هل ينفع (الصبر)  لزيادة الأجور؟!

هل ينفع (الصبر) لزيادة الأجور؟!

تقف الحكومة أمام مطالب زيادة الأجور، بكل ما لديها من برود لتنصح العاملين (بالتروي)... وبأن ينتظروا الفرج المرتقب من زيادة الناتج السوري التدريجي، الذي سيزيد التشغيل بدوره، وبالتالي فرص العمل، مما يزيد الطلب على قوة العمل، ولترتفع الأجور لاحقاً....

 

هل فعلاً يكفي أن يزيد الناتج لتزيد الأجور؟ وهل ستنفع رؤية الحكومة للطريق الطويل لزيادة الأجور؟
المشكلة أن زيادة الأجور فعلاً، ليست بيد الحكومة... بل حصة الأجور تسنها قوانين السوق، تلك القوانين التي تخضع لها القرارات الحكومية أيضاً.
طرفان وجهاً لوجه
يتواجه في السوق طرفان غير متعادلين، الأول: القلة ممن يملكون الثروة: منشآت وعقارات وأسواق وقطاعات بأكملها، والثاني هو: ملايين ممن يملكون قوة عملهم فقط، ويبيعونها للأوائل مقابل الأجر، ليحصل مالكو السوق ورأسماله على الربح.
أي: كما قلنا وكررنا: إن كل ما ينتج في السوق من بضاعة وخدمات مفيدة جديدة خلال عام، تتوزع قيمته أولاً بين طرفي السوق هؤلاء: حصة للأرباح وحصة للأجور. وفي ظل مستويات توزيع الدخل السوري، هل ستؤدي حكماً زيادة الناتج، إلى زيادة الأجور؟
سنطرح هنا أمثلة رقمية قريبة من الأرقام التقديرية السورية حالياً، ولكن الغاية منها توضيح النتائج الرقمية، والطرق الاحتمالية لزيادة الأجور.
43 ألفاً الحصة الوسطية
هل تتغير؟!
نبدأ من افتراض، أن الدخل المنتج في عام بلغ على سبيل المثال: 20 مليار دولار، وهو عملياً يتوزع بشكل تقريبي: 85% للأرباح، و15% للأجور. أي: حوالي: 16 مليار دولار خلال سنة للمالكين الكبار، مقابل 3 مليار دولار للملايين من العاملين بأجر.
فإن كان عدد هؤلاء العاملين كما تقدر الجهات الدولية: 2,6 مليون عامل، فإن كلاً منهم يحصل سنوياً على: 1150 دولاراً أجراً، أي: حوالي 43 ألف ليرة بالشهر، إذا ما أخذنا سعر الصرف 450 ليرة.
ماذا لو زاد الناتج؟
فإذا ما كانت الأجور ستزداد فينبغي، أولاً: أن تزداد الـ 20 مليار دولار، أي الناتج الإجمالي، ويصبح 25 مليار دولار فرضاً... أي: أن يتضاعف الناتج بمقدار الربع خلال فترة زمنية معينة.
وعندها، وبفرض بقاء التوزيع كما هو، فإن حصة العاملين بأجر أي: الـ 15% تصبح: 3,8 مليار دولار. فإذا بقي عدد العاملين ذاته لم يتغير 2,6 مليون عامل، فإن الأجور حينها تزداد أي: تصبح حصة العامل الشهرية: 55 ألف ليرة بالشهر! وإذا كانت الأسعار لم ترتفع فإن هذه الزيادة تصبح زيادة حقيقية بمقدار 12 ألف ليرة، وبنسبة 27%، تؤمن للعامل فائضاً ما، ليلبي حاجات جديدة، فيحسن نوع غذاء أسرته ولباسهم على سبيل المثال!
ولكن هل هذه الفرضية منطقية؟ وهل يمكن أن يزيد الناتج بمقدار الربع، دون أن يزيد عدد العمال؟! بالطبع لا... فمن المستحيل أن يزداد الناتج بهذه النسبة، دون زيادة في عدد العمال، فكيف ستنتج بضاعة إضافية، وتقدم خدمات إضافية، إن لم يكن هناك عمال إضافيون لإنتاجها؟! فالناتج الجديد لا يُخلق إلا بواسطة عمل جديد. أو بمستوى تكنولوجي مرتفع يعوض عن ربع عمل العمال الحاليين، وهذا مستحيل في الظروف السورية.
وإذا ما زاد عدد العمال المشتغلين بمقدار الربع فرضاً، أي: من 2,6 مليون عامل، أصبحوا 3,2 مليون... فإن حصة العامل الوسطية، أي: أجره الوسطي بعد زيادة الناتج بمقدار الربع تبقى: 43 ألف ليرة تقريباً! أي: لا يتغير الأجر الوسطي للعامل.
