بين تنفيذ الخطط الاستثمارية من عدمه... تآمر مكشوف لنهب المال العام!
قبل أن نسأل المدراء، ما هي الأسباب التي تعيق تنفيذ الخطط الاستثمارية؟ لا بد من سؤال وزارة الصناعة، لماذا تبقي الوزارة ومؤسساتها، وهيئاتها على نسب تنفيذ خططها الاستثمارية صفراً، أو عند حدود 1%، وفي أحسن الأحوال لا تتجاوز النسبة سقف الـ10%، الجواب واضح بالتأكيد، «لا تملك الوزارة حرية اتخاذ القرار»!! ولكن لا بد من سؤالهم: من يملك اتخاذ القرار إذاً؟! وهل هذا سيعفيهم من مسؤولية ما سينتجونه من خراب؟! والذي هم بالمحصلة شركاء في صنعه؟!
زيادة الأزمات
أنشئت المؤسسات التابعة لوزارة الصناعة قبل أكثر من أربعين عاماً، وبقي دورها على حاله، وذلك كحلقة وسيطة بين الشركة ووزارة الصناعة، وتعقدت مشاكل الشركات، وازداد الروتين والبيروقراطية، وحصل الترهل الإداري، وارتفعت قيمة المكاسب غير المشروعة، في حين كان يجب أن يكون دورها، هو العمل على تطوير وتحسين المنتج، والتقليل من الاعتماد على الاستيراد، وإيجاد بدائل محلية، ورفع الإنتاجية، وتخفيف الهدر من خلال تشديد الرقابة، وتوطين التكنولوجيا الضرورية، والرقابة على الجودة والمستوردات.
ماذا تقول الوقائع؟!
هذه المؤسسات لم تمارس دورها وبقي عملها وسيطاً وسمساراً في العقود، وفي الاستيراد والتصدير، وقبل الحديث عن هذه المؤسسات، لا بد من الإجابة عن أسباب عدم تنفيذ الخطط الاستثمارية، حيث أشار خبير اقتصادي ومدير عام سابق في هذا الصدد إلى أن الخطة الاستثمارية في مؤسساتنا هي كذبة كبرى، وهي مجال واسع لصرف الأموال على السماسرة والتجار والمتعهدين وشراء الولاءات، وإذا كانت الخطة الاستثمارية صفراً يعني إن وصفنا بخير ويجب أن نكافئ الإدارة، فالخطة الاستثمارية التي تبلغ قيمتها الـ40 مليون ليرة تصرف، ليس على التطوير والتحديث في تلك المؤسسات، وإنما في تعهدات بلا معنى.
دون مساءلة أو محاسبة!
رئاسة الوزراء تطالب بصرف المخصصات، ولكن هل سألت رئاسة الوزارة، أو أية جهة مسؤولة عن مردود الخطة الاستثمارية، وأين تصرف تلك الأموال؟! والحقيقة كلما كان حجم الخطة الاستثمارية أقل، كانت الأوضاع أسلم وأفضل، ويهدم بناء، ويقام غيره من المشاريع الخلبية دون أن يجري إحداث مشاريع استثمارية حقيقية، فمن الأفضل للمؤسسات أن لا تنفذ خططها الاستثمارية، لأنها في هذه الحالة لم تسرق، ولم تهدر المال العام، فالمدير الذي لا ينفذ الخطة الاستثمارية يجب أن يكافأ!! لأنه في الغالب توضع المخصصات الاستثمارية لشركة ما، والمقدرة بحدود 400 مليون مثلاً، بيد الوزير، وعشرات المتعهدين الذي يتزاحمون على الوزارة أو المؤسسة لشراء العقود،و إذا خصص لشركة ما 10 ملايين ليرة، فمن المفروض أن تكون هناك زيادة في دخل المؤسسة ما يقارب المليون ليرة، بالإضافة إلى تعيين عمال جدد، ومع تحسين في خطوط الإنتاج أيضاً، ولكن الأموال تصرف في غير أماكنها المطلوبة، فهل رئيس الوزراء يلاحق؟! ولما لا يسأل أحد عن ماتم تحقيقه؟.
لنسأل الجهات الوصائية؟
لماذا لا تسأل الجهات الوصائية مؤسساتها عن خططها في سنوات سابقة، وماذا حققت هذه الخطط؟! وأين صرفت تلك الأموال؟ فالخطط الاستثمارية في المؤسسات والشركات العامة، أفسدت قطاعاً كبيراً من العمال في القطاع العام، ومدراء وكوادر فنية، وعمالاً وتجاراً وسماسرة ومازالت تفسد من تبقى منهم!!
مؤسسات تنفيذها صفر!
