ندوة الثلاثاء الاقتصادية: الأجور والأسعار وتكاليف المعيشة.... تحرير الاقتصاد....أم تحرير قوى السوق المتوحشة الاقتصاد الوطني بين التخبط الحكومي وأطماع قوى السوق

إلى أين يسير الاقتصاد السوري المحرر!؟

تحرير الاقتصاد.. مستقبل كارثي للوطن والمواطن

أزمة ارتفاع الأسعار... أولى نتائج الليبرالية الاقتصادية

تبرز أهمية البحث في الأجور والأسعار وتكاليف المعيشة في هذه المرحلة الانعطافية من تاريخ تطور الاقتصاد السوري، كونها ترصد المؤشرات الأولى للتحرير العشوائي للاقتصاد، بكل ما يحمله ذلك من سلبيات ومن آثار وخيمة، تنعكس مباشرة على الوطن والمواطن، وتنذر بنتائج أكثر سوءاً في قادم الأيام.

ولعل أبرز ما يميز هذه المرحلة اقتصادياً، هو التخبط الحكومي الذي يتجلى بالارتجال، ومايتبعه من ارتباك، لافتقاده للمنهجية الواضحة وللتخطيط السليم، في وقت تتحفز فيه قوى السوق المحلية والعالمية للانقضاض على مواردنا الاقتصادية، من خلال برامجها الليبرالية التي تحاول فرضها بشتى السبل.

وفي هذا الإطار، وضمن فعاليات ونشاطات جمعية العلوم الاقتصادية، تم تخصيص ندوة الثلاثاء الاقتصادية المنعقدة في 27/4/2004، والتي أدارها د. عصام الزعيم، للحديث حول «الأسعار وتكاليف المعيشة» في محاضرة ألقاها د. أديب ميالة، وحاول من خلالها البحث في الأجور والأسعار وتوصيف الواقع المعيشي للناس، وخاصة في ظل الارتفاع الكبير للأسعار الذي حدث مؤخراً.

وقد بدأ د. ميالة محاضرته باستعراض بعض النظريات الاقتصادية الرأسمالية التي تتحدث عن العلاقات والآليات التي تحكم السوق، فأكد في هذا المجال أن التنظير الفكري الرأسمالي، حاول أن يُظهر اقتصاد السوق كاملاً سلساً ومثالياً، بينما الواقع يختلف عن ذلك كثيراً، لأن «السوق يعاني من نواقص تؤدي إلى اختلالات».

أولاً: السياسة السعرية: وجد المحاضر من خلال بحثه في تاريخ الدور الحكومي لتحديد الأسعار أن وزارة الاقتصاد، وهي المسؤولة عن تحديد السياسات السعرية، ركزت منذ آواخر السبعينات على «الأخذ بمبادئ التكاليف الحقيقية للإنتاج والاستيراد» في تحديد الأسعار، ووقتها كان القطاع العام هو الناشط الأساسي، ولكن، ومع التغيرات التي شهدتها سورية منذ أواسط الثمانينات، وبروز القطاع  الخاص كمنتج ومستورد، أصبحت معرفة التكلفة الحقيقية أمراً صعباً وربما مستحيلاً، ومن هنا بدأت عملية تحرير أسعار معظم السلع.

ثانياً: أزمة الأسعار الحالية: عرّج المحاضر على الأزمة الحالية، وحاول تحليلها من خلال قراءته لوجهة نظر الحكومة من جهة ولوجهة نظر غرفة صناعة دمشق من جهة أخرى.

فوجهة نظر الحكومة ممثلة بوزارة الاقتصاد والتجارة تتلخص في أن المواد التي ارتفعت أسعارها، إنما تأثرت بازدياد الطلب العالمي عليها،وخاصة الطلب الصيني!!! مثل الحديد والخشب والزيوت، أما باقي المواد والسلع فإنها تأثرت بارتفاع سعر الدولار وانخفاض المعدل المطري وتخفيض سعر الفائدة، وبما يتعلق باللحوم، فقد ارتفعت أسعارها بسبب النقص الشديد في عدد الذكور!!!

أما وجهة نظر غرفة صناعة دمشق: فركزت على أن الأسباب تكمن في ضعف السياحة!! وارتفاع سعر التكلفة والفساد الإداري، وأكدت أن الارتفاع حصل في سعر «المفرق» وليس في سعر الجملة وبذلك برأت التجار الكبار من كل ماحدث ويحدث، وحمَّلت المسؤولية للباعة والتجار الصغار!!