وتحديداً طالما أنه بتشغيل 3,2 مليون عامل، يتبقى حوالي 900 ألف عاطل عن العمل، هذا عدا عن حوالي 6 مليون ممن هم في عمر العمل، ومعطلين، أي: غير قادرين على المشاركة في النشاط الاقتصادي لأسباب متعددة، وهؤلاء كلهم تستخدمهم السوق للضغط على العاملين، بوجود فائض عمالة، لا يسمح بارتفاع في سعر قوة العمل، أي: الأجور. فإن لم ترغب بالعمل بمستوى الأجر الموجود، فهناك الملايين سواك!
ماذا لو انخفضت الأسعار؟
البعض يقول: إن الأجور ستزداد بشكل غير مباشر، عندما تنخفض الأسعار مع تحسن الناتج، وزيادة كميات السلع المنتجة في السوق السورية، وهذه المقولة صحيحة أيضاً، ولكنها أيضاً مشروطة.
بالفعل عندما يزداد الناتج، وكما في مثالنا الافتراضي بنسبة الربع، فإن هذا يؤدي إلى زيادة في قيمة العملة وانخفاضاً في الأسعار، بنسبة تصل إلى 20% لتزداد القدرة الشرائية للأجر بالمقدار ذاته، أي: تصبح حوالي 9 آلاف ليرة من الـ 43 ألف ليرة أجر وسطي، إضافة حقيقية.
ولكن هذا أيضاً مشروط... بشروط نقدية ومالية، لن نفصّلها كثيراً، ولكن نقول: إنه يجب ألّا تقوم الحكومة بطباعة المزيد من النقود، وألّا توسع تمويل العمليات والقطاعات الخدمية غير الإنتاجية، والقابلة للمضاربة التي ترفع الأسعار كالعقارات، ويجب ألّا يزيد النشاط الإقراضي التمويلي إلى حدّ يسرع من دوران النقود، بأعلى من الحد المطلوب، لأن هذا يؤدي أيضاً إلى التضخم، أي: إلى ارتفاع الأسعار. أي: يجب أن تخلق فعلياً سلعاً ومنتجاتٍ جديدة وخدمات حقيقية في سورية، لا أن تتحول الأموال إلى العقارات والبنوك والخدمات.
إن عملية تخفيض الأسعار عملية من الصعب أن تتم وفق متغيرات السوق فقط، لأن ارتفاع الأسعار هو مكسب لأصحاب الربح، يدافعون عنه بقوة، وحتى لو تغيرت الظروف الموضوعية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، فمن الصعب أن تعود إلى مستوياتها السابقة، وتلقى مقاومة عالية. وعادة ما تلجأ قوى السوق، إذا ما اضطرت لتخفيض الأسعار، مع ارتفاع قيمة العملة، إلى تخفيض سعر الأجور كذلك الأمر، باعتبار أن قوة العمل أيضاً سلعة من سلع السوق... يتغير سعرها مع تغير الأسعار، فإذا ما ارتفعت الأسعار فإنها تكون آخر السلع التي ترتفع، وقد لا يرتفع سعرها، كما حدث في سورية خلال الأزمة، أما إذا انخفضت فقد تكون أول الأسعار المنخفضة!
وإذا ما افترضنا أن الأسعار انخفضت كما في مثالنا بنسبة 20% أو أكثر، وتحققت الشروط المذكورة، ولم تنخفض الأجور، فإن هذا لن يحل المشكلة في الحالة السورية، بسبب الفرق الكبير بين وسطي الأجور، وبين متطلبات المعيشة! حيث تحتاج الأجور حالياً أن تتضاعف أكثر من 8 مرات لتصبح أجوراً حقيقية، يستطيع العامل أن يؤمن بها حاجاته وحاجات أسرته الأساسية.
إن الطريق الطويل لزيادة الأجور السورية، عبر انتظار الفرج، وزيادة الناتج والتشغيل، قد تؤدي فعلياً إلى زيادة الأجور، وانخفاض الأسعار... ولكن مقابل شروط عدّة: زيادات كبرى وسريعة بالناتج، لا تنتج إلّا عن استثمارات كبرى، وأن تكون هذه الاستثمارات تنتج ولا تسمسر وتضخم الأسعار، وغيرها. وهو طريق غير مضمون النتائج تماماً: ولن يستطيع أن يحقق المطلوب فعلياً، أي: زيادة الأجور 8 أضعاف، لتلبي الحاجات الفعلية، أو تخفيض مستوى الأسعار بالمقدار ذاته! إن وضع الأجور في سورية هو وضع استثنائي من حيث السوء، ومتدنٍ إلى حد بعيد. ولا يمكن أن يوضع على طاولة الحل، وسط المحافظة على قوانين السوق، وتوازناتها، والحصة الهائلة للأرباح! فالأجور لا يمكن أن تزداد جدياً، إلا إذا أخذت من حصة الأرباح، وغيّرت توزيع الدخل السوري الجائر. وهذا لا يمكن أن يتم برضى أصحاب الأرباح... بل بقوة أصحاب الأجور.

آخر تعديل على الإثنين, 12 آذار/مارس 2018 19:35