بعد عام من تشكيل الحكومة المأزومة.. 49% نسبة تراجع الدخل الحقيقي .. وارتفاع معدلات الفقر

لم تتطرق الصحافة السورية خلال الأزمة الحالية لواقع زيادة الهوة بين دخل ونفقات الأسرة السورية بعد الارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق، كما أهملت تأثير ذلك على معدلات الفقر التي يفترض ارتفاعها، كما أنه لا بد من التساؤل عن نسبة التراجع في الدخل الحقيقي للسوريين بعد هذا الارتفاع بالأسعار أيضاً؟! وكم بات حجم الهوة والفارق بين الأجور والتضخم؟! وما الذي يمكن أن يقال عن نسب التراجع الحاصلة في القدرة الشرائية للسوريين؟! كلها أسئلة مشروعة، والإجابة عليها، تكشف المستور عن حجم الفجوة الكبيرة التي أحدثتها السياسات الحكومية الحالية، بعد عام من تسلمها الإدارة الاقتصادية في البلاد، وما أدت إليه من تعميق للفقر الذي يعانيه السوريون بالأساس، ودورها في زيادة عدم عدالة توزيع الثروة لمصلحة الأرباح والأغنياء طبعاً...

ماذا عن زيادة الإنفاق؟!
في عام 2009، وحسب المسح الأخير للمكتب المركزي للإحصاء حول متوسط دخل ونفقات الأسرة السورية، كانت المعطيات تشير إلى أن متوسط إنفاق الأسرة السورية المطلوب في حينها يبلغ نحو 30800 ليرة سورية، ولكن كم أصبح متوسط هذا الإنفاق حالياً؟! وإذا كانت حصة الإنفاق على الغذاء في السابق 45.6% إجمالي الإنفاق في عام 2009، فكم أصبحت هذه الحصة اليوم؟! وإذا كانت حصة إنفاق الأسرة الواحدة على بنود الغاز، والمازوت والكهرباء والمياه والفيول والبنزين 8.8%  من إجمالي إنفاق الأسرة حسب إحصاء المركزي في عام 2009،  ولكن، كم تبلغ نسبة هذا الإنفاق بعد ما حصل من استغلال مخيف لحاجة السوريين من تلك المواد والسلع، ورفع أسعارها استغلالاً لتلك الحاجة تارة من جانب المحتكرين، ورفعها طوراً عبر القرارات الحكومية؟!
 
8% الزيادة على أسعار الطاقة
أثبتت دراسة معدة من هيئة تخطيط الدولة الأثر الإجمالي لزيادة أسعار الغاز المازوت الكهرباء المياه الفيول البنزين، والذي بلغ 11 ألف ليرة سورية سنوياً للأسر الأقل إنفاقاً، ليرتفع إلى 48 ألف ليرة للأسرة الأكثر إنفاقاً، ولكن ما هو تأثير هذا الارتفاع على متوسط إنفاق السوريين؟! وبالعودة إلى إحصاء عام 2009، نجد أن الأسرة السورية كانت تنفق شهرياً 2700 ليرة سورية على هذه البنود، وهذا ما شكل في حينها 8.8% من إجمالي إنفاق الأسرة الواحدة، ولكن كم ستصبح هذه النسبة بعد هذه الزيادة؟!
إن متوسط إنفاق السوريين على البنود سابقة الذكر بحسب دراسة هيئة تخطيط الدولة سيرتفع من 900 ليرة سورية شهرياً للأسر الأقل إنفاقاً، وصولاً إلى 4 آلاف ليرة شهرياً للأسر الأكثر إنفاقاً، ومتوسط هذه الزيادة سيبلغ نحو 2450 ليرة سورية للأسرة الواحدة، أي أن نسبة الارتفاع في الإنفاق على هذه البنود مجتمعة قد ارتفعت بما يتراوح بين 37 – 148%، وهذا سيعني ارتفاع متوسط إنفاق الأسرة السورية –تأثراً بهذه البنود فقط- بنحو 2450 ليرة، وبما يعادل زيادة 8% على إجمالي إنفاق السوريين..
 
