جهينة جهينة

أثر ارتفاع الأسعار على الواقع المعيشي

48% من العائلات وضعها المعيشي في تراجع مستمر.. و42% منها وضعها المعيشي متدهور
94% من العائلات لجأت إلى التقشف لتقليص النفقات إلى حدود أدنى من الدنيا لتوازي الدخل المتاح
36% من مجموع العائلات يعمل معيلها في عمل إضافي (7% منهم عمل ليلي، 39% أعمال حرة، 44% وظيفة ثانية)..

الحكومة تبرر… مجلس الشعب يعتبر الموضوع منتهياً… الصحف ـ بعضها ـ ينتقد ردود الأفعال هذه… جاءت رداً على ارتفاع أسعار العديد من السلع مع أن تصر يحات الحكومة على لسان وزير المالية أكدت ـ في البداية ـ أنه لن تكون هناك زيادة في الأعباء المعيشية على المواطن.
فورة ردود الأفعال هذه لم تنته مع فورة الأسعار التي انتهت مؤقتاً، والأولى مازالت تتفاعل، أما  الأسعار فتستمر بالصعود بعيداً عن حدود رقابة وزارة التموين .

أما ردة الفعل التي لم تول الاهتمام الكافي فهي ردة فعل المواطن الذي لم يكن له «لا حول ولاقوة» فيما جرى كله فما هو رأي هذا «المواطن»؟.

كيف يتدبر المواطنون أمرهم؟
94% من العائلات لجأت إلى التقشف لتقليص النفقات إلى حدود أدنى من الدنيا لتوازي الدخل المتاح، والمشكلة أن هذه العائلات مازالت تنتقل من تقشف إلى أخر إلى أن وصلت إلى حد غير محمول لهذا «التقشف» في الطعام واللباس والخدمات ووسائل الترفيه المتاحة.
من أجل التوضيح فإن هؤلاء لم يفكروا بأن أكل اللحمة مرة في الشهر هو تقشف، أو أن ثياب جديدة في العيد هي تقشف، أو أن عدم الذهاب خارج المنزل إلى مطعم أو مقهى هو وتقشف! فالتقشف بالنسبة لهؤلاء هو أكثر من ذلك بكثير.
ومع أن أغلبية هذه العائلات تعيش حالةتقشف ولكنها لا يمكن أن تلغي استهلاكها لمواد أساسية لكي تبقيها على قيد الحياة ويجب التأكيد على اختلاف معنى هذه الجملة عن «تجديد قوة العمل» لأن هؤلاء لا يصلون إلى حدود تجديد قوة عملهم ويستهلكون ما يسد رمقهم ويبقيهم على قيد الحياة.

أما تمويل ذلك فيتم إما عن طريق الدين أو عن طريق تأمين فرصة عمل ثانية. حيث تدين 81% من العائلات بفائدة و15% منها تعتمد على قروض المصارف كحل، وتبقى طريقة الاستدانة الاعتيادية والتي تتبعها نسبة كبيرة من العائلات وهي استجرار سلع دون تسديد القيمة من البقال، (تاجر المفرق).

و36% من مجموع العائلات يعمل معيلها في عمل إضافي، (7% منهم عمل ليلي، 39% أعمال حرة، 44% وظيفة ثانية) وبالتالي فإنه بغض النظر عن الآثار الاجتماعية والصحية والنفسية لذلك فإن الأثر الاقتصادي لتأمين الدخل الكافي لهؤلاء يعني توفير فرص عمل للعاطلين عنه.

التنسيق الفائق
لطالما عانينا من مشكلة التنسيق سواء بين الجهات العامة أو الجهات الخاصة، لكن عملية رفع الأسعار خضعت ـ ومازالت ـ لتنسيق بين كل الجهات حيث أنه مثلاً وزراة التموين رفعت أسعار بعض السلع مما أدى وبواسطة تنسيق فائق إلى رفع أسعار الكهرباء ومن ثم رفع تسعيرة سيارات الأجرة ثم رفع أسعار النقل العام في باصات البولمان.
وكل يوم تظهر جهة معينة عامة أو خاصة رغبة في التنسيق مع البقية فترفع أسعار سلعها ولا ندري إلى متى سيستمر التنسيق؟؟!

