مساعدات الصين التنموية... تنموية فعلاً

مساعدات الصين التنموية... تنموية فعلاً

الصين تقود التنمية عالمياً من خلال مساعداتها التنموية بأشكالها المختلفة من قروضٍ ومنحٍ، وذلك في إطار التعاون بين بلدان الجنوب لدعم ومساعدة البلدان النامية ولاسيما الأقل نمواً.


فيما يلي نقدم قراءة لمجوعة من الأبحاث حول مساعدات التنمية الصينية: استخداماتها، توزعها القطاعي والجغرافي، أهميتها بالنسبة للبلدان النامية..
بدأ برنامج المساعدات الخارجية الصينية منذ عام 1950 واستمر في التوسع حتى أصبحت الصين منذ عام 2011 في المرتبة الأولى عالمياً بتمويل التنمية، التمويل الذي يلتزم بعدم فرض أية شروط سياسية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المتلقية، والاحترام الكامل لحقها في الاختيار المستقل لمساراتها ونماذجها التنموية الخاصة، بما يحقق المنفعة والربح المشترك.
كان ذلك مقابل تراجع التمويل التنموي الغربي، بعد الإخفاقات التنموية في العديد من البلدان النامية، لذلك النمط من التمويل المشروط بوصفات التغيير الهيكلي والاشتراطات الاقتصادية.
وفقاً لتصنيف منظمة التعاون الاقتصادي (OECD) فإن تمويل التنمية عالمياً بقسمه الرسمي ينقسم إلى، أولاً: المساعدات الإنمائية الرسمية (ODA) التي تشمل المنح (المساعدات المجانية)، والقروض بشروط ميسرة أي: أن يتضمن القرض عنصر منح لا يقل عن 25%.
وثانياً: التدفقات الرسمية الأخرى ( OOF) مثل: ائتمانات التصدير، والقروض المقدمة بشروط غير ميسرة، عنصر المنح فيها أقل من 25%، تمويل الشركات في البلدان المتلقية.  
أما بالنسبة للصين، فهي تقدم أنواع مساعدات متعددة: المنح_ قروض بدون فائدة_ القروض الميسرة (معدلات فائدة منخفضة وثابتة) ضمن ما يسمى المساعدات الإنمائية الرسمية، بالإضافة لأنواع تدفقات رسمية أخرى، والتي تستحوذ على القسم الأكبر من التمويل الصيني.

تمويل التنمية بقاطرة صينية
بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 بدأ التمويل التنموي الغربي بقيادة الولايات المتحدة بالانحسار، مقابل التوسع الصيني، لتبدأ منذ عام 2011 مرحلة جديدة من تمويل التنمية عالمياً، حيث تجاوزات الالتزامات الصينية بشقيها (ODA-OOF) ما تقدمه الولايات المتحدة وفقاً للجدول، حيث بلغ إجمالي التمويل الرسمي الصيني خلال الفترة 2000-2014: 354 مليار دولار مقابل 394 مليار دولار من الولايات المتحدة.

