هل ستضرب الصين سندات الخزينة الأمريكية؟
تمتلك الصين 1 تريليون دولار من سندات الخزينة الأمريكية، وهي بهذا تمتلك سلاحياً مالياً في مواجهة الولايات المتحدة، وتستطيع أن تحدد مصير هذه السندات إذا ما قامت ببيعها بكميات كبيرة في الأسواق. هذا الاحتمال الذي يؤدي لخسائر هائلة للنظام المالي العالمي الدولاري، هو محل بحث بعد تسريبات عن نية الصين بالقيام بهذا...
إيفان دانلوف- سبوتنيك
قد تفكر الصين بتقليص محفظتها من السندات الأمريكية في رد على تهديدات ترامب التجارية، ولكن هل تستطيع فعلاً إيلام سوق السندات الأمريكية، وبالتالي إسقاط الدولار.
صدر تقرير إخباري غير مؤكد عن وكالة بلومبرغ، يتحدث عن إيقاف الصين شراءها لسندات الخزينة الأمريكية بشكل تدريجي... وقد هزّ هذا الأسواق العالمية، مظهراً مدى هشاشة النظام المالي العالمي، وأعاد إلى الأذهان الأحاديث السابقة عن مدى ضعف السندات الأمريكية في مواجهة (الأفعال العدائية) الصينية. حيث أن الحجم الكبير من الاحتياطي الصيني الموجود على شكل سندات خزينة أمريكية، يمكن أن يكون سلاحاً مالياً ضد سوق السندات الأمريكية، وبالتالي ضد الدولار.
الصين تنفي... ولكن
انتهى الذعر قصير الأمد في أسواق التبادل العالمية، وفي سوق السندات الأمريكية، بعد أن أصدرت الإدارة المركزية للقطع الأجنبي الصينية (SAFE) تصريحاً حاد اللهجة، أعلنت به أن تقرير بلومبروغ ما هو إلا: (معلومات ملفقة).
المسؤولون الأمريكيون، وبعض الخبراء الماليين، بدأوا بحملة هوجاء ليعيدوا للمستثمرين الثقة والتأكد بأن الصين لا يمكن، وبأي حال أن تؤذي النظام المالي الأمريكي، وسعر سندات الدولار الأمريكية.
ولكن بالمقابل يعتقد خبراء آخرون بأن التقرير المسرب، إشارة إنذار أُطلقت لتجعل دونالد ترامب أقل قدرة على الانخراط في حرب تجارية واسعة على الصين. وبهذه الحالة من الذي يمكن تصديقه أكثر الخبراء والمسؤولون الأمريكيون الذين يؤكدون بأن كل شيء على ما يرام، وأن هذا الخطر لا يمكن أن يحدث، أم السوق التي اهتزت بشكل حاد لمجرد خبر ملفق؟
الأمريكيون: لا بديل عن سندات الدولار
الاتجاه السائد في الرد على هذه المخاطر، قائم على القول بأنه مهما فعلت الصين باحتياطياتها من سندات الخزينة الأمريكية، فإن السندات الأمريكية، والدولار سيبقيان بخير، تحديداً لوجود مشترين آخرين لهذه السندات. ولأن هذه السندات قوية يمكن إعادة تحفيزها وحمايتها عبر البنك الفيدرالي الأمريكي.
وفي تعليق لدايفيد ماكباس نائب وزير المالية الأمريكي للشؤون الخارجية حول الحدث، أكد مطمئناً بأنه لا مجال للمقارنة بين السندات الأمريكية، وأي احتياطي آخر من حيث السيولة ومن حيث القوة، ما يعطيها حماية.
حيث قال: (إن أسواق السندات الأمريكية عبر العالم، عميقة القوة، ونحن واثقون بأن اقتصادنا، وقوته ستبقي هذا العمق، وهذه القوة للسندات).
آلان روسكين مدير استراتيجية تبادل العملات بين مجموعة العشرة الكبار في بنك دويتشه بنك الألماني، التقى مع تصريحات المالية الأمريكية، وأضاف إلى أن العديد من المؤشرات تدل على أن (عواء الصين لن يصل إلى العض)!