الأسباب الحقيقية للأزمة

أما المحاضر د. ميالة فيرى أن هناك عدة أسباب للأزمة وهي:

1. ارتفاع الأسعار العالمية لبعض المواد.

2. ارتفاع أسعار المواد المستوردة الناجم عن ارتفاع  اليورو.

3. الفساد وسوء الإدارة والبيروقراطية.

4. ارتفاع أسعار المواد التي تسعرها الدولة ( إسمنت ـ لحوم)، مما أدى إلى ارتفاع أسعار بقية السلع.

أما لماذا وصلت الأمور  إلى هذا الحد، فيرى د. ميالة، أن الحكومة لم تستشعر الأزمة قبل حدوثها، وأنها تلكأت لاحقاً في التعامل معها وحلها، وذلك لوجود مستفيدين فاسدين فيها، ينشطون في مثل هذه الحالات في الأسواق السوداء، كما أن الحكومة توانت عن القيام بدورها كمراقب وموجه للسوق.

تكاليف المعيشة بين الأجور والأسعار

ويرى المحاضر أن السعر والأجر هما حصانا عربة الاقتصاد، وهذا يجعل ربط الأجور بالأسعار أمراً واجباً وضرورياً للسير بالاقتصاد إلى الأمام. وكما يجري العمل للوصول إلى أسعار حقيقية، فيجب السعي لرفع الأجور بما يتناسب مع الأسعار، وتخفيض الضرائب على المنتجات والسلع، لأن  المستهلك هو الذي يتحمل وزرها في النهاية، بعد أن يضيفها المنتج إلى التكاليف، وبالتالي إلى السعر النهائي.

وبالأرقام، فإن الرواتب والأجور في تراجع مستمر، من حيث قدرتها على تأمين واستحواذ السلع والخدمات، فإذا كان الإنسان بحاجة يومياً إلى /2400/ سعرة حرارية على الأقل للاستمرار في الحياة والإنتاج، وإذا علمنا أن كلفة هذه الحريرات تصل إلى /62/ ل.س، فإن اسرة مكونة من خمسة أشخاص (وهو معدل الإعالة في سورية)، تحتاج إلى /9300/ ل.س شهرياً للغذاء فقط، وإذا أضفنا إلى ذلك مصاريف الخدمات الأخرى، والتي تبلغ 40% من مجمل النفقات، فإن هذه الأسرة ذات المعيل الواحد تحتاج إلى /6200/ ل.س أخرى، وهذا يعني أن المعيل يجب أن لايقل راتبه الشهري عن /15500/ ل.س.

وبالنظر إلى هذه الأرقام يتبين أن المجتمع السوري هو مجتمع فقير، ويعاني من انخفاض حاد في مستوى المعيشة، وتتحمل مسؤولية هذا التردي الحكومة وسياساتها الاقتصادية والمالية، بكل ما نتج عن هذه السياسة من فساد إداري ومالي واجتماعي.

وبما أن خطة الإصلاح الاقتصادي التي أقرتها الحكومة بناء على توصيات من القيادة السياسية، والتي ادعت فيها أنها ستسعى إلى القفز بالمستوى المعيشي للناس، كانت حبراً على ورق، فقد شن د. مياله هجوماً حاداً على وزير المالية، باعتبار أن المناصب التي تبوأها ويتبوؤها الآن، كانت وماتزال تضعه في موقع صنع القرار، وبالتالي فهو مسؤول مسؤولية مباشرة عن التردي الحاصل.

مداخلات هامة: بعد أن أنهى د. ميالة محاضرته، جرى نقاش هام، اتسم بالتخصصية والإشارة إلى الكثير من النقاط التي غابت عن المحاضرة، كما لوحظ في هذه المداخلات، ارتفاع أصوات المدافعين عن القطاع العام، والمنددين بقوى السوق باعتبارها مسؤولة عن الأزمة الأخيرة، وقد افتتح د. عصام الزعيم الحوار، ليؤكد أن ندوة الثلاثاء الاقتصادية، لا يمكن أن تكون منبراً للتهجم على الحكومة مهما كانت الأسباب!.

