نقد «نقد» السياسات الاقتصاديّة من الاقتصادي والاجتماعي إلى السياسي.. والعكس صحيح!
في الحصيلة النهائيّة، السياسة هي «المسكوت عنه» في نقد عملية التحوّل الاقتصادي المتبّعة في سوريّة. هذه الحصيلة هي التي «حرفت» هذا التحقيق عن التساؤل الذي انشغل في البحث عن إجابات له، وهو: ما هي الانتقادات التي قد توّجه إلى الإعلام الاقتصادي، الحكومي والحزبي والخاص، في نقده لعملية اللبرلة التي تتابع فصولها. فقد تكفّلت الرغبة في البحث عن إجابات نفترض أنّها «أساسيّة»، في الوصول بنا إلى السياسة.
إذاً، كان مسار التحقيق كالتالي: نقد «نقد» عملية التحوّل الاقتصادي في الإعلام، فقراءة في السياسة المختلف على دورها، بين من يرى أنّها جزء من قيادة عملية التحوّل تلك، وبين من يعتقد بأنّ هناك تناقضاً بين التوجه الاقتصادي والتوحه السياسيّ العام.
الصحافة الاقتصاديّة...بين السطحيّة والنقد الموضعي!
يعتبر د.نبيل مرزوق أن «طريقة تناول القضايا الاقتصادية في الصحافة، بما فيها الصحافة الحزبية، هو تناول سطحي في أغلب الحالات، وهو يفتقر إلى عملية الربط بين السياسات، بحيث لا يشكل أيّ إجراء جزءاً من سلسلة إجراءات، تؤلّف بدورها السياسة الاقتصادية العامّة في البلاد». ويؤكد د. منير الحمش على صحة هذا النقد، يقول: « الفريق الاقتصادي لا يجرؤ عملياً على طرح ما يريد القيام به دفعة واحة، ولذلك تجري عملية قضم الاقتصاد السوري بالقطعة، فمن معالجة التجارة إلى رفع الدعم إلى تحرير الأسعار، وتجري مناقشة كل من هذه المسائل على حدة، وهي في الحقيقة والمحصلة حزمة واحدة»، ويتابع «ما يجري في الإعلام الاقتصادي على أنواعه، هو انجرار إلى ما تفعله السياسة الاقتصادية، فتراه ينتقد بالقطعة أيضاً».
من الجزئي إلى الكلّي
من ناحية أخرى، حين تطرح قضية الفريق الاقتصادي وعلاقة السياسة الاقتصادية، وعلاقة كل ذلك بالسياسة العامة تظهر تباينات في الطرح..
د. نبيل مرزوق يلفت إلى نقطتين في إطار هذه الصورة، الأولى هي «أن الصحافة الاقتصادية تتناول أفراداً، ويتم التركيز على البعض ممن اصطلح على تسميتهم بالفريق الاقتصادي، المشكلة لا تتعلق بهذا الفرد أو ذاك أو ببعض أفراد هذا الفريق، فهذا نهج عام وسياسة اقتصاديّة عامّة يجب التركيز عليها وليس التركيز على مواقف وآراء أفراد»، أما النقطة الثانيّة فهي «السياسة الاقتصادية هي كل متكامل تتدّخل فيه الحكومة كلّها، وسيكون من غير المقبول أن تحاول أي جهة أن تتهرب وتقول إنه ما من علاقة لي بهذه السياسات، فالمسألة تتعلّق بنهج اقتصادي متبع في البلاد والمسؤولون عنه من قمة الهرم إلى أسفله، وهو ليست مسألة فرديّة متعلّقة برغبات بعض الأفراد أو بميولهم الخاصة».
الفريق الاقتصادي وتوجيهات القيادة!
