بين ليلة وضحاها.. زيادة في الأجور تبتلعها زيادة في الأسعار!! !
مَن يخدم مَن.. الأسعار أم الأجور؟
تصريحات حكومية:
■ الزيادة الجديدة وظفت الرواتب في عملية التنمية وترشيد الاستهلاك!!.
■ رفع الدعم جزئياً عن بعض السلع لن يؤثر سلباً على دخول العاملين والمتقاعدين!!.
■ إن زيادة الأجور لم يقابلها أي زيادة في الأعباء المعاشية!!.
■ القطاع الخاص سيكون قيادياً في المستقبل وبرنامج الإصلاح الاقتصادي سينجز قريباً!!.
تصدَّر خبر زيادة الأجور في الدولة الصفحات الأولى من الصحف المحلية الصادرة بتاريخ 14/5/2002 وقد تضمن صدور خمسة مراسيم لزيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين وزيادة التعويض العائلي وتعويض التدفئة وتعديل إجازة الأمومة.
وقد نص المرسوم 28 على زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة بنسبة 20% من الراتب أو الأجر الشهري المقطوع كما نص المرسوم 29 على زيادة المعاشات التقاعدية بـ 15% من المعاش الشهري.
ونص المرسوم 33 على زيادة التعويض العائلي الذي سيصبح 300 ل.س لزوجة واحدة و 200ل.س للولد الأول و150 للثاني و100 للثالث و25 ل.س عما زاد من أولاد.
كما نص المرسوم على زيادة تعويض التدفئة 250ل شهرياً ليصبح870 ل س.
كذلك نص المرسوم التشريعي رقم 35 على تعديل إجازة الأمومة التي أصبحت مدتها بكامل الأجر 120 يوماً عن المولود الأول و90 يوماً عن الثاني و75 يوماً عن الثالث.
تصريحات.. ودوريات
وترافق إعلان المرسوم في الصحف الرسمية مع تصريحات عدد من الوزراء يؤكدون ،من جملة ما يؤكدونه بأنه لن يكون هناك ارتفاع لأسعار السلع وللأعباء المعيشية!!
وفي اليوم نفسه،جابت الدوريات المختصة ليلاً محطات الوقود بهدف حصر أرصدة المحروقات الموجودة لديها... وكلنا يعلم ما مدلول هذا التصرف. فهل يفصل بين النهار والليل ما يجعل قرار الحكومة ينقلب رأساً على عقب؟؟ وتصريحات وزير تنسف من أساسها؟؟
تمويل الزيادة
كان واضحاً من نص المرسوم أن الزيادة ستمول من فوائض الموازنات المختصة، ويتوافق ذلك مع تصريحات الوزراء وخاصة وزارة المالية التي أكدت وتؤكد انتفاء العجز في ميزانية عام 2001 وتوقع الأمر ذاته في ميزانية 2002 بينما، وعلى العكس تماماً، مولت زيادة الأجور من زيادة أعلى للأسعار فأدت زيادة الأجور إلى تحقيق فوائض لا إلى صرفها!!
كل ذلك مع التأكيد بأن رفع الأسعار لم يكن الحل الوحيد - كما يدعي البعض- لرفع الأجور. فبالإضافة للحل الموجود في نص المرسوم، وهو التمويل من خلال الفائض، يقترح العديد من الباحثين والمسؤولين مصادر تمويل أخرى مثل «إيقاف الهدر وضبط الإنفاق الإداري الذي يستنزف خزينة الدولة وحماية المال العام من خلال ضبط عمليات الاختلاسات والسرقات التي تطالعنا بها الصحف بين الفينة والأخرى جراء غياب الرقابة والمحاسبة »ويتوافق طرح كهذا مع وجهة نظرنا التي طالما كررناها وطالبنا بالبحث عن مصادر حقيقية لتمويل الزيادات (مصادر ليست تضخمية كما جرى ويجري) إذ أن كل زيادة في الأسعار تعني زيادة موازية في الأرباح مما يعمق الخلل القائم بين الأجور والأرباح .
يضاف إلى ذلك ضرورة معالجة موضوع الشفط والتهريب الذي يثقل كاهل الاقتصاد الوطني ويهدده بعدم السماح له تجديد نفسه.
نكهة مميزة!
وترافق قرار رفع الأسعار مع تصريحات لوزير الاقتصاد أوضح من خلالها أن 70% من برنامج الإصلاح أصبح منجزاً !!ومن أهم ملامح هذا البرنامج كما يقول إعطاء القيادة للقطاع الخاص في المستقبل !!
