في ندوة الثلاثاء الاقتصادية: «التقاولية».. تمريرات غريبةلمفاهيم غربية!!

ما معنى أن تطرح مفهوماً غير مفهوم؟خاصة أن المفاهيم الجديدة تطرح عادة بهدف الفهم لا لعدم الفهم! هكذا خرج أغلب حضور الندوة الثانية من برنامج الثلاثاء الاقتصادي بانطباعات… انطباعات فقط وليس أفكار.

فالكل يسأل عن معنى كلمة التقاولية التي حملت عنوان المحاضرة خاصة بعد أن نفى المحاضر علاقتها بالتقاول والمقاولات، فسدَّ بذلك المنفذ الوحيد المتبقي للتفكير بمعنى هذه الكلمة ومع أن المفهوم كان غير مفهوم إلا أن الانطباعات التي خرج بها الجميع كانت انطباعات إيجابية والسبب ان المحاضر قد مس من خلال محاضرته مفاهيم قد ارتبطت في ذاكرتنا الانفعالية مع أمور إيجابية كـ «التقاولية = شركاء في التنمية ومحرك للطبقة الوسطى» و«الهدف طبقة وسطى ديناميكية مثقفة» و«لنربح معاً» كل ذلك وإن كان غير مفهوم بكيفيته وأهدافه لكنه بالطبع أمر مدرك بالعقل الباطني لكل منا.

تحذير لابد منه:

إحذر!! مجرد الحضور في ندوة محجوب .. يجعل المرء زبوناً؟

مقولات الخصخصة عبر نصائح محجوب الذهبية:

لا تتكلوا على الدولة ولا تدعوا الدولة تتكل عليكم، لنربح معاً..

محجوب يعلن:

ضرورة «فصل الإدارة عن الملكية في مؤسسات القطاع العام الإنتاجية»!!

محجوب يقترح:

الاستغناء عن خدمات الدولة  في مجال الكهرباء عن طريق إنشاء شركات مساهمة لتوليد الكهرباء مملوكة من أصحاب المؤسسات الصناعية

ولابد من لفت النظر إلى أنه قبل أن يدخل المحاضر خالد محجوب كانت محاضرته قد وزعت من قبل أشخاص لطفاء جداً ولكل الحضور أثناء دخول كل منهم وهذا الاهتمام بالحضور يذكِّر بقسم خدمة الزبائن في الشركات الخاصة ممل يجعل المرء يطرح سؤالاً على نفسه: هل أنا زبون ؟ ربما، ولكن زبائن محتملين في المستقبل؟! أم  أن مجرد الحضور في هذه الندوة هو أمر يجعل المرء زبوناً؟

بدأت المحاضرة تماماً في الوقت المحدد وباستعمال أحدث وسائل الإيضاح من كمبيوترات وجهاز إسقاط حديث والكثير الكثير من الكاميرات والتلفزيونات الصغيرة «مينوتور».

قلائل سيدَّعون أنهم فهموا ما جرى وكل ما قيل.. لكن لطالما كانت هذه الصحيفة مجالاً لطرح أمور يحاول البعض أن يجعلها غير مفهومة فلنحاول فهمها معاً إذ أنه ابتداءً من الفهم والمعرفة نستطيع أن نمارس دورنا ومسؤولياتنا في بناء هذا الوطن

النصائح الذهبية:

بدأ المحاضر محاضرته بالتأكيد على ضرورة  طرح أفكار جديدة للنهوض بالواقع الحالي وقدم ثلاث نصائح اعتبرها مبادئ أساسية هي لا تتكلوا على الدولة ولا تدعوا الدولة تتكل عليكم، لنربح معاً، لا يمكن للرقم أن يكذب، هذه الكلمات تجعل المرء يشعر بأن المحاضر يحاول أن يمرر مقولات الخصخصة بشكل مبطن إنه يريد أن يفصلنا عن الدولة وما يمثلها «القطاع العام» لنشعر بأن كلاً منا في خندق مختلف لكن تأكيده على منطق الربح بشكل لجوج يثير الانزعاج.

