منظمة التجارة العالمية ركيزة أساسية للنهب الإمبريالي المنظم

في ظل خلافات جوهرية في المصالح بين ممثلي دول الشمال الغني ونظرائهم من دول الجنوب الفقير انتهى الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية، بعد خمسة أيام من انعقاده في الدوحة، وتحت حراسة السفن الحربية الأمريكية، إلى وثيقة إعلان ختامي معدل لم يشكل بحسب المتحدثين الرسميين نصاً متوافقاً عليه، وإنما أساساً لمفاوضات جديدة تهدف إلى إطلاق جولة جديدة من مباحثات التحرير الكلي للتجارة العالمية بعدما توقفت جولات الأورغواي...

توافقاً تسويفياً
وشهد البيان توافقاً تسويفياً غير نهائي على الملفات الأقل صعوبة، كالأدوية والسماح للدول النامية بالحصول على عينات رخيصة منها خارج براءات الامتياز، أو تعديل الفقرات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية والبيئة رغم الاختلاف العالمي مع الولايات المتحدة بخصوص امتناعها عن المصادقة على اتفاق كيوتو 1997 المتعلق بمعالجة ظاهرة الانحباس الحراري الناجم عن الغازات السامة التي تعد الولايات المتحدة مسؤولة عن 25% من إجماليها في العالم، وهو ما أبقى، بحسب المصادر الرسمية، الملفات الأكثر صعوبة مفتوحة، كالزراعة وحقوق العمال وإجراءات مكافحة الإغراق السلعي التي تتنافى ومبدأ التبادل الحر من حيث الجوهر أساساً...
 فوثيقة الإعلان الختامي تلحظ الاتفاق على «إلغاء تدريجي» للدعم المقدم للزراعة، في حين كان الأوربيون يطالبون بتعديل ذلك إلى تخفيضه خلافاً لما يطالب به الأمريكيون من إلغاء كلي...
 أما الدول النامية فقد جددت رفضها الحديث عن موضوع التشريعات الاجتماعية لا سيما ما يتعلق منها بربط التحقق من تطبيق المعايير العمالية التي أقرتها منظمة العمل الدولية خشية أن يدخل ذلك في إطار تدابير الشمال لحماية الأسواق، ويشكل ذريعة لفرض مزيد من القيود على صادرات دول الجنوب إلى الدول الغنية حسب آلية مكافحة الإغراق...
 وإلى جانب رفض الشمال المتطور اعتبار اليد العاملة في العالم أجمع سلعة ينبغي تحرير حركتها وتبادلها أيضاً في الصيغة الرأسمالية المنطقية المفترضة، ورأت الدول النامية في مسألة الاستثمارات أن شركاتها غير قادرة بعد على منافسة الشركات الأجنبية وتحتاج لمزيد من الوقت حتى تكون مستعدة لمثل هذه المنافسة قبل أن تلتزم بقواعد عدم التمييز...

استنزاف.. وتبادل غير متكافئ
 ولا يغيبنَّ عن البال هنا أن الدول النامية لا تملك بالأساس صناعات قوية تسمح بحجم تبادل كبير ومنافس مع السوق العالمية مما يدفعها، وتحت وطأة الابتزاز، إلى الاتجار بمخزون ثرواتها الاستراتيجية كالنفط والغاز والمعادن الثمينة مع ما يعنيه ذلك من استنزاف كبير تكريساً لمبدأ التبادل غير المتكافئ...
 إن إصرار دول الشمال الغني على وجوب إطلاق جولة جديدة من المفاوضات متعددة الأطراف وصولاً إلى ما يسمى بالتحرير الكلي للتجارة، قبل قيام هذه الدول بإيفاء التزاماتها حسب الاتفاقيات المعقودة سابقاً والتي تقضي بفتح الأسواق فعلياً دون فرض رسوم جمركية عالية، هو موقف يتعارض مع مصالح دول الجنوب التي أعلنت في مؤتمر الدوحة صراحة أنه ينبغي الوفاء بالاتفاقيات السابقة ومن ثم يجري بحث الخطوات اللاحقة خطوة خطوة...
 إن الشرط الأساسي المطلوب تمييزياً من دول الجنوب للدخول في عضوية منظمة التجارة العالمية يتكامل تماماً مع الوصفات المقدمة من صندوق النقد والبنك الدوليين وهو يتمثل في ضرورة تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي بما يشكل أرضية رحبة للقضاء على دورها الوطني تمهيداً لتفصيله مع إجمالي الكيان الوطني والحدود بحسب مقتضيات الخارطة الجغرافية السياسية للعالم التي تجري محاولات جديدة لإعادة رسمها بدءاً من أفغانستان والمنطقة المحيطة بها هذه المرة...

الدفاع عن السيادة الوطنية
 وفي ظل هذه الظروف والمعطيات لا يبقى أمام الدول النامية والفقيرة من خيار سوى صياغة خياراتها الاقتصادية والسياسية وتشكيل تكتلاتها الإقليمية على أساس هذه الخيارات بغية الدفاع عن حقوقها وتاريخها وتراثها وسيادتها الوطنية دون الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية التي تشكل ثالوثاً قذراً مع صندوق النقد والبنك الدوليين، أو على الأقل لتحسين شروط موقعها التفاوضي.