فهل تبدو نكهة تصريح السيد الوزير مألوفة ؟؟يبررها تأثره بمكان عمله السابق من حيث إعطاء القيادة للقطاع الخاص ورفع الأجور مع رفع الدعم وبالتالي رفع الأسعار الأمر الذي يذكرنا ببرامج التثبيت الاقتصادي والتكييف الهيكلي التي تصفها المنظمات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد الدولي البنك الدولي للإنشاء والتعمير) للدول النامية بهدف إحكام السيطرة عليها.
االأجور/الأرباح/الدخل الوطني
إن بعض الباحثين والمسؤولين برر ارتفاع الأسعار على أنه خطوة نحو إعادة تقييم الاقتصاد السوري بقيمه الحقيقية المتناسبة مع القيم في الدول المجاورة، الأمر الذي يساعد على تحقيق التطور اللاحق، وكأن ذلك سيساهم في نمو الدخل الوطني في المستقبل، وأما الحقيقة فإنه ما دام سوء توزيع الدخل الوطني بين الأجور والأرباح قائماً فإن حجم الاستثمار الضروري لإعادة الإنتاج الموسع، والذي يجب ألا يقل عملياً عن 25% من الدخل، هو أمر لن يحصل لآن الدرجة العالية من تمركز رأس المال ستحجب الجزء الضروري منه عن عملية التراكم التي تتجلى بالاستثمار، وهكذا فقد شهدنا زيادة سنوية للأجور مقدارها 10% خلال السنوات 1990-2000 بينما كانت الأرباح تزيد بنسبة 36% سنويا ومع هذه الزيادة الأخيرة فإن الأمر لم يتغير إذ أن الزيادة في الأجور قد ترافقت مع زيادة أكبر للأرباح وبقي الخلل مستمراً،ولذلك مازالت حصة الفرد من الدخل الوطني في انخفاض رغم زيادة هذا الأخير بمعدلات متفاوتة من عام لآخر.
علاقة الحجم الكلي للزيادات على الأسعار بالحجم الكلي للزيادات على الأجور
مسكينة وزارة المالية!!
أكد وزير المالية الدكتور محمد الأطرش أن الزيادة في الرواتب والأجور والتعويض العائلي للعاملين في الدولة، وكذلك زيادة المعاشات التقاعدية، تشكل زيادة إضافية حقيقية في دخولهم وأضاف: «أما الأعباء الناجمة عن رفع الدعم جزئياً عن بعض المشتقات النفطية وبعض السلع الأخرى فإنها لن تؤثر سلبياً على دخول العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات التقاعدية لأنه تم منحهم تعويضات إضافية فوق ما تضمنته الزيادة في الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والتعويض العائلي تحت اسم: تعويض التدفئة وتعديل الأسعار»
ووفق حسابات وزارة المالية فإن:
زيادة الرواتب والأجور للعاملين تبلغ 16544 مليون ل. س.
زيادة تعويضات ذوي المناصب تبلغ 6 ملايين ل. س.
زيادة معاشات المتقاعدين تبلغ 1943 مليون ل.س
زيادة التعويض العائلي تبلغ 11990 مليون ل. س
زيادة التدفئة وتعديل الأسعار تبلغ 5004 ملايين ل. س.
أي أن الحجم الكلي للزيادات على الأجور يعادل 35487 مليون ل.س
أما الحجم الكلي للزيادات على الأسعار فيعادل 270007 مليون ل.س وفقاً لتقديرات وزارة المالية.
أي أن الوزارة (وفقاً لحساباتها) سوف تتحمل عجزاً على الموارد يقدر ب 8430 مليون ل. س.
وبالتالي فإنها تكون قد أدت واجبها وزيادة !!وأعطت أكثر مما أخذت!!
لكن الوزارة المعنية تجاهلت أمرين أساسيين في حساباتها هما:
■ إن عدد المواد التي اعتبرتها الوزارة مقياساً لارتفاع الأسعار هو أقل بكثير مما حصل ويحصل على أرض الواقع، إذ أن زيادة أسعار البنزين وحدها تؤدي إلى سلسلة ارتفاعات في الكثير من المواد، البعض يقدرها ب 160 مادة والبعض الآخر يرى أنها تمتد لكل شيء....!!
■ إن الأسعار التي حسبت وزارة المالية خسارتها وفقاً لها هي أسعار غير واقعية لأن هذه الأخيرة قد قفزت في الواقع فوق تلك التقديرات بكثير مستغلة غياب وزارة التموين عن ممارسة دورها في السوق.