ولكن المحاضر مالبث أن أكد أن كلامه ليس بأية حال من الأحوال دعوة إلى الخصخصة التي يعارضها بمفهومها العريض ولكن برأيه أن دور الدولة الأب هو تأمين المناخ التنافسي العادل وأسباب النجاح... ويذكرنا ذلك بالدعوات الغربية لاعتبار الدولة دولة حماية وليس لها الحق بالتدخل في الشؤون الاقتصادية! وخاصة أن المحاضر يقترح الاستغناء عن خدماتها في مجال الكهرباء عن طريق إنشاء شركات مساهمة لتوليد الكهرباء مملوكة من أصحاب المؤسسات الصناعية تعمل بعنفات غازية ويؤمن الغاز من الدولة بأسعار تقل 10% عن أسعار السوق معتمدين مبدأ الجزيرة المعزولة.

وما لبث بعد ذلك أن أعلن ضرورة «فصل الإدارة عن الملكية في مؤسسات القطاع العام الإنتاجية» لأنه ـ برأيه ـ «هذا يساعد في إلغاء فكرة الوصاية والتخطيط المركزي الأمر ذو الأبعاد الإيجابية السريعة» والسؤال هنا: أية إيجابية يمكن أن نحصل عليها وبشكل مباشر من جراء إلغاء التخطيط، هل تكمن المشكلة في أن كل الأنشطة تسير في اتجاه واحد حسب الخطة الموضوعة من قبل الدولة والمتناسقة في كل نواحيها؟ ثم كيف يمكن أن نفصل الإدارة عن الملكية في مؤسسات القطاع العام؟ فإذا كانت الملكية للدولة والشعب فهل يجب ان نفصل ذلك عن الإدارة فنجلب شخصاً من خارج الدولة ومن خارج الشعب.؟! علماً بأن الإدارة في هذه الحالة ستستولي على نحو 40% من الأرباح فهل نسلم رقبتنا للخصخصة من خلال خصخصة الإدارة؟ أما الفكرة الأخرى المجدية برأيه فهي تأجير القطاع العام للقطاع الخاص إذ أن ذلك يؤمن للمستثمر رأس مال تأسيسي عالٍ ثابت ويسهل عليه البدء بالمشروع برأس مال عامل فقط وبرأيه أن هذه الفكرة «تتضمن ريعاًَ مستمراً وليس مبيعاً لمرة واحدة» فهل يخرج هذا التصرف عن مفهوم وفكرة الخصخصة؟!

إحياء الطبقة الوسطى:

ركز المحاضر على مجال التعليم الذي «يخلق الديناميكية ويوسع الطبقة الوسطى» فاقترح إقامة دورات اختصاصية مسائية والسؤال هنا: إذا كان طلابنا يهربون من المدارس المجانية حتى في السنوات التي يكون فيها التعليم إلزامياً لكي يخرجوا ويعملوا ليغطوا مصاريفهم فهل سيلتزمون بهذا النوع المكلف من الدورات التي لا يقدر على تحمل مصاريفها سوى أصحاب الدخل غير المحدود.

كما أن المحاضر طالب بتزويد كليات المعلوماتية بمخدم إنترنت للأساتذة وللتطوير وفق نسب محددة بالإضافة إلى اقتراح إقامة معامل في كليات الهندسة لتصبح مكاناً للتدريب العملي ولتحقيق أرباح للجامعة والواقع العملي يثبت أن ذلك غير ممكن في الظروف الراهنة إذ أن المحاضر قد أنشأ بالفعل معملاً كهذا في كلية هندسة الزراعة ولكن جهات أخرى ترفض تشغيل المعمل حتى الآن! وبالنهاية هل يمكن بالتعليم إعادة إحياء مايسمى الطبقة الوسطى؟ لقد تبخرت هذه الشريحة خلال العقود الماضية فـ99% منها تحول إلى أصحاب دخل محدود و1% ارتفع إلى مصاف النخبة المالية. فالمطلب الواقعي اليوم ليس إحياء ما يسمى بالشريحة الوسطى بل ضرب نفوذ ومواقع الشريحة العليا كي يستفيد من ذلك الـ99% من الناس.

