من أجل نمو معدلات النمو!! يجب رفع مستوى دخل المواطن ثلاث مرات على الأقل حتى يستطيع أن يفكر في الادخار!
تحويل ما ينهب إلى مجالات الاستثمار يمكننا من النهوض باقتصادنا.
النسبية
لا تحمل الأرقام المجردة دلالة بحد ذاتها و لا يمكن دراسة تطور أية ظاهرة دون إدخال عنصر الزمن أي مقارنة ما تم سابقا مع الوضع الحالي عن طريق تحليل نسبة النمو وصولا إلى التنبؤ بالمستقبل و رسم
«السيناريوهات» الممكنة و البديلة للوصول إلى الهدف المحدد مسبقا والمختلف بالانتقال من نشاط إلى آخر ومن منشاة إلى أخرى.
هذا الهدف الذي يمكن اختصاره على مستوى الاقتصاد الكلي أي على مستوى الدولة ككل بتحقيق التنمية الاقتصادية و إن كان ذلك أكثر إلحاحا بالنسبة للدول المتخلفة و لكنه يمثل هدف جميع الدول دون استثناء.
أهمية نسب النمو
تحتل نسب النمو مركزا بارزا بالنسبة للمؤشرات الاقتصادية الأخرى. فمن يتابع التقارير أو النشرات الاقتصادية في العالم يلاحظ الاهتمام الكبير الذي يولى إلى نسبة النمو فتقارير صندوق النقد الدولي الذي يعد أحد الأركان الرئيسية للنظام العالمي الجديد الذي يسعى لهيمنة الإمبريالية العالمية على كل العالم تكاد لا تخلو من عبارة نسبة النمو التي يتم الإعلان عنها في أغلب دول العالم بشكل ربعي أي كل ثلاثة أشهر، أما في سورية فيتم اعلانها بعد نهاية السنة و بأرقام مختلفة من مرجع لآخر لدرجة أن أحد الباحثين الاقتصاديين صرح بأنه لا يمكن اعتماد رقم محدد لنسب النمو في سورية و برأيه أن الأرقام الحقيقية أقل من النسب المعلنة بكثير !
حجج واهية
و قد يقول قائل: إن نسب النمو في العالم تقارب الأرقام المتحققة في سورية و إن كان ذلك لا يخلو من الصحة فإنه يحتاج إلى توضيح ، فتلك الحجج التي تستعمل باستمرار لتبرير النهب الداخلي و التستر على الأخطاء عن طريق القول «مثلنا مثل غيرنا» هي حجج واهية تهمل بالدرجة الأولى الاختلاف الكبير في بنية الهياكل الاقتصادية للدول المختلفة و بشكل خاص مسألة التشغيل الكامل و يمكن هنا ذكر الآتي :
بلغ النمو العالمي في عام 2000 4.8% و في عام 2001 3%و السبب الأساسي في هذا الانخفاض كان الانخفاض الكبير في نسب النمو في أميركا إذ بلغت نسبة النمو فيها 5% عام 2000 هبطت إلى
1.5 % عام2001 و لم يقتصر هذا الانخفاض على الربع الأخير كما يحاول أن يروج البعض بل امتد على كل أشهر السنة
أما روسيا فإن مسارها كان معاكساً تماما لذلك، فبعد أن سجلت نمو متناقص في فترة التسعينات، حققت في كل من عامي 2000 و 2001 معدلات نمو تقارب 7.5%
أما مدلول نسب النمو تلك فهو مختلف تماما بين بلد نام و آخر غير نامٍ و هنا يبرز الفرق بين النمو و التنمية إذ أن النمو يعني تلك التبدلات الكمية التي تحصل في المتغيرات الاقتصادية الاجمالية كالدخل الوطني و الناتج المحلي الاجمالي و الصافي بسعر السوق او بسعر التكلفة، وحصة الفرد من تلك المتغيرات، و يعني ذلك أن نسبة النمو قد تكون سلبية أو ايجابية فهي لا تقتصر على الزيادات بل على التبدلات بشكل عام. أما التنمية فإنها تشمل إضافة لذلك مجمل التحولات الاقتصادية و غير الاقتصادية التي تتحقق في بلد معين بصورة إرادية من خلال برامج إنمائية طويلة الأمد و من الواضح هنا أن عملية التنمية ليست عملية صدفوية بل هي قصدية وإرادية.
