملياراً منها، ولكن تغيير العقد جعل الحصة الرسمية لا تتعدى: 59 مليار، وكانت الاتصالات العامة مستعدة للتخلي عن إيرادات سنوية بالمقدار ذاته!
هذه الإيرادات التي تخلت عنها لصالح مالكي شركات الخليوي الخاصة، تعادل شهرياً حوالي 11 مليون دولار، وتستطيع تغطية 10 أضعاف الكلف الشهرية للتشغيل التي أعلن عنها في عام 2017 أنها تبلغ مليون دولار شهرياً.

 


• 59 مليار: عندما تغير العقد مع شركات الاتصالات الخليوية، وقلصت الاتصالات العامة حصتها من 60% إلى 30%، فإنها عملياً تخلت عن 59 مليار ليرة إيرادات في عام 2016 لصالح الشركات الخليوية.
• 40 مليار: تصريحات للشركة السورية للاتصالات.
• 5,4 مليار: صرح المدير السابق للشركة السورية للاتصالات أن كلف التشغيل الشهرية تبلغ مليون دولار، أي: حوالي 450 مليون ليرة شهرياً، و5,4 مليار ليرة سنوياً

«بعزقة المكالمات الصوتية المجانية»
السيد إباء عويشق مدير الهيئة الناظمة للاتصالات، صرح أيضاً عن الجانب الآخر الذي يُقلق السوريين من التعديلات القادمة، فقال: إن موضوع حجب مكالمات الصوت والفيديو قيد الدراسة، معللاً بأن التطبيقات التي تعرف بـ OTT تتيح لجميع مستخدمي هذه الخدمات الوصول إلى الاتصال الصوتي والمرئي من دون مقابل. وهذا بدوره يؤثر على إيرادات شركات الاتصالات المرخص لها.
معبراً بصراحة عن دوافع مثل هذه الإجراءات، المنطلقة من ضغط ومصالح أرباح هؤلاء، التي يقض مضجعها، الإنترنت الرخيص والمكالمات المجانية.
وعوضاً عن «بعزقة» مكالمات الوتس أب المجانية، والحديث المفتوح ضمن تكلفة باقة ADSL. ستصبح الأسرة السورية التي تريد أن تتكلم 5 دقائق يومياً مع مغترب في ألمانيا عليها أن تدفع لسيريتل أو أم تي أن قرابة 5000 ليرة شهرياً. وبهذه الحالة، فإن القائمين على الاتصالات يبرؤون ضميرهم تجاه «الظلم الواقع» على شركات الاتصالات الخليوية، من الاتصالات المجانية التي يقوم بها المواطنون على التطبيقات المختلفة.

الوصول إلى الإنترنت مؤشر تنموي «كتير علينا»

أخيراً وليس آخراً، تعتبر إمكانية الوصول إلى الإنترنت، ونسبتها للدخل، واحدةً من المؤشرات التنموية لدى الأمم المتحدة. وإذا ما كانت نسبة 30% من السوريين يحصلون على الإنترنت في عام 2015 وفق تقديرات البنك الدولي، وأقل من وسطي المسجل في المنطقة البالغ 44% من السكان، فإن هذه النسبة لن تستمر بالمستوى ذاته بعد التعديلات الحكومية.
السوريون أصبحوا في أدنى قوائم مؤشرات التنمية: من حيث الفقر، ونسبة البطالة، وسوء التغذية، ومعدل العمر الوسطي، ومعدل وفيات المواليد، وحصة الفرد من الإنفاق على الصحة، ومستوى الإنفاق على التعليم، ونسبة التسرب من المدارس، ومعدلات الدخول إلى المدارس الثانوية، وغيرها الكثير...
ولا يعقل أن يبقى مؤشر الوصول إلى الإنترنت في الحد المتوسط، إذ من المنطقي أن يلتحق بباقي المؤشرات ويتدهور، الأمر الذي سيتم بعد الرفع المذكور.
فكل ارتفاع في مؤشر تنموي، يعني أن الأغلبية من الناس يحصلون على ميزات أو خدمات بتكاليف منخفضة، وهذا لا يتوافق مع نموذج العنف الاقتصادي السوري، الذي يضع هدفاً محدداً: بالشفط من بقايا ما تبقى لدى الأغلبية، وصبّه لدى القلة الأغنى في سلم الثروات والدخل الاجتماعي.

إن تكلفة اتصال صوتي دولي لمدة خمس دقائق يومية في شركة سيريتل يعني 5000 ليرة شهرياً ويعادل تكلفة باقة 4 ميغا adsl الآن التي تتيح وقتاً مفتوحاً للاتصال الصوتي أو الفيديو.

آخر تعديل على الثلاثاء, 23 تشرين1/أكتوير 2018 20:00