الاحتكار مشكلة المشاكل

في بداية مداخلته، سأل د. أكرم الحوراني عمن يصنع القرار الاقتصادي في سورية، ليجيب بأن المضطلع في ذلك هو المكتب الاقتصادي القطري، واللجنة الاقتصادية ومجلس الوزراء بكل وزاراته، ووزارة الاقتصاد، وأخيراً وزارة المالية، لذلك رأى أنه من الخطأ تحميل المسؤولية الكاملة لوزير المالية شخصياً. ثم انتقل للحديث عن هذا العصر، عصر العولمة، والذي يتسم بتقارب الأسعار في كل أنحاء العالم، في حين أن الأجور تتباعد، وهذا أهم أسباب تردي أحوال ذوي الدخل المحدود. ورأى أن المحاضرة افتقدت للاستراتيجية، وغابت عنها آلية تشكيل السعر، وتحديداً السعر الغذائي، فأشار إلى أن فارق السعر في العالم بين ما يدخل جيب المنتج ومايدفعه المستهلك هو 20% بينما في سورية يصل ذلك إلى 100%.

الضبابية وغياب التخطيط

وقدمت الدكتورة ديالا حاج عارف مداخلة هامة قالت فيها: إن المشكلة في سورية أن الأزمات ماتزال تتكرر باستمرار ومنذ سنوات طويلة، وذلك بسبب غياب التخطيط، وعدم وجود منهجية واضحة، وسيطرة الضبابية على الرؤى الحكومية. والمفاجأة بأن وزارة الاقتصاد تعترف بأن الأسعار الآن، تسير وفق آلية السوق، فهل يمكن للحكومة أن تنتهج اقتصاداً لآلية السوق فقط في موضوع  الأسعار؟ وهل العرض والطلب يختصر في الأسعار فقط؟ ثم هل الحكومة خجولة لدرجة عدم الاعتراف بسياساتها الاقتصادية ونهجها الاقتصادي؟ نريد أن نعرف، هل هي تدخلية؟ إشرافية؟ اقتصاد سوق موجه؟ أم ماذا؟. إن إصلاح الرواتب والأجور، لايتم بزيادة نسبية، ولاحتى بإصلاح في المزايا العملية، إنما يتم بمنهج فكري تعتقد به الحكومة وتسعى لتنفيذه.

تناقض شديد

الاقتصادي خليل خليل، دافع عن الحكومة بشدة وقال: «إذا لم تكن الحكومة تمتلك الموارد والأموال الكافية لتحسين الظروف المعيشية للناس، فما عساها تفعل؟ هل تعتمد على المساعدات والمعونات؟! وللعلم فإن مفهوم الفقر نسبي، وهو يتغير من وقت لآخر، ففي السابق كان من لايمتلك راديو يعد فقيراً، أما الآن فمن لا يمتلك «ستا لايت» وسيارة يقال عنه أنه فقير»!! ثم تابع قائلاً: «ولو أن أحداً من الحاضرين استلم وزارة المالية أو وزارة الاقتصاد بدلاً من العمادي، هل كان سيقدم أكثر مما قدم»!! ثم وقع في تناقض شديد عندما قال: «المشكلة ليست في الحكومة، وإنما في توزيع الثروة..».

الأزمة افتعلتها غرف الصناعة والتجارة

وألقى د. حيان سليمان مداخلة قوية، أكد فيها أنه سيتجنب  الدخول في جدال حول التناقض بين نظام الاقتصاد المخطط ونظام السوق، ولكنه قال: «الحمد لله أنه حدث ارتفاع في الأسعار، في هذه الفترة بالذات، لأن هذه هي أولى نتائج الليبرالية الاقتصادية التي دعت لتحرير الأسعار» ثم أكد أنه كان دائماً من أنصار تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، بشرط أن تكون تاجراً حقيقياً، ومنتجاً حقيقياً، ومصنعاً حقيقياً، وأن لا تأتي إملاءاتها بأوامر وصائية من جهة أعلى إلى جهة أدنى حاملة طابع العبودية. وقد تدخلت الدولة ممثلة بوزارة الاقتصاد والتجارة وخففت من حدة الأزمة، إلا أن هذه الأزمة لن تنتهي بشكل تام. ثم تطرق إلى نقطة ثانية وهي: الدعوة لتحرير اليد العاملة وتساءل، هل الظروف الموضوعية عندنا وصلت إلى مرحلة أن ندعو إلى تحرير اليد العاملة، فنصل بعد سنة أو سنتين إلى أزمة حقيقية، تشبه أزمة المواد والسلع الحالية؟

ثم قال: «لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها؟ فهذه الأزمة أثبتت أن قوى العرض والطلب قد مشت باتجاه يضر بالمستهلك الحقيقي». واستشهد في هذا الإطار بكلمة قالها معاون وزير الاقتصاد والتجارة الذي قال (ماكانوا التجار قد الحمل).