وبهذا فإن الحكم على بلد متخلف لم يحقق بعد تحولات اقتصادية نوعية في إطار ما يسمى بالتنمية كما أن الكثير من موارده الاقتصادية غير مستخدمة بعد، يختلف تماما عن الحكم على بلد متطور حقق تلك التغيرات النوعية و استخدم موارده الاقتصادية بشكل كامل.
اللا نمو في سورية
و باعتبار سورية دولة غير متقدمة اقتصاديا تضع التنمية في رأس قائمة أولوياتها الاقتصادية فلا بد إذا من دراسة نسب النمو القادرة على تحقيق هذا الهدف و التي لم تكن في الفترة الماضية مؤشرا يبشر بالخير لا بل على العكس فإنه يبشر باللا نمو إذ أنه وفقاً للأرقام التي قدمها الدكتور عصام الزعيم فإن نسبة النمو في سورية بلغت صفر% عام 2000 و 1% عام2001 باستثناء النفط ولئن كانت نسبة النمو صفرا تعني اللا نمو و لكنها لا تعني عدم وجود زيادة في حجم التراكم إذ أنه هنالك اهتلاك سنوي لا بد من تغطيته حتى لا يحدث نمو سلبي و يقدر المختصون النسبة المطلوبة للتراكم ب 10% لتحقيق معدل نمو 0 % و لكن بكل الاحوال فان ذلك يعني أننا لم نتقدم اقتصادياً في ذلك العام و لا حتى قيد أنملة و إذا استمر الوضع على هذا النحو أو مايقاربه فهذا يعني أننا سنبقى في الخلف و ربما أكثر....
آلية التنمية
لا يمكن أن تكون هناك تنمية بلا نمو والنمو يعني إضافة استثمارات حقيقية داخل البلد المعني والمقصود بحقيقية أي أنها تدخل في مجالات الإنتاج المادي الحقيقي مما يساهم بالنتيجة في زيادة الإنتاج الإجمالي للدولة و من ثم زيادة الدخل الوطني و يتم حساب معدل النمو على هذا الأساس بأنه = الميل الحدي للادخار / معامل رأس المال الحدي.
أي هو مدى قدرة الشعب على الادخار مقسوما على مدى العائدية (عدد وحدات رأس المال اللازمة لزيادة الدخل القومي بمقدار وحدة واحدة) أي أنه لزيادة معدل النمو إما أن نزيد الميل الحدي للادخار أو أن يتم إنقاص معامل رأس المال.
الاستثمار و الادخار
يرتبط الاستثمار بشكل مباشر بالادخار لذلك فإن نسب النمو ترتبط بذلك الأخير وبالميل الحدي للادخار، أي النسبة المئوية من الدخل التي يستطيع الاستغناء عنها و يوجهها للادخار. و بالطبع فان المقصود هنا بالادخار ليس ما يوضع تحت البلاطة أو ما يوجه للاكتناز (شراء الذهب و المجوهرات الثمينة) لأن ذلك لا يمكن أن يفيد التنمية و لا بشكل من الاشكال و لكن المقصود به هو الادخار النقدي القادر على التحول إلى استثمار و يتناسب الميل للادخار مع مستوى الدخل الفرد ي ومدى وجود مؤسسات ادخارية (مؤسسات التأمين، صندوق توفير البريد) القادرة على استيعاب تلك المدخرات و توظيفها في المكان المناسب بالاضافة لوجود عادات دينية و اجتماعية تحث على الادخار.
أي أنه لا يمكن رفع الميل الحدي للادخار إلا بعد تحقيق حد الكفاف وفي المجتمع السوري حيث يجب رفع مستوى دخل المواطن ثلاث مرات على الأقل حتى يستطيع أن يفكر في الادخار! أما الأغنياء فيمكننا توصيف سلوكهم بهدر النقود و التبذير واللحاق بالنمط الاستهلاكي الترفي و ما يبقى من ذلك فإنه يوظف في البنوك في الخارج الأمر الذي يحدث أيضاً للأموال العامة التي يجري اختلاسها وفق عدة طرق اصطلح على تسميتها بالـ «شفط» والتي يمكن القول بأنها تساهم بشكل غير مباشر في التنمية ، و لكن تنمية الدولة المضيفة لهذه الأموال!