الطريق إلى التنمية عبر مشاريع البنية التحتية
المساعدات التنموية الرسمية المقدمة من الصين كنموذج خلال عام 2009 بلغت حوالي 38 مليار دولار، وفقاً للبيانات الصادرة عن مجلس الدولة الصيني. وكانت تتوزع بين 41% منح كاملة بقيمة 15.6 مليار دولار تقدم لمساعدة البلدان المتلقية على بناء مشاريع الرعاية الاجتماعية الصغيرة، أو المتوسطة الحجم، ولتمويل التعاون في مجال تنمية الموارد البشرية والتعاون التقني والمساعدة المادية والمساعدة الإنسانية الطارئة.
أما القروض دون فوائد فتشكل نسبتها 30% من المساعدات الصينية وبقيمة 11,3 مليار دولار للمساعدة على بناء المرافق العامة وإطلاق المشاريع التي تهدف لتحسين معيشة السكان.
القروض الميسرة نسبتها 29% بقيمة 10,8 مليار دولار مقدمة من قبل بنك التصدير والاستيراد الصيني بمعدلات فائدة بين 2-3% فترة سداد بين 15-20 عام وفترة سماح بين 5-7 سنوات وتستخدم للمشاريع الكبيرة فقط. حيث الحد الأدنى للتمويل هو 2,4 مليون دولار. وتعتمد على استخدام كبير للسلع والمعدات الصينية وتركز على مشاريع التصنيع ومشاريع البنية التحتية الكبيرة والمتوسطة الحجم ذات الفوائد الاقتصادية والاجتماعية.
 ازدادت خلال الفترة 2010-2012 حصة القروض الميسرة من إجمالي مساعدات التنمية الصينية، لتعكس التركيز الصيني على المشاريع الإقتصادية الإنتاجية الكبيرة، فقد بلغت القروض الميسرة التي قدمتها الصين 8,1 مليار دولار بما يشكل  55,7% من إجمالي حجم المساعدات في الفترة ذاتها.
المساعدات الصينية تركز على مشاريع البنية التحتية التي يعتبرها الصينيون الأساس في عملية التنمية بما يحقق المنفعة المشتركة، حيث يردد الصينيون مقولة: (لتصبح غنياً ابنِ طريقاً»، لتأتي الصناعة في المرتبة الثانية، تليها الطاقة وتنمية الموارد.
 في المقابل تتركز حوالي 93% من المساعدات الأمريكية في قطاع الخدمات الاجتماعية (مياه، صحة، صرف صحي، تعليم).

التوزيع الجغرافي للمساعدات الخارجية الصينية :
تغطي المساعدات الصينية 140 دولة وإقليماً، حيث تستحوذ القارة الإفريقية على الحصة الأكبر من مساعدات التنمية الصينية بنسبة 46%، تليها آسيا بنسبة 33%، أمريكا الجنوبية والكاريبي 13%.
بينما توزعها على البلدان حسب مستويات الدخل: 39,7% للبلدان الأقل تنمية ودخلاً، 23,4% للبلدان المنخفضة الدخل، و19,9 % للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وأخيراً: 11% للبلدان متوسطة وعالية الدخل.

 

المساعدة على الانخراط في التجارة الدولية
خلال فترة 2010-2012 ساعدت الصين في بناء 90 مشروعاً للبنى التحتية الكبيرة والمتوسطة الحجم، وتحسين النقل بشكل فعال في مجال التجارة الخارجية في البلدان النامية، وتعزيز اتصالها مع المناطق الأخرى، بالإضافة إلى تقديم معدات تفتيش للسلع ووسائل النقل وغيرها من اللوازم والمعدات المتصلة بالتجارة. واعتمدت التعريفة الجمركية الصفرية في التعامل مع هذه الدول، ودعمت مشاركتها في النظام التجاري متعدد الأطراف، ففي 2011 أعلن الرئيس الصيني: إن الصين ستقدم معاملة جمركية صفرية على 97%  من البنود الخاضعة للضريبة للصادرات من الدول الأقل نمواً: التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين. وفي حلول نهاية عام 2012، كان حوالي 5000 فئة من السلع الأساسية الخاضعة للضريبة تصدر إلى الصين من أقل البلدان نمواً تتمتع بمعاملة جمركية صفرية. مما جعل الصينيين منذ عام 2008، أكبر سوق لصادرات البلدان الأقل نمواً.

نماذج من التمويل الصيني في إفريقيا
من خلال استعراض نماذج من التمويل التنموي الصيني في إفريقيا، تظهر المفارقات بينها وبين مثيلاتها من الشركات الغربية، من حيث التكلفة والجدوى.
غانا: انخفاض التكاليف..القروض المدعومة بالسلع
في عام 2007 تم توقيع اتفاق بين الصين وغانا على بناء محطة للطاقة الكهرومائية بطاقة 400 ميغاواط على سد بوي في غانا، من خلال قرضين منفصلين من بنك التصدير والاستيراد الصيني، الأول: لشراء المعدات الصينية بقيمة 292 مليون دولار، والثاني: بقيمة 270 مليون دولار بسعر فائدة ثابتة قدرها 2% (قرضاً بشروط ميسرة).
أما سداد القرض فيكون من خلال مبيعات  تصدير حبوب الكاكو للصين بمعدل 40 ألف طن سنوياً خلال فترة القرض المحددة بـ 20 عاماً، وتم الاتفاق أن الإيراد الصافي من مبيعات الكهرباء سيوضع في حساب لضمان المساعدة على سداد القرض. حيث  إن سعر الكهرباء المستقبلية ستتراوح بين 3,5-5,5 سنتاً للكيلو واط الساعي، في المقابل كان وسطي تعرفة الكهرباء في إفريقيا وفقاً للبنك الدولي 13 سنتاً للكيلو واط الساعي، وبالتالي، إن المشروع سيخفض التكلفة إلى أكثر من الضعف.

