جدولة لديون الفلاحين.. أم تكريس لعذاباتهم؟

وافق مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت يوم الثلاثاء 16/6/2009 برئاسة المهندس محمد ناجي عطري رئيس المجلس، على اقتراح وزارة المالية بجدولة قروض المصرف الزراعي التعاوني القصيرة الأجل في المحافظات، الممنوحة للزراعة البعلية في الموسمين الشتويين 2007-2008 و2008-2009، وأقر أن يتم تسديد هذه القروض خلال مدة ثلاث سنوات على أقساط سنوية متساوية وتواريخ استحقاق موحدة يُستَحق القسط الأول منها بتاريخ 1/9/2009.

القرار الذي جاء دون المرتجى والمتأمّل، تم تعليله «بهدف دعم العملية الزراعية والإنتاجية ودعم الإخوة الفلاحين والمزارعين»، فهل فات مصدريه أن ينتبهوا أنهم بقرارهم هذا لا دعموا الفلاحين، ولا دعموا العملية الزراعية والإنتاجية؟ فالفلاحون ببساطة لن يتمكنوا من التسديد إلا إن باعوا أراضيهم التي يقتاتون من خيراتها، أو أجزاء كبيرة منها.. أو ربما بيوتهم أو آلياتهم الزراعية إن وجدت، فمعظم القروض الممنوحة لهم ذهبت أدراج الرياح، وعصف بها الجفاف، أو السيول، أو الصقيع، أو تذبذب الأسعار، أو عشوائية حركة الاستيراد والتصدير، أو قوانين السوق المجحفة وأطماع تجار الجملة.. وبالتالي لم يستفد منها المقترضون بقليل أو بكثير، فمن أين يسددون للمصارف الزراعية المانحة؟
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تجاهل مجلس الوزراء للنداءات والمناشدات والمطالب والعرائض الفلاحية التي نشرتها وسائل الإعلام السورية، وفي مقدمتها صحيفة قاسيون، والتي أكدت بمجملها على ضرورة إعفاء الفلاحين من ديونهم، أو على أقل تقدير، إعادة جدولتها على أمدية زمنية أطول مع تقديم كل ما يمكن تقديمه من إعفاءات وتسهيلات؛ يؤكد أن مجلس الوزراء عموماً، ووزارة المالية على وجه التحديد، لم تتعامل مع المسألة من الناحيتين الاستراتيجية والإنسانية! فاستراتيجياً هذا النوع من القرارات سيوجه ضربة إضافية للزراعة السورية التي بدأت تترنح بقوة بعد أن أنهكتها السياسات النيوليبرالية للحكومة المقتدية والمسترشدة بتوجيهات البنوك الدولية.. وبالتالي سيدفع السوريين لمزيد من العزوف عن الزراعة، وهذا سيخل بالأمن الغذائي، وبالتالي، بالأمن الوطني.
أما من الناحية الإنسانية فإن قرار كهذا، والذي قد يوهم البعض أنه يشكّل تعاطفاً مع الفلاحين، سيساهم واقعياً في إفقار شريحة كبيرة من المزارعين الفقراء وتحميلهم هماً جديداً فوق همومهم المعاشية، وسيزيد من فقرهم وعوزهم.
لذا، وبعد ما تقدم، نؤكد على ضرورة إعادة مجلس الوزراء النظر بالقرار الصادر عنه بهذا الخصوص، وتعديله بما يضمن تحقيق جدواه استراتيجياً وإنسانياً..

معلومات إضافية

العدد رقم:
409