تصدير الأزمات
 إن انعقاد مؤتمر الدوحة في ظروف تصدير أزمات الرأسمالية العالمية عن طريق إعلان وإشعال فتيل الحرب على شعوب العالم بذريعة محاربة الإرهاب إنما هو محاولة إيجاد غطاء شرعي موجه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومجَّير لصالحها بحيث تكون نتائجه الاقتصادية في خدمة الحرب الإمبريالية التي ستتحمل شعوب العالم نفقاتها المادية والمعنوية عملياً... وإن وجود ألفي جندي أمريكي على متن سفينة حربية أمريكية لحراسة المؤتمر احترازياً هو خطوة ابتزازية أمريكية تشكل إهانة إضافية كبرى للقطريين وأبناء الشعب العربي وأبناء شعوب العالم الرافضة لمنطق الهيمنة...
 إن لجوء السلطات القطرية إلى فرض إجراءات أمنية مشددة تتخذ من أحداث أيلول الأمريكية ذريعة إضافية لها، بما يشمله ذلك من تقليص شديد في حضور مناهضي العولمة والتضييق عليهم، وهم الذين أرادوا فقط التعبير عن آرائهم الاحتجاجية، إنما يشكل إشارة جديدة لتخوف الرأسمالية العالمية من تنامي دور وحجم الحركة الشعبية الدولية المناهضة للعولمة، والتي قدمت في جنوى الإيطالية أول شهدائها قبل أقل من شهر واحد من أحداث أيلول في نيويورك وواشنطن...

مشاركة دولة الاحتلال
 كما أن مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذا المؤتمر يعد أحد المؤشرات على طبيعة هذا المؤتمر. فمن الواضح لكل ذي عينين أنها كيان إرهابي عنصري باغ لا يزال يحتل الأراضي العربية ويمارس أبشع أنواع القمع والقتل في حق الشعب الفلسطيني متنكراً لكل الأعراف والشرائع والقرارات الدولية ناهيك عن موقعه الذي لم يتبدل في خارطة السياسة العالمية دركياً مدللاً لدى الرأسمالية العالمية في قلب المنطقة العربية ومخفراً أمنياً عسكرياً يرتبط ارتباطاً عضوياً بالرأسمال الصهيوني على وجه التحديد وهو كيان سيبقى رغم أي اتفاقات سلام حقيقية محتملة، أداةً لمحاولة بسط النفوذ والهيمنة على شعوبنا العربية.
 وفي أصداء نتائج مؤتمر الدوحة، وبينما تم قبول تايوان كمنطقة جمركية منفصلة تفادياً لأي اصطدام سياسي أو اقتصادي مع وطنها الأم الصين التي انضمت إلى المنظمة أيضاً، قوبل انضمامها للمنظمة بموجة احتجاجات ومظاهرات جابت أرجاء الجزيرة التي لم تشهد في تاريخها اصطفاف الناس في الطوابير للحصول على السلع الغذائية والاستهلاكية التي يتوقع أن تتضاعف أسعارها خمس مرات بعد الانضمام ناهيك عن التخوف الشعبي من ارتفاع عدد المطروحين إلى سوق البطالة بحكم شروط هذا الانضمام..
 وبعد أن صادق أعضاء البرلمان التايواني من سياسيين واقتصاديين على الانضمام للمنظمة ممررين 14 قانوناً تفاوتت إجراءاتها بين رفع الدعم عن معظم السلع إلى فتح السوق أكثر فأكثر اتهم المتظاهرون حكومتهم بالإذعان لضغوط المؤسسات المالية الدولية على حساب الصناعة المحلية والصالح الوطني العام.

مواجهات..
 وفي هذه الأثناء وبالقرب من مكاتب البرلمان الكندي شهدت مدينة أوتاوا الكندية مواجهات حامية الوطيس بين «شرطة مكافحة الشغب» والمتظاهرين من مناهضي العولمة المحتجين على اجتماعات وزراء مالية وبنوك مجموعة الدول العشرين المتزامنة مع اجتماعات الضلعين الباقيين في الثالوث المالي الدولي القذر وهما إلى جانب منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد والبنك الدوليين حيث اتهم المتظاهرون هاتين المؤسستين بالإضرار بمصالح الفقراء في العالم...

خلف الأبواب الموصدة
 وخلف الأبواب الموصدة قال وزير المالية الكندي رئيس قمة العشرين إن الاجتماع يهدف إلى بحث ما يمكن فعله بعد أحداث أيلول إلى جانب معالجة تباطؤ الأداء الاقتصادي العالمي وتوسيع حملة التضييق على تمويل الشبكات الإرهابية زاعماً أن العولمة تساعد الفقراء وهي لا تشكل أصل العلل وانعدام المساواة في العالم...
 والجدير ذكره أن مجموعة العشرين تضم مجموعة الدول الصناعية السبع (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، إيطاليا) إلى جانب مجموعة من الدول الأقل تطوراً (الصين، الهند، السعودية، جنوب أفريقيا، تركيا، الأرجنتين، استراليا، البرازيل، إندونيسيا، كورية الجنوبية، روسيا، المكسيك) والاتحاد الأوربي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
163