نحو نصف مليار ليرة فساد بسبب رفع الدعم في محافظة واحدة!! يجب رفع الدّعم عمّن رفَع الدّعم
انتشر سرطان الفساد في الدولة والمجتمع، وأصبح المواطنون يتابعون أخباره دون اهتمام أو حماس، فقد (ملّ قلبهم)، أو اعتادوا على وجوده المزمن، مثلما اعتادوا على المناظر المؤلمة لجرائم قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، والعدو الصهيوني في فلسطين ولبنان.. وذلك بسبب التهميش الذي يعانون منه، خصوصاً وأن معظم الرافضين للفساد باتوا مضطرين للجوء إليه أحياناً للحصول على جزء من حقوقهم.. والخطورة أن بعض الناس بات يقول يائساً: (ما في فايدة.. أنتم تكتبون وتكشفون مكامن الفساد، والفساد مستمر، بل ويزداد، وإذا ما تمت محاسبة ما.. يخرج منها الكبار كالشعرة من العجين، ويعودون إلى أماكن أخرى أكثر فائدة ومنفعة لهم، وتقع الواقعة على رؤوس الصغار من الفاسدين فقط، وتعود حليمة لعادتها القديمة)!!
لا شكّ أن كل ذلك حدث ويحدث، لكن قبل تبيان الموقف حوله، سنذكر آخر ما وصل إلينا من ألوان الفساد وأشكاله، وهو ما نجم عن قرار الفريق الاقتصادي ومن وراءه ومن يدعمه (رفع الدعم عن المازوت). لقد ضرب هذا القرار عصفورين بحجر واحد، إذا لم نقل عصافير عدة، الأول: ضرب الزراعة والصناعة وكل مفاصل الحياة والخدمات.. والثاني: فتح نوافذ الفساد وشرعنها في كل مكان. والرابح هم كبار الفاسدين، والخاسر هو الوطن والشعب. وهو كما يُقال: ضربة معلمين، فالمنطقة الشرقية مثلاً، تحول قسم كبير منها إلى خرائب تنعق فيها الغربان بعد أن هجر كثير من الفلاحين أراضيهم، ولنأخذ ما جرى في دير الزور وحدها في نافذة فساد صغيرة واحدة هي: بطاقات المازوت العائلية، فقد تمّ كشف قطع نحو عشرين ألف بطاقة زائدة، وهناك بطاقات أخرى لم تدخل في الحسبة لأن ملابساتها لم تتَح بعد بصورة دقيقة، وإذا ما حسبنا فرق السعر في كل دفتر 16000 ليرة × 20000 = 320 مليون ليرة فقط لا غير.. وهذا الرقم تقريبي ويمكن واقعياً أن يرتفع إلى نحو نصف مليار، وربما إلى أكثر خصوصاً إذا ما اتضح أن ثمة دفاتر إضافية زائدة..
في العموم، وعلى أثر هذه النتائج، تم توقيف بعض أعضاء اللجان والمشرفين عليها. والمثير للسخرية أن منهم من ترأس المجالس في المحافظة أو اللجنة النقابية فيها، لأن مركز المحافظة هو أحد مراكز الفساد، هذا عدا فساد التخزين والتزوير وغيرها من مشتقات فساد المازوت ونوافذه. هذا في دير الزور وحدها, ومؤكد أن الوضع ينسحب على كافة المحافظات.. فترى كم كلّف رفع الدعم أمام كلفة الدعم كلها!؟
ولتبيان الموقف ولنقدّم رأياً حول كيفية الخلاص من الفساد، نسوق خبراً جاء في إحدى صحف الجبهة بعنوان: لماذا لا تفعل لجنة «من أين لك هذا» على القضاة!؟ كحل لمشكلة الفساد. والسؤال: أين أحزاب الجبهة من كل ما يجري؟ ومن يقوم على هذه اللجنة؟
لقد سألنا كثيرون: كيف يمكن الخلاص من الفساد؟ وهنا نذكر خلاصة مسرحية يونانية قديمة تقول: إن أحد الملوك كان لديه اصطبلات للخيول أهملها الساسة والمسؤولون عنها حتى تراكمت القاذورات فيها، ووصلت حدّاً بات يهدد المدينة وكل من فيها، فجمع الملك المستشارين الشرفاء، وسألهم عن كيفية الخلاص وحلّ المشكلة، فأشاروا عليه بعدة حلول، واستقر الرأي على تحويل مجرى النهر إلى الاصطبلات ليجرفها بكل ما فيها لأن الخيول باتت مصابةً وكذلك الساسة أيضاً.
إن محاربة الفساد ليست مستحيلة، ويجب أن تبدأ بمحاسبة من اتخذ قرارات جائرة كقرار رفع الدعم، أي رفع الدّعم عمّن رفعَ الدّعم، وبمحاربة الفساد الكبير الذي يولد الصغير، وذلك بإشراك كل الشرفاء في الوطن في هذه العملية، فهم يمكن أن يكونوا النهر الجارف للفساد والفاسدين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 409