بعدها تطرق إلى ارتفاع أسعار اللحوم، وانتقد كل التبريرات التي قيلت بهذا الخصوص، وطلب من الدولة التدخل دائماً بعقلية المالك الحقيقي، وليس في أوقات الأزمات فحسب، ليعود بعدها متسائلاً «البعض» تحدث عن تحميل الدولة مسؤولية الأزمة، بينما هي في الحقيقة من افتعال غرف التجارة والصناعة! والدليل على ذلك، أنه لا مبرر لارتفاع أسعار السلع ذات المنشأ السوري، وطلب من منتقدي الحكومة، أن يمتلكوا الجرأة ذاتها في انتقاد الجهات الأخرى.

الحق على الصين ... وليس على الطليان

كما قدم د. قدري جميل مداخلة تحليلية موسعة قال فيها: «كنت أريد التحدث عن موضوعين، الأول: هو موضوع الأسعار، وقد تحدث البعض عنه بإسهاب، ولكنني أود أن أضيف تعليقين حوله:

1. الأسعار عندنا، مع الأسف الشديد، ليست (طالعة نازلة) مثل اليورو، الأسعار عندنا (طالعة مو نازلة).

2. كنا فيما مضى نقول، عندما نبحث عن أسباب مشكلة ما: (الحق على الطليان) الآن أصبحنا نقول  (الحق على الصين) وذلك استناداً للتبريرات التي قيلت حول الأزمة الأخيرة.

الثاني: هو موضوع الأجور، وأنا أرى أن محاضرة د. أديب هامة من ناحيتين: الناحية الأولى: أنها وصّفت الوضع، وأنا موافق على هذا التوصيف، والناحية الثانية التي أثلجت صدري، أن موضوع الأجور لم يعد بعبعاً مثل السابق. فسابقاً عندما كنا نقول إنه يجب رفع الأجور، كنا نقابَل بالصراخ  والعويل ونتهم بأننا نريد أن نحدث تضخماً، أما اليوم، فيوجد شبه إجماع على أن الأجور قاطرة لتطور الاقتصاد الوطني، ومن دونها لايمكن تنشيط الطلب ولايمكن تجديد وإعادة الإنتاج، وهذا من حيث الاستنتاج قضية هامة.

الحاجة إلى سياسة أجرية

وتابع د. قدري قائلاً: ولكن مأخذي على الذي طرح، أن المحاضر انتقد وزارة المالية على قضية الأجور، وعدم تنفيذ أي شيء في الإطار العملي، وسؤالي: هل طرحت الحكومة في بيانها أصلاً، أكثر من النية في تحسين الأجور؟ هل فعلت أكثر من إعلان موافقتها على التوجه الرئاسي لتحسين المعيشة؟ هل طرحت سياسة أجرية؟ كلنا عندنا نوايا ورغبات لتحسين الأجور ولكن كيف؟ والمحاضر نفسه لم يعالج ولم يقترب من هذا الموضوع الذي انتقد غيره عليه أعتقد أنه يجب صياغة سياسة أجرية، وهذه السياسة يجب أن ترتكز على ثلاثة مرتكزات:

● المرتكز الأول: تصحيح العلاقة بين الحد الأدنى لمستوى المعيشة والحد الأدنى للأجور، وحسب أرقام الدكتور المحاضر، فإن الفارق بين الحد الأدنى لمستوى المعيشة والحد الأدنى للأجور، يتراوح بين 4 ـ 5 أضعاف، هذا قبل ارتفاع الأسعار طبعاً، وهنا لابد من القول بأنه طوال العقدين المنصرمين، كان يتم تمويل زيادة الأجور من مصادر تضخمية (رفع أسعار البنزين والمازوت) وهذا أحدث ردة فعل سلبية لدى الناس، فصاروا بحدسهم الصادق، يتخوفون من رفع الأجور، إذ بات ذلك يعني لهم: تخفيض مستوى المعيشة. لذلك، نقطة الاستناد الأولى للسياسة الأجرية، هي حتماً نقطة الصفر بين الحد الأدنى للأجور، والحد الأدنى لمستوى المعيشة.