فمثلاً :يتم بيع اسطوانة الغاز ب 175-180 ل.س مع أن قرار رفع الأسعار يتضمن بيع هذه الاسطوانة ب 142 ل.س + 4 بالنسبة للمناطق البعيدة عن أماكن التوزيع.
والأمثلة كثيرة جداً،ومترافقة مع تأكيد وزارة التموين على متابعة وضبط الأسعار!!!
يتضح من ذلك أن وزارة المالية ليست خاسرة من جراء هذه «العملية» كما وضحت وصرّحت، لا بل أنها رابحة بامتياز لأنها أعطت الزيادة لحوالي مليون وثلاثمائة ألف عامل بينما أخذتها من 17 مليون مواطن.. فأين هي الخسارة؟؟
تأثير زيادة الأجور على الدورة الاقتصادية
يعاني الاقتصاد السوري منذ منتصف التسعينات من الركود ويتمثل ذلك في وجود فجوة بين العرض والطلب، حيث لا يستطيع الطلب تغطية حجم العرض مما يسبب كساداً في الأسواق وهو ما نسمعه يومياً من كل من يعمل في التجارة والبيع والشراء، حيث يختزل ذلك بعبارة «السوق داقر» ويقدر الخبراء الاقتصاديون حجم العرض في السوق بنحو 867 ملياراً يقابلها طلب بمقدار 787 ملياراً فقط أي أن الفجوة الموجودة بين العرض والطلب تعادل 109 مليارات.
ولسد هذه الفجوة ومعالجة موضوع الركود كان لا بد من زيادة الطلب عبر رفع الرواتب والأجور( كما جرى تماماً) أي زيادة 35 مليار إلى قدرة الطلب وإذا أضيف إلى ذلك إجراء مماثل من قبل القطاع الخاص أي رفع أجوره بمقدار 20% فسيضاف إلى الطلب مبلغ 25 مليار الأمر الذي سيساهم في معالجة الركود وتنشيط الدورة الاقتصادية
وبإضافة بسيطة للمتغير غير المتوقع في المعادلة (ارتفاع الأسعار) فإن الأمور ستصبح أسوأ مما كانت عليه حيث يمكن أن نشخص بشكل مسبق المرض القادم لاقتصادنا وهو «الركود التضخمي» أي الركود المترافق مع زيادة الأسعار وهو من أخطر الأمراض الاقتصادية وأصعبها في المعالجة.
وبذلك فإن ارتفاع الأسعار الذي ترافق مع ارتفاع الأجور أساء إلى الدورة الاقتصادية ولم ينشطها كما ادعى البعض .
التأثيرات الاجتماعية
ونظراً للوضع الاقتصادي السيئ الذي تمر به البلاد فإن نسبة العاطلين عن العمل في تزايد مستمر... أما العاملون فينقسمون بين أعمال حرة وموظفين في الدولة وفي القطاع الخاص ويضاف لهؤلاء نسبة ممن لا زال لديهم طموح وهمة عالية وقد سمح لهم جهدهم في البحث عن لقمة عيشهم في إنشاء مشاريع صغيرة تعيلهم ولو بالحد الأدنى، فمنهم من استأجر محلاً صغيراً وبدأ ببيع الفلافل ومنهم من استأجر سيارة وبدأ بتوزيع البيض أو الخبز أو اللبن... على الدكاكين التجارية والأمثلة كثيرة...
وقد بدا هؤلاء الأكثر تأثراً بارتفاع الأسعار إذ أن حركة السوق قد أضحت أبطأ من ذي قبل كما أنهم وقعوا بين نارين: الأولى نار ارتفاع الأسعار التي أدت إلى ارتفاع تكاليف الحياة لديهم، ونار عدم قدرتهم على رفع أسعار منتجاتهم المتواضعة لعدم توفر القدرة الشرائية الكافية لذلك لدى المواطنين، فتم نتيجة لذلك طرد الكثيرين ممن يعملون (أجراء) لدى أصحاب المحال والمشاريع الصغيرة التي اضطر الكثير منها إلى الإغلاق مسببة لذلك ارتفاعاً كبيراً في معدل البطالة مع كل ما يسببه ذلك من مشكلات اجتماعية نعرفها تماماً كانخفاض معدلات الزواج وارتفاع معدلات الأمراض النفسية التي تؤدي إلى ممارسات يائسة من قبيل الانتحار والجريمة...