68% للإنفاق الغذائي
لم نأت هنا على ذكر التأثير الكبير لارتفاع أسعار سلة المستهلك السوري على إجمالي إنفاقه،  فحصة الإنفاق على الغذاء في السابق كانت تبلغ 45.6%، وهو ما يعادل رقمياً 14 ألف ليرة سورية، وإذا ما افترضنا أن متوسط الزيادة الحاصلة في الأسعار يصل إلى 50%، وهذا في أسوأ الأحوال، لأن الارتفاعات هي أكبر من ذلك بالتأكيد خلال العام الماضي وحده، فهذا سيضعنا أمام فرضيتين، إما أن حصة الغذاء من إجمالي الإنفاق قد ارتفعت، أي أن متوسط الإنفاق الغذائي قد ارتفع إلى 21 ألف ليرة، إذا ما افترضنا عدم الزيادة في الأجور، لأن واقع الحال يشير إلى تخفيضها في القطاع الخاص، وتراجع مداخيل أصحاب المهن الحرة، وهذا يعني أن متوسط إنفاق السوريين المفترض على الغذاء قد وصلت نسبته إلى 68% من إجمالي ما ينفقه السوريون حسب إحصاء عام 2009، وهذا يعني زيادة التشوه الذي تعانيه سلة المستهلك السوري..
 
تهاوي القدرة الشرائية للسوريين
أما إذا ما وضعنا الفرضية الأخرى، وقررنا تثبيت نسب إنفاق الأسرة السورية على الغذاء عند نسبة 45.6%، والتي هي اليوم بالكتلة الرقمية تبلغ 21 ألف ليرة بعد الزيادة الحاصلة في الأسعار، فهذا يعني أن متوسط إجمالي ما سينفقه السوريون شهرياً على الغذاء في الوقت الحالي، وبعد ثلاث سنوات من المسح الماضي يصل إلى 25050 ليرة سورية، أي أن متوسط إجمالي إنفاق الأسرة السورية قد ارتفع إلى نحو 46 ألف ليرة سورية بفعل الارتفاع الحاصل في الأسعار، وتحديداً منذ تشكيل الحكومة الحالية في شهر نيسان من عام 2011، وهذا يؤكد أن إنفاق السوريين قد ارتفع بمقدار 15200 ليرة سورية، وبنسبة تتعدى حاجز 49%، خاصة وأن هذا الارتفاع في الإنفاق قوبل بالثبات الفعلي في الرواتب والمداخيل، إن لم نقل أن جزءاً من مداخيل السوريين قد تراجع خلال الأزمة الحالية..
هذه النسبة (49%) هي التي تعبر مبدئياً عن حجم التراجع في الدخل الحقيقي للسوريين بعد هذا الارتفاع بالأسعار أيضاً؟! وتعبر عن حجم الهوة والفارق المتزايد بين الأجور والتضخم؟! وعن نسبة التراجع في القدرة الشرائية للسوريين..
 
للفقر نصيبه أيضاً
بعد كل هذا الحديث عن زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتراجع القدرة الشرائية للسوريين، كان لا بد من ربط ذلك بمؤشرين اثنين، يؤكدان أن نسبة التراجع في تلك المداخيل هي أكبر من ذلك بكثير، ألا وهي معدلا البطالة والفقر، وبالنسبة للبطالة فقد أشار الإحصاء الأخير للمكتب المركزي أن المعدل قد ارتفع بنسبة 6.3%، وذلك من نسبة 8.6% في عام 2010 إلى 14.9% في عام 2011، وهذا يعني بالضرورة، أن معدل الفقر قد ارتفع هو الآخر، فزيادة الفقر يتناسب طرداً مع زيادة معدلات البطالة،  ولكن هنا لن نترك الحديث عن الفقر دون رقم أعلنه التقرير الاقتصادي للاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية، والذي أشار إلى ارتفاع نسبة الفقراء إلى 41 بالمئة من عدد السوريين، وهذا يؤكد دون أدنى شك فرضية التأثير الكبير لارتفاع الأسعار في زيادة معدلات الفقر التي لم تعلن الحكومة عن رقم لها، إلا أن المقدمات تشير إلى زيادتها، فكيف إذا ما استندنا إلى التقرير النقابي السابق؟!.. وهذا يشير إلى أن سياسات الحكومية الحالية ساهمت في تعميق الفقر، وزيادة عدم العدالة في توزيع الثروة لمصلحة الأرباح والأغنياء طبعاً..