ماذا تقول يا «مواطن»؟!
نتيجة لاستطلاع  قام به أحد المراكز الاقتصادية في دمشق لـ 200 عائلة سورية يقطنون في دمشق فإن:
48% من العائلات تجد أن وضعها المعيشي في تراجع مستمر، و42% منهم لم تجد أن وضعها المعيشي في تراجع… بل وصفته بالمتدهور.
أي أن 90% من العائلات السورية غير راضية بالإجراءات المتخذة التي أثرت بشكل سلبي ومباشر على وضعها المعيشي.
أما النسبة الباقية وهي 10% فقد وصفت وضعها «بالمتحسن» ولعل هؤلاء يتقاسمون الرأي مع أحد العاملين في إحدى الوزارات الذي قال لإحدى الصحف السورية بأن وضعه قد يتحسن وهو متفائل لمجرد أن الحكومة تتحرك وتصدر قرارات هذا يعني أنها مهتمة!!
والسؤال هنا: هل يعني شيئاً للحكومة تراجع مستوى معيشة الأغلبية من مواطنيها؟ ما هو مدلول أن 90% من العائلات قد تراجعت أوضاعها المعيشية نتيجة للخطة الاقتصادية للإصلاح؟

علاقة ارتفاع الأجور بالأسعار
من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه أسعار السلع التي تعاني حمى الارتفاع المستمر، ولكن وفقاً للوضع الحالي وبحساب بسيط للعلاقة بين زيادة الرواتب وزيادة الأسعار نجد أنه:

1.  تم تعديل أسعار الموادالتموينية حسب وزارة المالية لتصبح نسب الزيادة على الشكل التالي:

البنزين الممتاز 20%

الكاز 38.5%
المازوت 37.5%
غاز البوتان 40%
الخبز 12.5%
السكر التمويني 43%
الأرز التمويني 33%
يضاف إلى ذلك زيادة تعادل 130% على فاتورة كهرباء قيمة استهلاكها 800 ل.س

أي أن المعدل الوسطي لزيادة الأسعار هو 44.3% وهذا الرقم لا يتضمن عمليات «السمسرة» التي تزيد سعر السلعة مثل بيع إسطوانة الغاز بـ 175 ل.س بدل 142 ل.س، كما لا تتضمن دخول سلع ومتغيرات جديدة دائرة ارتفاع الأسعار مثل النقل (سواء ما يتعلق بسيارات الأجرة أو البولمان). أي أنه بالرغم من إهمال هذه الأرقام التي تزيد الطين بلة فإن المستوى المعيشي للموظف قد انخفض بمقدار: 44.3 - 20= 24.3%  عما كان قبل الزيادات في الأجور والأسعار، أما العامل الذي لم تطله زيادة الرواتب فإنه سيضطر إلى دفع 44.3% زيادة شهرية لشراء احتياجاته، أي أن مستواه المعيشي قد انخفض. فمثلاً لو كان يدفع 100 ليرة لشراء مجموعة سلع وخدمات فهو سيضطر الآن لدفع 144.3 ليرة لشراء نفس السلع،وإذا لم يكن معه سوى 100 ليرة فهو بالتالي سيستغني عن 1/3 من السلع والخدمات التي يحتاجها.

وهكذا تنقسم معاناة المواطنين بين زيادة مستوى معاشي وانخفاض مستوى معيشي. وبين انخفاض مستوى معيشي لم يرافقه زيادة مستوى معاشي.

تصريحات الحكومة
صرح عدة وزراء ومسؤولين في الحكومة السورية بأن هذه الزيادات ستساهم في عملية التنمية والاستثمار والخروج بسرعة من الركود الاقتصادي من خلال ضخ قوة شرائية إضافية. ولكن بحساب بسيط نجد أن الحكومة ضخت 35487 مليون ل.س واستردت 27057 مليون ل.س (حسب حسابات وزراة المالية) أي أن الباقي الذي وزع على الأفراد هو 8430 مليون سنوياً أي ما يعادل 702.5 مليون شهرياً وإذا قسمنا ذلك على عدد سكان سورية الـ 17 مليون نسمة فإن كل فرد يطاله من الزيادة 41 ل.س شهرياً أي أنه سيطال الأسرة 200 ل.س شهرياً وفر (مع افتراض عدم ارتفاع سلع أخرى).
فهل يمكن لهذه المبالغ أن تخرج سورية من الركود وتدعم التنمية؟

تأثيرات ارتفاع الأسعار
يتوزع استهلاك المشتقات النفطية في سورية على القطاعات المختلفة كما يلي:

كهرباء    18.30%

الزراعة   5.50%

النقل       32.20%

الصناعة  21.60%

السكن     22.40%

أي أن ارتفاع سعر هذه المشتقات يؤثر وبشكل مباشر على هذه القطاعات، فهل لذلك علاقة بتشجيع الاستثمار أو بعملية التنمية؟ وحسب وزارة المالية فإن الإيرادات الإضافية المقدرة من زيادة أسعار المازوت المباع إلى القطاع الخاص هي بحدود عشرة مليارات ل.س، 22% منها ستدفعها الصناعة المحلية أي ما يقدر بـ 2.2 مليار ل.س سنوياً وهي أعباء مباشرة إضافية تتحملها الصناعة المحلية يضاف إليها الزيادة في تكلفة النقل الذي شكل أحد تكاليف الإنتاج الأساسية سواء نقل المواد الأولية إلى المعمل أو توزيع المنتج من المعمل إلى الموزعين، حيث تصل نسبة تكاليف النقل إلى 20% من تكاليف المنتج في بعض المنشآت، يضاف إليها 6 مليارات زيادة أعباء استهلاك الكهرباء، فيصل مجموع ما ستدفعه الصناعة السورية إلى ما يقارب 9 مليارات ل.س وذلك  في حال لم تجر أي زيادة في الأسعار على الموادالأولية الداخلة في كثير من الصناعات والتي يرتبط إنتاجها بالطاقة أيضاً.

فهل سيعكس السيد الصناعي تلك التكاليف إلى زيادة في الأسعار وكيف يمكن له أن ينافس في ظل التحديات التي تواجهها الصناعة المحلية.
هل يعتبر هذا الحل السحري لتنشيط دورة الإنتاج ولمعالجة مشكلة سوء توزيع الدخل الوطني وصولاً إلى تنمية حقيقية للبلاد؟؟؟

حوارات الزيادات..
فادي آمو (طالب أدب إنكليزي):

المشكلة أكبر من قضية زيادة في الأسعار، علماً أن زيادة الأسعار هي مشكلة أيضاً، فالأزمة تتمثل بوضع اقتصادي كامل وبقوانين اقتصادية مخلخلة، فمعظم القوانين التي صدرت سابقاً، استفاد منها قلة قليلة من المواطنين السوريين، يمثلون مجموعة من رؤوس الأموال، والإصلاح الاقتصادي لا يأتي بزيادة أجور يتعقبها زيادة مفاجئة  وكبيرة في الأسعار.
والإصلاح الاقتصادي المنشود يتطلب جذباً للاستثمارات وذلك ما يحكى عنه كثيراً بخلاف ما يحصل على الأرض وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، إضافة إلى أن كثيراً من القوانين الاقتصادية والإدارية، تأتي في سياق السعي للانضمام مستقبلاً  إلى منظمة التجارة العالمية،وجميعنا يعلم طبيعة هذه المنظمة، وليس طموحنا أن نكون أرجنتين أخرى.

أمجد. أ (كلية الاقتصاد):
زيادة الأسعار كانت صدمة لجميع شرائح المجتمع السوري، اللهم الثرية منها، فلم نتوقع أن تزداد الأسعار بهذه النسب المرتفعة رغم أن نسبة كبيرة من المجتمع تعيش على خطوط الفقر أو تحت خطه هناك عماء أو تعامي، رغم أننا استبشرنا خيراً بما كان يطرحه وزير المالية في شأن تحسين المستوى المعيشي للمواطنين،,نحن نطالب الحكومة بإعلان البرنامج الاقتصادي لنعلم ماهي أسباب الزيادة، ونأمل أن لا يكون لذلك علاقة باتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية، ونطالبهم بإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي علماً أننا كنا نطالب من قبل بتخفيض الأسعار، وذلك قبل الزيادة.

صافي . س (مهندس معماري):
أعتقد أن المشافي بحاجة لأسرّة جديدة، ولاسيما مشافي الأمراض النفسية والعصبية (إن وجدت) فزيادة الأسعار كانت زيادة مفاجئة، وأصبحت حديث الشارع السوري، وخاصة أنها تتعلق بسلع أساسية كالوقود والمياه والكهرباء.
والوضع الاقتصادي للناس سيزداد تردياً، فمعظم شبابنا يعملون ( مندوبي مبيعات) أو موظفين في شركات خاصة (وأنا منهم)، يكتب الموظف فيها استقالته قبل أن يعمل، وكنا نتوقع خفض الأسعار وزيادة الأجور، إلا أن زيادة الأجور لا تعني شيئاً مقابل هذه الزيادة السعرية.

- في سوق الحميدية شاب «يبسط» قرب أحد المحلات سألناه: هل سمعت بزيادة الرواتب؟

نعم، لكن أنا كما ترى لست موظفاً!

- وزيادة الأسعار؟
«اله يهديهم، بيصلحوها من هون، بيخربوها من هون»!!..

- من هم؟
أنت أدرى، أنا صاحب رزق، وكل ما أبيعه بالشهر لا يكفيني مصروف يوم وما دخلني بهالـ «الشغلات».   

معلومات إضافية

العدد رقم:
177