ويضيف د. الحمش بعداً آخر للمسألة، فهو في الوقت نفسه الذي «يفترض» فيه أنَ «الفريق الاقتصادي هو جزء من النظام، وبالتالي فهو، أي هذا الفريق، لا يعمل لحسابه بل يعمل لحساب النظام الذي أقرّ برنامجاً معيّناً للتحوّل الاقتصادي»، يقول: «لكن هذا البرنامج لا يطبّق في الحقيقة على الأرض». ويتابع «بمعنى أنّه عندما نسمع رأس النظام وهو السيد رئيس الجمهورية يقول إن أي برنامج اقتصادي يجب أن يكون لصالح الاقتصاد الوطني، وإن إي إجراء يجب أن يدرس من خلال تأثيره على الشرائح الفقيرة، لا أرى أن الفريق الاقتصادي معني بتطبيق هذا التوجيه، والدليل على ذلك أن جميع الإجراءات المتبّعة تؤدي إلى إضعاف الدولة من خلال تحوّل النظام الاقتصادي إلى نظام هزيل ضعيف، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس والحزب (البعث) والجبهة على أهمية القطاع العام، ووضع مجموعة من القوانين لإصلاحه، نجد أن هذه القوانين وضعت في الأدراج من الفريق الاقتصادي، الذي يفكّر بتفتيت القطاع العام، بينما كل المعطيات تقول إن قوة الاقتصاد تأتي من قدرته على تحريك عناصر الإنتاج، وتؤدي بالتالي إلى تقوية الدولة وحماية الفئات المتوسطة».
الاقتصاد والموقف الوطني والتناقض!
من جهته يعتبر د. مرزوق أن «أصحاب المصالح هم الذين يتحكمون الآن بالقرار الاقتصادي، وهم قادرون على تنفيذ سياساتهم، وقادرون على السير فيها حتى النهاية، محاولين وضع غلالة رقيقة وهي أنّ هذه السياسات لا تؤثر على الموقف الوطني». وهو يطرح تساؤلاً عمّا يسميه «الرؤية غير الواضحة للنظام» إذ يقول «هل هو قادر على أن يكون ليبرالياً في الداخل ومواجهاً للامبريالية في الخارج؟!»، ثم يجيب على تساؤله بالقول: «هذا موقف متناقض في الأساس، وهو يضعف موقف سوريّة الوطني المفروض عليها، بحكم التهديد الذي تواجهه وبحكم وجود أراض محتلة لها، فهذا الموقف يتم إضعافه من خلال هذه السياسات». ويتفق د.الحمش مع ما طرحه د.مرزوق حول التناقض بين الموقف الوطني المفروض وعملية التحوّل الاقتصادي الجارية، لكنّه في المقابل يرى أنّ هذا التناقض قائم أوّلاً «بين توجهات الفريق الاقتصادي وتوجهات القيادة السياسيّة»، وهو إذ يعود إلى افتراضه بأنّهما كل واحد في النهاية، إلاً أنّه يقول «هذا لا يمنع من وجود تناقض في الواقع، وفي نهاية الأمر إمّا أن يرضخ الفريق الاقتصادي لمتطلبات القيادة السياسة أو أن تجد القيادة السياسية طريقها لمعالجة هذا الوضع، فهذه مسؤوليتها». ويتابع «جانب أساسي من المسألة الاقتصاديّة هو الجانب السياسي، والغريب في الموضوع أنّ سوريّة، تاريخياً في حالة ممانعة ومقاومة، ومازال هناك جزء محتل من أراضينا، وهنا يتوجب أن تكون السياسات الاقتصادية داعمة لعملية المواجهة مع العدو، لكنّ السياسة الاقتصادية حالياً ستؤدي إلى إضعاف الدولة، وبالتالي إضعاف موقفها التفاوضي سواء على المستوى السياسي أي في مواجهة العدو، أو اقتصادياً، أي على مستوى العلاقة مع التكتلات الاقتصادية الأخرى مثل الاتحاد الأوربي».
التناقض...من جهة أخرى!
والنتيجة أنه في ظل انخفاض منسوب الحريات السياسية، وتعذّر إمكانية قيام قوى المجتمع بتنظيم نفسها والدفاع عن مصالحها يجري تحرير الاقتصاد بصورة متتابعة ومنتظمة، وتقوم الدولة بحماية «البرجوازية الجديدة» وحرّيتها، فيما مجتمع العمل لا يملك من أمره شيئاً.. وهكذا فمن الطبيعي مع اختلال موازين القوى الاجتماعية أن تصب نتائج التحرير في مصلحة الأغنياء على حساب الفئات الاجتماعية الأضعف والأقل حضوراً وتأثيراً وقوة ظاهرة، وستمسي الليبرالية الجديدة حاصلاً أكيداً لهذا التحرير. هذا كله لا يطاله النقد الاقتصادي عبر وسائل الإعلام، أو في الندوات والفعاليات الاقتصادية المختلفة، مما يبقي هذا النقد والتنديد بالليبرالية الجديدة انفعالياً وسطحياً.
ويختم د. الحمش «ولذلك نحن نقول إن دور الدولة يجب أن يكون لمصلحة الغالبية من المجتمع، أي لمصلحة الفئات الفقيرة».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 386