زيت الزيتون مجدداً.. بين الاستيراد والتصدير
الحكومة وفي سياق اهتمامها بمعيشة السوريين، أصدرت مؤخراً عبر مديرية دعم القرار برئاسة مجلس الوزراء، دراسةً لواقع أسعار السلع والمواد الأساسية، خلصت فيه إلى ارتفاع أسعار مجمل السلع والمواد الغذائية خلال عام، أي للفترة بين شباط 2017 ومثيلاتها من عام 2016.
تصدَر ارتفاع سعر زيت الزيتون القائمة الحكومية، بنسبة ارتفاع بلغت 52.6% فقط! الأسباب تعود إلى الأزمة وتراجع الإنتاج بشكل أساسي، ولتصل بعد جهد طويل إلى الحل السحري لمعالجة ارتفاع السعر وتراجع الإنتاج وهو «الاستيراد» للكميات المناسبة في الوقت المناسب. واستدعى ذلك مدَاً وجزراً بين تصريحات مسؤولي التجارة الداخلية، ففي حال استمر السعر بالارتفاع، فإن نية الاستيراد حاضرة لدى الحكومة.
محلياً زيت الزيتون يرتفع بأكثر من الضعف
بلغ سعر لتر زيت الزيتون 1700 ل.س في شباط 2017، وهو سعر الزيت في صالات التجارة الداخلية، لتبلغ نسبة ارتفاع السعر 52.6% بين شباط 2016 و2017 وفق دراسة الحكومة. في حين توفر الزيت في صالات التجارة الداخلية محدود، وفي أحيان كثيرة تكون المادة غير متوفرة. وفي مرحلة سِمتها تراجع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، فإن السوق هو من يفرض سعره وليس نشرات وصالات التجارة الداخلية. فقد ارتفع سعر لتر زيت الزيتون من 1200 ل.س في السوق خلال الربع الأول من 2016 ليصل سعره اليوم إلى حوالي 2500 ل.س لتبلغ نسبة الزيادة 108% خلال عام.
تغض الطرف عن التصدير
وتواقة للاستيراد؟
تسوّق الحكومة مجموعة من المبررات لارتفاع سعر زيت الزيتون في السوق المحلية، من تراجع الإنتاج إلى احتكار البعض، وهو الذي يجري إنتاجه محلياً، ويدخل ضمن المكونات الغذائية للاستهلاك اليومي للأسر السورية، ولكن المفارقة الكبرى لا تكمن فقط في المستويات القياسية التي وصلت إليها أسعار الزيت في السوق المحلية، بل في استمرار السماح بتصديره في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة أنها تدرس إمكانية استيراده !!
إنّ السماح بتصدير منتج محلي غير فائض عن حاجة السوق المحلية سيؤدي حتماً لارتفاع الأسعار، فقد رفعت عمليات التصدير في ظل احتكار قلة من التجار لتسويق هذه المادة، سواءً للسوق الداخلية أو الخارجية أسعار زيت الزيتون ليصل سعر الكغ إلى 2500 ل.س وبالتالي إلى مستوى أصبح يفوق قدرات السوريين على توفير هذه المادة.
سعر المستهلك أعلى من السعر العالمي والتصدير معاً!
ما زالت سورية تصدر زيت الزيتون، وأسعاره في تصاعد مستمر بما يفوق قدرات المستهلكين، والحكومة تدرس إمكانية الاستيراد لتوفير المادة وتخفيض أسعارها.
ومن خلال قراءة بيانات التصدير في ظل مستويات الأسعار المحلية والعالمية، يمكن تحديد من هو المستفيد من مجمل عملية التصدير.
إن سعر لتر زيت الزيتون المعد للتصدير بلغ حوالي 3.5 يورو وهو ما يعادل 1950 ل.س على أساس 558 سعر صرف الليرة مقابل اليورو خلال آذار- 2017.
بينما يجري بيعه في السوق المحلية بسعر 2500 ل.س للتر وهو ما يعادل حوالي 4.5 يورو.
وعليه فإن السعر في السوق المحلية أعلى بـ 28% من السعر الذي يجري التصدير به، وذلك بفعل الآلية المعتادة حيث يلجأ تجار الزيت إلى جمع وتخزين الزيت من المنتجين مع بداية كل موسم بأسعار التكلفة، وأحياناً بأقل من التكلفة بفعل موقعهم الاحتكاري لتبدأ بعدها عملية رفع الأسعار.
أما على مستوى الأسعار العالمية، فإن سعر الطن من زيت الزيتون يبلغ حوالي 4,155 يورو وفق مستويات أسعار شباط – 2017، وبالتالي سعر الكغ حوالي 4.1 يورو، وهو ما يعادل حوالي 2290 ل.س وفقاً لسعر الصرف 558 ليرة مقابل اليورو.
لنخلص إلى نتيجة مفادها: إن المستهلك المحلي يدفع مقابل الحصول على الكغ من زيت الزيتون المنتج محلياً سعراً أعلى بنسبة 10% من مستويات الأسعار العالمية، وسعراً أعلى بنسبة 28% من السعر الذي يجري بموجبه تصدير زيت الزيتون للخارج.
بالمقابل فقد انخفض الهامش بين سعر التصدير المحلي، والسعر العالمي من 65% خلال النصف الثاني لعام 2016 إلى حوالي 17% وفقاً لأسعار التصدير الحالية.
إن المقارنة بين ما يدفعه المستهلك المحلي، مقابل الحصول على الكغ من زيت الزيتون، مع الأسعار التي يجري التصدير بموجبها من جهة، ومع مستويات الأسعار العالمية، يظهر مدى المتاجرة بقوت وجوع السوريين الذي يشترك به المحتكرون من تجار السوق الداخلية وتجار التصدير.
دعم تجار التصدير بإلغاء
تعهد إعادة القطع
استجابت الحكومة لطلب تجار التصدير بإلغاء تعهد قطع التصدير وفق قرار مجلس الوزاء بتاريخ 14/03/2017، ضمن ما اصطلح على تسميتة سياسة دعم وتشجيع الصادرات، بما يعنيه القرار من ضياع للقطع الأجنبي لصالح كبار تجار التصدير، لينخفض الهامش بين أسعار التصدير والأسعار العالمية ضمن فواتير المصدرين.
إن توفير زيت الزيتون وغيره من المواد بأسعار تتوافق وإمكانيات استهلاك السوريين لا يكون عن طريق الاستيراد الأمر الذي سيقود إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، وإنما يكون بإيقاف التصدير وجعل حاجات السوق المحلية أولاً، وليس مصالح كبار التجار والمحتكرين، وبتدخل الدولة عبر مؤسساتها المختلفة لدعم المنتجين من خلال شراء وتخزين وتسويق الزيت، وهذا ينطبق على باقي المواد الاستهلاكية الأساسية
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 804