نعم مؤسسات تضم جيشاً من الكوادر الفنية من كل الاختصاصات نسبة تنفيذها في أعوام عديدة كالآتي:
هيئة المواصفات والمقاييس، نسبة تنفيذها لخطتها الاستثمارية في عام 2009، كانت بحدود 1%، وهناك جهات أخرى لا نعلم بالضبط نسب تنفيذها، وهي مركز الدارسات والبحوث العملية، والجامعات والمعاهد العليا، ومركز البحوث العائدة للوزارات، وجهات أخرى في القطاع الخاص.
عودة إلى البداية
قد نغفر للشركات الإنتاجية تنفيذها خططها الإنتاجية مع «تجاوزنا لكلام المدير السابق الذي تحدث سابقاً»، وذلك لأسباب عديدة منها مثلاً، ففي شركات الغذائية، سوء بمواصفات بذور القطن الموردة من المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان، وسوء مواصفات الحليب الخام المورد سواء من المباقر أو الجمعيات الفلاحية من حيث ارتفاع الحمولة الجرثومية، بالإضافة إلى استمرار المنافسة بالأسعار في السوق، وخاصة لمنتجات الألبان، وذلك نتيجة وجود الورشات التقليدية والمستورد، وقدم الخطوط الإنتاجية، ومثال ذلك، ألبان دمشق وحلب، واعتماد شركات الكونسروة على المحاصيل الزراعية المرتبطة بالظروف المناخية، والتي تتباين من عام لأخر، وخاصة موسم البندورة، وعدم توفر المياه الكافية لعمليات تصنيع البصل، إضافة لعدم التزام الفلاحين بتوريد كميات البصل، وعدم كفاية بعض المواد الأولية بالكميات أو المواصفات أو الأسعار الاقتصادية.
فلهذه الأسباب ولغيرها ، يسعى مدراء شركات القطاع العام لتبرير نسب تنفيذ الخطط الاستثمارية في المؤسسات الإنتاجية، وبعض هذه الشركات نسب تنفيذ خططها تتراوح بين 30 – 50%..
في الاستثمارات
تخصص المبالغ الاستثمارية، وهي ليست كافية بالطبع، انطلاقاً من أن زيادة الاستثمارات سوف تؤدي إلى تحسين إنتاجية رأس المال أولاً، وتوظيف العمالة ثانياً من خلال رفد الشركات بتكنولوجيا حديثة، ومواكبة التطورات الراهنة وحاجة السوق، واستجابة لمتطلبات المنافسة، والمترافق مع انفتاح الأسواق.
ولكن كانت هذه الاستثمارات لا تكفي مطلقا،ً وكانت وزارة الصناعة تشكو من قلة الاعتمادات التي ترصد في الخطط الخمسية، وخصوصاً العاشرة والحادية عشرة، ولكن اتحاد العمال يطالب بزيادة الاستثمارات، ويقول: «إن الخطة الخمسية خصصت ما قيمته 21 مليار ل.س لإصلاح القطاع العام»، ويسأل: هل يكفي هذا المبلغ بقيمته الحقيقية وليس الاسمية للنهوض بالصناعة الوطنية في القطاع العام؟! أو يساهم في تطوير التكنولوجيا وتحديث خطوط الإنتاج، لذلك فإنه يمكن القول: إن الأموال التي رصدت في السابق كانت تصرف بطرق غير مشروعة، وكانت تهدر على مشاريع وهمية.
تفاقم الهدر والفساد
نعم، في ظل هذه الأوضاع يتفاقم الهدر والفساد تحت يافطة الإصلاح والتطوير، وما يؤكد ذلك، هو أن الجهات الوصائية كما جاء في صحيفة سورية، تعاقدت مع شركتين أجنبيتين لإدارة شؤون المستوردات السورية، وهما شركة SGS وشركة VIRITAS، وعليهما مسؤولية الحفاظ على نوعية المستوردات وجودتها، وباستطاعتهما أن يمنعا أية بضاعة تدخل سورية تحت شعار المواصفة، وذلك بمبلغ أربعة مليارات ليرة سورية سنوياً، وذلك مقابل تزيين شهادات الاستيراد بأختامهم، ويذكرنا هذا بالأيزو قبل سنوات، حيث أنشئت الأيزو مقرات لها في جميع المدن، وشملت الشركات السورية في القطاعين العام والخاص بقيمة تصل إلى مئات ملايين الليرات السورية، وهنا نسأل: عن أي هيئة للمواصفات والمقاييس نتحدث؟ وأين مركز الاختبارات؟ وإذا كانت هذه المؤسسات ميتة، ونسب تنفيذها صفراً، ألا تكفي 4 مليارات لتجديد شبابها، وعودة الحيوية إلى خطوط إنتاجها، أليس في هذا تآمر مكشوف على هذا البلد؟!..