● المرتكز الثاني: هو ربط الأجور بالأسعار، ففي البلدان الرأسمالية (التي تحترم نفسها)، يدركون أن الحفاظ على قوة الطلب في السوق أمر هام للمحافظة أولاً على مصلحة الرأسماليين أنفسهم، وهناك مؤشرات للأسعار، مؤشر لدى الحكومة، ومؤشر لدى النقابات، وعندما ترتفع الأسعار، يحدث اختلاف بين الحكومة والنقابات  حول حجم هذا الارتفاع، يتبعه إضرابات ومد وجزر وأخذ وعطاء وتداول مستفيض، إلى أن يتم التفاوض أخيراً بين كلا الفريقين لإيجاد حل، فيتم الاتفاق بعدها على رفع الأجور بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار، وبذلك يتم المحافظة على طلب يؤمن استمرار الدورة الاقتصادية.

● المرتكز الثالث: تمويل الزيادات: إذا كان تمويل الزيادات سيتم على أساس الممارسة السابقة (من  مصادر تضخمية) فتلك زيادات لامعنى لها، الحل الوحيد لتمويل الزيادات، هو إعادة النظر بالعلاقة بين الأجور والأرباح.

اليوم، على مستوى الدخل الوطني، وحسب أرقام الدكتور أديب، هناك 70% أرباح، و 30% أجور، هذه المعادلة مختلة بنيوياً، ولايوجد بلد في العالم، العلاقة مختلة فيه بين  الأجور والأرباح بهذا الشكل، لذلك فإن مصدر التمويل الأساسي للأجور التي ستجر عربة الاقتصاد الوطني وتسمح برفع وتائر النمو، هو إعادة النظر بهذه العلاقة، مما سيؤمن مصادر جديدة وبديلة للرفع اللاحق للأجور، وهذا هو السبيل الوحيد لحل المشكلة المستعصية.

أقول أنه لا توجد عندنا سياسة أجرية، لامن حيث الرؤية ولامن حيث الجدول الزمني لتنفيذها، وإذا بقينا نسير على هذه الوتيرة برفع الأجور، فإن التوافق بين الأجور والأسعار لن يتم مطلقاً».

أعطونا حلاً شافياً: الأستاذ عارف حاج يوسف معاون وزير الاقتصاد والتجارة، تردد، (حسب اعترافه) في تقديم مداخلته، ولكن حين قرر الدفاع عن نفسه وعن وزارته وعن حكومته، بدا مرتبكاً ومستجدياً، وشكا من كثرة الانتقاد، ورأى أن جميع المداخلات لم تقدم الحلول... بينما علت الأصوات في القاعة مستنكرة كلامه، لتذكره بأن من سبقه في الحديث مباشرة، وضع خطة متكاملة لإصلاح الأجور!!!

تحرير الاقتصاد هل هو ضرورة؟

بعد انتهاء المداخلات، عقب د. عصام الزعيم على كل ماورد في المحاضرة، ورأى أنها قدمت عرضاً وافياً عن آلية عمل السوق ومشكلة ارتفاع الأسعار، وبينت أهمية وضرورة تدخل الدولة لحل المشكلات الناشئة بشكل جدي وفعال، كما عرج على مسألة الإصلاح الاقتصادي، وأكد أن تحرير الاقتصاد والانفتاح على الاقتصاد الدولي واستيراد الأسعار الدولية، كل ذلك يؤدي إلى ازدياد الهوة بين الأجور والأسعار، وهذه ظاهرة موضوعية، وعلى الدولة أن تستبق الأزمة وتسعى لمعالجتها.

وكما أن الدولة بحاجة إلى التحرير الاقتصادي، (هل هي بحاجة إلى ذلك فعلاً) فإنها يجب أن تستفيد من تجارب الآخرين بمنعكساتها السلبية و الإيجابية. ورأى الزعيم أن الإصلاح عملية طويلة ومعقدة، ومليئة بالصعوبات، وعلينا التأني وعدم الاستعجال، خاصة وأنه ليس لدينا تجارب سابقة في هذا الشأن. إننا نشرع قوانين، ومن ثم نعدلها، بعد وقت قصير، وهذا ناتج عن التسرع، وعدم التداول المعمق في هذه القضايا، وغياب المشاركة الواسعة النطاق فيها.

تعقيب المحاضر

 

في ختام الندوة شكر د. أديب ميالة جميع المداخلين وأكد أنه حاول في محاضرته، أن يكون موضوعياً، ودافع بشكل أساسي عن موقفه في توجيه المسؤولية واللوم لوزير المالية الحالي، لأنه، ومنذ سنوات طويلة، موجود في موقع اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية، وبالتالي فهو مسؤول بشكل مباشر عن كل الأخطاء التي حدثت وتحدث.