تُبنى مثل هذه التعليقات المسيئة، على فكرة سائدة بأنه ما من بديل منطقي تستبدل به الصين احتياطيها الهائل، لتحوله من السندات الأمريكية إلى شيء آخر. فيعتبر البعض بأنه حتى لو أصبحت السندات الأمريكية أقل جاذبية للمستثمرين، فإنها لا تزال أفضل من أي خيار ثان بديل. والبعض الآخر يعتقد بأن الصين ستكون كمن يطلق النار على قدمه، إذا ما لجأت إلى بيع سندات الخزينة التي تملكها، لأن البدء بعملية بيع كبيرة لمحفظتها الدولارية البالغة 1 تريليون دولار (ألف مليار)، لن يستكمل إلا وقد حققت الصين خسارات كبرى، لأن هذا الدفع الكبير بالسندات الأمريكية إلى السوق، سيخفض من سعرها، وسيجعل بيع الصين خاسراً.
وبناء عليه يفترضون أن إدارة الاحتياطي الصيني عقلانية، ولن تُحمّل نفسها مخاطر بيع الاحتياطيات الأمريكية.
المسألة ليست اقتصادية فقط
هناك العديد من المشاكل في هذه الطريقة في التفكير. ويخالفها بعض الخبراء الآخرون فعلى سبيل المثال مارك كابانا، مدير الاستراتيجية الأمريكية قصيرة الأمد في بنك ميريل لنش الأمريكي، يعتقد بأن لدى الصين بدائل أخرى عدا عن سندات الدولار. حيث يقول: (إننا كمدراء احتياطي نعلم جميعاً بأن السندات الأمريكية ليست مغرية إلى هذا الحد. لو كنت الصين، فلن يكون لديك العديد من الخيارات، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يستطيعون أن ينوعوا احتياطياتهم لتشمل اليورو على سبيل المثال أكثر من الدولار). بكل الأحوال فإن احتمالية هذا التحول في الاحتياطيات الصيني سيكون سياسياً، وليس اقتصادياً، وهو ما يقلل من أهمية ما قد ينتج عنه من خسائر اقتصادية للصين من عمليات البيع، حيث من الواضح أنه في العلاقات الصينية- الأمريكية، تسبق الضرورات السياسية كل الاعتبارات الأخرى. لذلك فإن (تحطيم) الصين لسوق السندات الأمريكية من أجل غاية سياسية، يجب أن يوضع كاستراتيجية صينية متوقعة عند عتبة معينة.
وبالرغم من أن الإدارة الصينية، قد (وبخّت) وكالة بلومبرغ التي نقلت الخبر، فإن من أطلق الشرارة عبر الخبر، أراد أن يذكّر بأن الصين هي الحائز الأكبر على سندات الخزينة الأمريكية، وهي عملياً البنك الذي يمول الجزء الأهم من العجز الأمريكي.
ويأتي هذا التذكير في الوقت الذي يعاني فيه البيت الأبيض من ضعف شديد تجاه مسألة العجز الأمريكي، وتحديداً لأن التعديلات الضريبية وفق خطة إدارة ترامب، ستكلف العجز الأمريكي 1 تريليون دولار إضافي خلال العقد القادم.
السندات لم تعد الاستثمار الأكثر أمناً
إن العجز المتزايد يجب أن يمول بإصدار المزيد من سندات الخزينة، وإذا ما بدأت الصين ببيع سنداتها، فإن المالية الامريكية يجب عليها أن ترفع عائدات هذه السندات لتحافظ على جاذبيتها الاستثمارية، وتمنع انهيارها. وهو ما يعني زيادة الفوائد التي يجب أن تدفعها الحكومة الأمريكية لمقرضيها، وزيادة تكاليف خدمات الدين.
النقطة الأهم هي أن الصين إذا ما فعلت هذا فإنها بتخفيضها لأسعار وقيمة سندات الخزينة الأمريكية، فإنها ستقلل قيمة الاحتياطيات العالمية لكل المستثمرين والدول عبر العالم، الذي قد يلجؤون أيضاً إلى بيع سنداتهم مع هذا التخفيض، في سلسلة سيكون من الصعب إيقافها.
حتى لو اندفع الفيدرالي الأمريكي لحماية السندات، فإن صورة السندات الأمريكية باعتبارها: (الاستثمار الأكثر أمناً عبر العالم)، ستتأذى لحد بعيد. وبكل الأحوال فإن الصين ستخسر أقل مما قد يخسره الآخرون جميعاً.