الكونغو: الحلول الصينية مقابل عقبات التمويل
خلال الفترة 2007-2008  تم الاتفاق على تقديم حزمة تنموية بقيمة 6,2 مليار دولار لجهورية الكونغو الديمقراطية، قرض لمشاريع البنية التحتية وإعادة البناء بقيمة 3 مليار دولار، بالإضافة إلى 3,2 مليار دولار لمشروع التعدين المشترك (منجم النحاس والكوبالت) منها 1,1 مليار قرضاً دون فوائد، 2,1 مليار دولار قرض بسعر فائدة متغير قدره 6,1%.
شمل قرض البنية التحتية : 3402 كم من الطرق المعبدة، وبناء وتأهيل 3213 كم من السكك الحديدة، وبناء وتجهيز 145 مركزاً صحياً، 31 مشفى، و5000 وحدة سكنية منخفضة التكلفة، وجامعتين، وغيرها من المشاريع.
التنفيذ كان من خلال شركة مشتركة (شركة سيكومينس)، الموزعة 32% للكونغو_ و68% للشركات الصينية، وستستخدم الأرباح من استثمار سيكومينس في مشروع التعدين لتسديد القروض، ولتمويل تكاليف تطوير المنجم ومشاريع البنية التحتية الأخرى.
في البداية لم يسمح لجمهورية الكونغو الديمقراطية بقبول التمويل غير الميسر، كأحد الشروط المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، ضمن  إطار القدرة على تحمل الديون، مما دفع الصين لتقديم منح بنسبة 42- 64% من قرض البنية التحية، وبالتالي إدراجه ضمن التمويل الميسر، فوفقاً لصندوق النقد الدولي أيّ قرض لبلد ما بعد مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، ينبغي أن يتضمن عنصر منح على الأقل بنسبة 35 %.
بالإضافة إلى ذلك معدلات الفائدة الصينية كانت أقل من المعدلات المقدمة من البنوك الأوروبية بين 1-2 درجة.

التشاد: البنك الدولي لا يفي بوعوده؟
وفقاً لمشروع خط أنابيب تشاد والكاميرون، الذي يدعمه البنك الدولي، كان يعلن عن نيته بناء مصفاة لتكرير النفط، هذه الخطوط تنقل النفط الخام من التشاد إلى الخارج، في المقابل تستورد التشاد احتياجاتها النفطية مكررة جميعها، وعلى الرغم من ذلك لم يفِ البنك الدولي في وعوده. مما دفع الصين لبناء أول مصفاة بترول في تشاد كمشروع مشترك، تتوزع الملكية (60% للصين،40% تشاد)، وفقاً لوزير المالية والميزانية التشادية الذي قال: (لو قدمنا هذا الطلب إلى شركائنا التقليديين، لقالوا لنا بالتأكيد تخلوا عن هذه الفكرة).



41% شكلت المنح الكاملة نسبة 41% من المساعدات التنموية الصينية في عام 2009، بينما شكلت القروض دون فائدة نسبة 30%، وبمبالغ مجموعها 27 مليار دولار تقريباً خلال سنة واحدة.

61% تشكل حصة تمويل البنى التحتية من مساعدات التنمية الصينية ما يتراوح بين 55- 61% خلال الفترة بين 2009- 2012، بينما تشكل المساعدات الخدمية قرابة  93% من المساعدات الأمريكية العالمية.

46% من المساعدات التنموية الصينية تتجه إلى دول القارة الإفريقية، 40% من المساعدات الصينية تتجه إلى الدول الأقل دخلاً عالمياً.


هوامش:
China’s Foreign Aid, 2011,2014.
Chinese Development Aid in Africa.
China in Africa: What Can Western Donors Learn?
Aiddata.org/china

آخر تعديل على السبت, 16 كانون1/ديسمبر 2017 22:26