فضلاً عن ذلك فإن القطاع الاقتصادي الذي لا يمكن الاستغناء عنه وهو قطاع النقل قد تضرر بشكل كبير حيث لم تعد تتناسب التعرفة التي يتم التعامل بها مع ارتفاع أسعار المازوت بالنسبة لوسائل النقل الجماعية متوسطة الحجم (السيرفيس) وارتفاع أسعار البينزين بالنسبة لسيارات الأجرة (التاكسي)التي لم يعد يقبل سائقوها بتشغيل العداد مما سبب خلافات متكررة بين السائق والراكب.
العلاقة بين الحد الأدنى للأجور وبين الحد الأدنى لمستوى المعيشة
وفق دراسة أجريت عام 2000 فإن الإنفاق الشهري على المواد الغذائية الضرورية لحياة الإنسان قد بلغ 1530 ل . س، وإذا أضفنا إليها نفقات الحياة اليومية غير الغذائية من مواصلات ومحروقات وكهرباء وكساء ...إلخ والتي كانت تعادل آنذاك1500 ل شهرياً للفرد الواحد فهذا يعني أن تكاليف الحد الأدنى للغذاء + تكاليف الحد الأدنى لنفقات الحياة الضرورية بلغت آنذاك 1530+1500 =3030 ل. س شهرياً للفرد الواحد، مما يعني أن أسرة مكونة من 6 أشخاص وفيها شخصان يعملان فإن الحد الأدنى للأجر يجب أن يعادل 9090 ل س علماً أن الحد الأدنى للأجور قد بلغ حينها 3045 ل . س.
وهكذا فإن إسقاط تلك الأرقام على الواقع الحالي يتطلب منا رفع الحد الأدنى للأجر ليصبح 3895 ل س ورفع الحد الأدنى لتكاليف المعيشة بمقادير تتفاوت بين 12.5% وهي نسبة الزيادة في سعر الخبز وبين 40% نسبة الزيادة في سعر اسطوانة الغاز وصولاً إلى 130% وهي نسبة الزيادة في فاتورة كهرباء قيمة استهلاكها 800 ك و س باستثناء الرسوم المالية التصاعدية لهذه الفاتورة، وهكذا فإن أثر زيادة الأسعار المقابلة لزيادة الأجور واضح للعيان ولا يحتاج لشرح وتوضيح.
وإذا استمر الوضع على هذا المنوال فلن يكون بمقدور العامل تجديد قوة عمله التي ستنهار بشكل تدريجي مؤثرة بشكل كارثي على العمليات الإنتاجية.
سيستمر الـ 36% من العاملين في القطاع العام في الاشتغال بعمل إضافي وستستمر نسبة البطالة بالازدياد....
لأنه، لو كانت الأجور كافية لترك هؤلاء أعمالهم الإضافية وبالتالي أفسحوا المجال لحل جزئي لقضية البطالة حيث ستتوفر حينها فرص عمل لعدد يزيد عن 400 ألف عامل.
وهكذا فإنه يجب مضاعفة الأجر ثلاث مرات على الأقل للوصول إلى معيشة لائقة للمواطن، وإن كانت كل خطوة باتجاه هذا الهدف ستكون مترافقة مع ارتفاع الأسعار فإننا لن نصل إلى نتيجة ترضي الجميع!!
مَن يعمل مِن أجل مَن؟
يزيد من حدة الموضوع عدم المبالاة برأي المواطن الذي تأمل في اليوم الأول عدم ارتفاع أسعار السلع وفقاً لتصريحات المسؤولين وتفاجأ في اليوم التالي بأن الأسعار قد ارتفعت حقاً وبشكل مباشر حتى قبل أن تأتي نهاية الشهر ويتلمس الزيادة بيديه أي أنه، حتى قبل أن يقبض باليمين كان قد دفع باليسار! ولم تنفع الحجج الواهية التي تقدم بها بعض المسؤولين كأن يقولوا أن «زيادة أسعار البنزين ستؤدي إلى التقنين في استعماله» وكأنه هو من يسرف في استهلاك البنزين!
ولم يكن صاحب الدخل المحدود قد اضطر للتفكير بالكيفية التي سيصرف بها الزيادة فقراره كمستهلك كان قد صودر تماماً من قبل الوزارات المعنية إكراماً لعيون الأسعار، ولم يبق لهذا «المواطن» إلا قراءة، الصحف بنهم عله يجد ما هو جديد..
فمن يعمل من أجل من؟؟!!..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 176