براغماتي:

ونلاحظ الفكر البراغماتي النفعي الذي طرحه المحاضر من خلال أفكار لتطبيقات عملية منها:

إيجاد مبدأ الشباك الواحد المأجور لإنجاز معاملات المواطنين الذين ينعتهم السيد المحاضر بالزبائن، الأمر الذي يحارب برأيه البيروقراطية والفساد، أي أن المحاضر يطرح عوضاً عن تقديم الرشوة بشكل مستتر تقديمها بشكل علني وفق مبدأ يقوم على تناسب مدى تنفيذ أعمال المواطن طردا ًمع قدرته المادية.

في المجال القضائي: اقترح المحاضر تأسيس صندوق للقضاة يدفع المواطن رسماً إضافياً قدره خمسة آلاف ليرة عند تسجيل كل دعوة توزع بنسب معينة 90% منها للقضاة والعاملين بالقضاء، وأول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع هذا «الاقتراح» هو أنه حتى العدل (صار حقه مصاري) أليس من الحق الطبيعي لأي مواطن أن يحصل على هذه الخدمات مجاناً لمجرد دفعه الضريبة المستحقة عليه والقيام بواجباته، وإذا كانت الرشاوى تعني التأثير على قرار القاضي عن طريق استمالته إلى الطرف المليء مالياً والقادر على دفع الرشوة فما الذي سيختلف إن لم يحدث تغيير جذري عميق في بنية العلاقات السائدة في المجتمع إذ أنه ما دام هناك طرف قوي وآخر ضعيف ستستمر الظاهرة مع فارق أساسي أننا نكون قد حددنا للطرف الضعيف حدًا معيناً من المال يتوجب عليه دفعه في كل الأحوال.

انتهازية الفرصة: اقترح المحاضر أفكاراً عملية تستند إلى فكرة انتهاز الفرص العالمية إذ أننا نستطيع مثلاً أن نستثمر في معمل الإطارات مستفيدين من ظروف أزمة شركة (فاير ستون) لجلب القوالب والآلات المتوقفة من عندهم ونستطيع مثلاً استثمار المباقر مستفيدين من أزمة جنون البقر وأعتقد أن هذه الاستثمارات إن لم تكن تحمل ظروفاً ذاتية وموضوعية تساعدها على النجاح فإنها ستحظى بالخسارة عاجلاً أو آجلاً باعتبارها قائمة على أساس أزمة عابرة لنشاط آخر.

حكومة الكترونية

كرر المحاضر كلمة الكتروني، فهو يريد أن ننشئ مصرفاً يقدم خدمات مصرفية الكترونية بالمساهمة مع شركات أجنبية ذات خبرة. كما يقترح دفع فواتير الماء والكهرباء كما رواتب العاملين في الدولة والجيش الكترونياً، ربما كان يقصد إلغاء الدفع العيني لبعض هؤلاء!

ويضاف إلى قائمة الكتروني دعم التجارة الالكترونية والأتمتة الالكترونية وصولاً إلى الحكومة الالكترونية، ويخشى هنا من فكرة عدم التواصل إذ أنه لدينا حكومة من لحم ودم ونحن نفتقد التواصل فكيف إذا تحولت إلى حكومة الكترونية!؟

أفكار عصرية!!

لإعطاء كل ذي حق حقه لا بد من ذكر بعض الأفكار العصرية التي تناولها المحاضر والتي يمكن أن تكون حلاً جيداً لبعض المشاكل. ومنها:

فكرة تسييل الإسمنت وهي تعني تسييل الأموال المجمدة بالعقارات السكنية والتجارية، بالحصول على قروض تصل إلى 75% بالمائة من قيمتها تدفع شهرياً لتضخ في معمل إنتاجي تنموي على مسؤولية صاحبها ولكي لا يؤثر ضخ سيولة كبيرة في البلد على مسألة التضخم ويقترح المحاضر وضع سياسة تحفيزية تحريضية استثمارية لتصنيع ما يمكن أن يستورده القطاع العام حتى عام 2025 مع ضرورة إجراء مسح لكل المعامل والآلات الموجودة في الدولة والقادرة على الإنتاج إذ أن قسماً كبيراً منها لم يستخدم بعد