هذا بالنسبة للأفراد. أما بالنسبة للقطاع الخاص فإن ادخاره أو استثماره على الأقل في تطوير رأسماله الإنتاجي العامل يتوقف على ما يحققه من أرباح بالإضافة إلى مناخ الاستثمار السائد في الدولة. فالمزارع الذي يهيئ أرضه أو يصلح مكان سكنه أو يشيد حظائر للماشية يعتبر مستثمرا فهو يغطي الاهتلاكات و من ثم يجدد رأسماله و بالطبع فإن هذه الدورة تصاب بالاختلال نتيجة ممارسات «الشفط» التي تشكل منفراً للاستثمار
و بالنسبة للقطاع الحكومي فإن استثماره يتناسب مع الضرائب و الرسوم التي يحصلها أو على القروض التي يحصل عليها بأشكال مختلفة و بالتالي فإن اصلاح النظام الضريبي والشفافية في استخدام تلك الضرائب لمصلحة المواطن ستشكل ما يمكن تسميته ادخار اجباري تتحكم به الدولة وتحدد نسبه.
عائدية رأس المال
أما بالنسبة لزيادة عائدية رأس المال فإن ذلك يرتبط بشكل مباشر بتحسن الانتاجية سواء عن طريق تحديث أدوات الانتاج مع مراعاة الاستفادة من الاهتلاكات و تحقيق وفورات حجم داخلية و خارجية أو عن طريق تطوير أداء العاملين سواء عن طريق تحسين ظروف العمل و شروطه أو عن طريق تطوير تقنية العامل لامن حيث المهارة فقط المعتمدة على التعليم و التدريب و التأهيل بل من حيث الإقبال على العمل الإنتاجي و اندماجه فيه.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تحقيق وفورات حجم داخلية و خارجية أي أنه يجب أن تتوسع الصناعات الأساسية بالقدر الكافي حتى يصبح من المجدي استثمار رأس المال بكفاية عالية في القطاعات ذات معامل راس المال المنخفض (عائدية منخفضة) فالصناعة التحويلية لشبكة مواصلات قوية وميسرة مثلاً تحتاج الى ربط أماكن الإنتاج بأماكن التصريف ذلك للوصول إلى عائدية لا تقل عن 30% بينما هي وسطيا في سورية تعادل 20% و كل ذلك يرتبط بآلية الشفط التي تحدثنا عنها و التي تمنع المستثمر من التفكير أصلا بضرورة التطوير.
الخطوة الأولى
إنه لسؤال مشروع ، لماذا ؟؟ ما هي الأسباب الحقيقية لبقائنا في الخلف دون تحقيق نمو اقتصادي يذكر؟؟
لماذا نتحدث دائما عن التنمية ونبقى متسمرين في مواقعنا؟؟
إن أرادت سورية الوصول إلى التنمية ( تلك التحولات النوعية التي تحدثنا عنها) فإنه لا بد لها من دراسة متطلبات النمو وآلياته و تمويله بشكل جاد و تفصيلي علما أن ذلك ليس بالمسألة السهلة إذ أنه يتطلب تنبؤاً بعيد المدى. فدراسة الحاجة إلى استثمارات هذا العام تعني الحصول على نتائج العام اللاحق أو الذي يليه أو ربما بعد ذلك ولذلك اتفق على معيار مضاعفة الدخل الوطني الأمر الذي سيسهل التعامل مع المشكلات و التحديات التي نواجهها ووفقا لذلك يجب تحقيق معدل نمو حده الأدنى 10% سنويا ًوذلك يتطلب توظيف ما يقارب من 25-30% في مجال الاستثمارات في الوقت الذي لا تزيد فيه الاستثمارات الحالية عن 10-12% و كالعادة فان السؤال يبقى، من أين نبدأ؟ وهنا لا بد من الإشارة آلي أن آلية التنمية المشار إليها تعاني من خلل أساسي سببه النهب و مجرد منع وتحويل ماينهب من النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيروقراطي البالغ نسبته 20% إلى مجالات الاستثمار يمكننا النهوض باقتصادنا و يشكل الخطوة الأولى في الطريق نحو التنمية بل أننا لا نستطيع أساساً تحقيق معدلات نمو إن لم نعالج ذلك النهب الذي لا يؤثر فقط على آلية النمو برمتها بل على مصادر تمويل التنمية أيضاً.
* جهينة
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 170