الاستفادة من التقاولية في الاتفاقات الدولية كتحويل جزء من الديون الالمانية لمشاريع استثمارية مشتركة في سورية تستفيد من المؤسسات الأوروبية الصغيرة المتعثرة، أو مثلاً التصنيع في سورية والتسويق من لبنان تفعيلاً للشراكة السورية اللبنانية.

إقامة دورات لغة بمحتوى مبادئ الأعمال وإدارة الزمن وفن التواصل والمعلوماتية من قبل الطلاب الجامعيين لضباط ومجندي الجيش العربي السوري بهدف رفع تأهيلهم العلمي خلال فترة خدمتهم

إقامة شركة مساهمة بين هيئة المواصفات والمقاييس السورية مع مخابر معتمدة في الجامعات السورية لتفعيل التواصل وتأمين دخل إضافي لأساتذة الجامعات

تأهيل المنابر أي الاستفادة من خطب الجمعة وعظات الأحد لتحريك السوريين باتجاه العمل الفعال.

المدينة الفاضلة

 طرح المحاضر كل المفاهيم بشكلها العام ودخل في كل شاردة وواردة لكن دون التوقف عند التفاصيل مما جعل المتلقي ضائعاً بين هذه الفكرة وتلك خاصة أن المفهوم بالأساس لم يكن مفهوماً وعلى ما يبدو فهو يقصد به التشارك بين الانسان والانسان على حساب الدولة التي ستصبح راعية للنشاطات فقط! والأسلوب الذي تحدث فيه المحاضر يشعر بأننا في المدينة الفاضلة فليس هناك أية سلبيات لما طرحه، وهذا بعيد عن الواقع إلى حد كبير، وبرأيه أن المواطنية يجب أن تكون مرتبطة بالمنافع المحققة للإنسان وهو ما أسماه (المواطنية النفعية) «فعندما ترتبط المصالح تتسارع الخطوات نحو الأمام» ولهذا «لا بد من ضخ أوكسجين الحب بدلاً من ثاني أوكسيد النكرزان السائد في البلد».

تساءل الحضور عن امكانية وضع هذه الحلول موضع التنفيذ (خاصة فيما يتعلق بأوكسجين الحب).

 هل من الممكن أن يكون حل معضلة الاقتصاد السوري التي لطالما شغلت المختصين بهذه البساطة؟.

وأهم ما جاء في المحاضرة هو الدعوة إلى الإيجابية لمواطن اعتاد على السلبية لكن الكيفية التي تحدث عنها المحاضر لم تشكل استراتيجية متكاملة إنها مجرد معالجة لبعض المشاهدات الخاطئة وطرح لبعض مجموعة أفكار متفرقة غير متماسكة ضمن منظومة واحدة مما أعطى المتلقي إحساساً بأنه يشاهد فيلم خيال (وغير علمي) يعتمد على طرح مقولات الخصخصة التي لم يبررها المحاضر بشكل مبطن كما هي العادة وإنما بشكل واع وعصري إلى الحد الأقصى فأظهر الخصحصة وكأنها نتاج منطق التطور والحضارة!!

البنية التحتية

 

من المعروف في دول العالم كافة  أن الدولة هي من يقوم بإنشاء البنية التحتية لما لذلك من تكاليف ضخمة وإيراد ضعيف، لأنه يؤثر أيضاً على الاقتصاد الوطني بكليته فالمردود يكون مستقبلياً وليس ربحاً آنياً. لكن المحاضر يكسر هذه القاعدة ويدعو المغتربين السوريين إلى إقامة شركة مساهمة تعمل على إشادة الطرق والجسور وتتقاضى أجرة عن المرور وهذا، إن تحقق، فله مساوئ اجتماعية كبيرة لم يأخذها المحاضر بعين الاعتبار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
170